- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2019-04-20
(1)
■ إذا خرجنا من الضفة الفلسطينية، كساحة مقياس لقراءة تغير المعادلات الاصطفافات الجماهيرية، وانتقلنا إلى مخيمات لبنان، على سبيل المثال، لوجدنا أنفسنا أمام واقع آخر، يؤكد أن موازين القوى في مناطق تواجد الشعب الفلسطيني، ليست واحدة، وأن الظروف التي تلعب دوراً في صناعة جماهيرية هذا الطرف أو ذاك، في هذه المنطقة، أو تلك، مختلفة.
فعلى سبيل المثال، لا يمكن لأحد أن ينكر أن إمساك فتح بالسلطة في الضفة الفلسطينية، وإمساك حماس بالسلطة في قطاع غزة، من شأنه أن يعطي كلاً منهما أرجحية معينة في الشارع، لا تستند إلى الانتماء التنظيمي، أو الانحياز السياسي فحسب، بل تستند إلى ما تشكله هذه السلطة، لكلا الطرفين، من أداة هيمنة، وقدرة على تقديم الخدمات للأفراد، وكسب الود على أسس المصالح الفردية، وأحياناً الجماعية، كالتوظيف، والمنح الدراسية، والإحالات الطبية، والمساعدات المالية تحت بند شؤون اجتماعية، خاصة وأن كل هذه الأموال، التي تتحول إلى خدمات، هي في الأساس أموال السلطة، أي أموال المجتمع الفلسطيني، لكنها، وفي ظل علاقات سياسية واجتماعية مشوهة، توزع على الأفراد والجماعات باسم فتح أو باسم حماس، وليس باسم السلطة أو الوزارة ومتحررة من اللون الحزبي.
(2)
في مخيمات لبنان ليست هناك سلطة فلسطينية، كما هو الحال في الضفة والقطاع. السلطة الوحيدة هي السلطة اللبنانية. ومصدر القوة لهذا الفصيل أو ذاك هو نفوذه الجماهيري، والسياسي، في الشارع، كما يعبر عنه في تحركاته الميدانية السياسية وغيرها، وكما تتمثل في صندوق الاقتراع في الاتحادات الشعبية، فضلاً عن دوره في صون أمن المخيمات، وفي الدفاع عن مصالح اللاجئين. دون أن نتناسى أنه حتى في لبنان، يستفيد طرفا الانقسام من كونهما يمسكان بالسلطة في الضفة والقطاع. فالكثير مما توزعه حركة فتح من مساعدات هو في الأساس موازنات من الصندوق القومي الفلسطيني، وليس من صندوق فتح، تستفرد فتح في توزيعه، وتوهم الناس أنها هي مصدر هذا المال. وهذا الأمر يتكرر كذلك في سوريا، حيث توزع فتح مساعدات على العائلات المحتاجة، لكن من موازنات مرصودة من قبل الصندوق القومي . وفي لبنان، كما في سوريا، لا تخضع هذه العملية لرقابة الفصائل أو مشاركتها. وبالتالي تضيع الحدود والفواصل بين الموازنات الحركية، وموازنات الصندوق القومي، أي بين الموازنات المرصودة لفتح كحركة وتنظيم، وبين الموازنات المرصودة للشعب، وكثير بل ودائماً ما يتم الاتكاء على أموال الشعب لصالح تعزيز الموازنة الحركية. وكما ينطبق هذا الأمر على فتح، فإنه في الوقت نفسه ينطبق على حماس. وهو ما يبين كيف أن التنافس السياسي بين الفصائل، يتم في ظل اختلال فادح في الإمكانيات والقدرات المالية، وكيف أن الهيمنة والاستفراد لا يقتصر على القرار السياسي، بل يطال كذلك القرار المالي.
ومن الأمثلة الفاقعة على مثل هذا الواقع، قرار القيادة الرسمية الفلسطينية حرمان الجبهتين الديمقراطية والشعبية من حقهما المشروع في الصندوق القومي الفلسطيني، لا شيء سوى لأنهما تنظيمان يعارضان القيادة الرسمية وسياستها، ويرفضان الخضوع لاشتراطاتها لاستئناف صرف هذه الحقوق، ظناً من القيادة الرسمية أنها بذلك تستطيع أن تضغط على الجبهتين، وأن تدخلهما بيت الطاعة السياسية للالتحاق بمسار أوسلو، القائم على تعطيل قرارات المجلس الوطني. بينما تذهب القيادة الرسمية بعيداً في إغراق المال على بعض الفصائل، التي لا وظيفة رئيسية لها سوى التنظير (على فقره) لصحة سياسة القيادة الرسمية، وتزوير الوقائع وزرع الوهم في العقول.
كأن تنبري، في كل مرة، للترويج لخطابات القيادة الرسمية باعتبارها تحمل جديداً أو أمراً مهماً، أو الترويج لاجتماعات اللجنة التنفيذية باعتبارها تقف عند منعطف، لتفضح الحقيقة في كل مرة، زيف الادعاءات وكذبها، وأن الأمر لا يعدو كونه ترتيلاً في جوقة مديح الظل العالي.
(3)
إذا أخذنا فرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين في لبنان، والذي عقد مؤتمره مؤخراً، مقياساً لموازين القوى لبانت أمامنا الصورة التالية:
• حصلت كتلة فتح الطلابية على 47% من حجم التنسيبات للفرع. (1237 طالباًوطالبة).
• حصلت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين على 45% من حجم التنسيبات. أي (1166 طالباً وطالبة).
• مجموع ما حققه الطرفان معاً يساوي 92% من حجم التنسيبات. بينما حصلت باقي الفصائل كلها على 8% فقط من حجم التنسيبات. بعضها لم تتجاوز تنسيباته عدد أصابع اليد الواحدة. وهو يتربع في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي الحكومة الجديدة، وله من الصندوق القومي «حصة مالية» لا تقل كثيراً عن ما هو مقرر كحق للجبهة الديمقراطية.
وعندما انعقد مؤتمر الفرع توزعت مقاعد الهيئة الإدارية للفرع على قاعدة التمثيل النسبي، لذلك كان من الطبيعي أن تكون الرئاسة لفتح، ونائب الرئيس من الجبهة الديمقراطية. وحرصاً من الطرفين على صون الوحدة الوطنية، جرى التنازل لبعض الفصائل التي لم تحقق من التنسيبات ما يؤهلها لأن تتمثل في الهيئة الإدارية.
(4)
في فرع الاتحاد العام لعمال فلسطين، كانت الصورة شبيهة جداً بما هي عليه في «الطلبة».
فقد فتح باب التنسيب تحضيراً لعقد المؤتمر. وقد أسفرت النتائج عما يلي:
1- فتح 10.153 تنسيباً أي 47.7%.
2- الجبهة الديمقراطية 6.039 تنسيباً أي 28.5%.
3- الجبهة الشعبية 2.460 تنسيباً أي 11.5%.
4- جبهة النضال الشعبي 941 تنسيباً أي 4.4%.
5- حزب الشعب 669 تنسيباً أي 3.1%.
6- جبهة التحرير العربية 440 تنسيباً أي 2%.
7- فدا 298 تنسيباً أي 1.4%.
8- العربية الفلسطينية 263 تنسيباً أي 1.2%.
9- التحرير الفلسطينية 43 تنسيباً أي 0.2%.
وكان من الطبيعي عند انعقاد مؤتمر الفرع أن تتولى رئاسة الهيئة الإدارية حركة فتح وأن يكون نائب الرئيس من الديمقراطية. وأن يكون لفتح والديمقراطية أكثر من مقعد في الهيئة الإدارية وإن كان التشكيل خالف هذه المرة نظام التمثيل النسبي.
أما في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، فكان واضحاً للأمانة العامة، في رام الله أن الاتحاد العام في لبنان يرتكز بشكل رئيسي على طرفين هما فتح والجبهة الديمقراطية، لذلك كان من الطبيعي أن ينعكس هذا الأمر في تشكيل الهيئة الإدارية في لبنان، وفي التمثيل في مجلس الاتحاد في رام الله. بحيث تحتل الجبهة موقع نائب الرئيس الاتحاد.
وإذا ما انطلقنا نحو أوروبا الغربية، وأميركا اللاتينية، ومناطق أخرى، فيها تواجد ملموس للجاليات والتجمعات السكانية الفلسطينية، وأطلعنا على الإنحيازات السياسية لأبناء هذه الجاليات، لتبين أنها لم تعد تحت هيمنة فئة دون غيرها، رغم أن السفارات الفلسطينية، مازالت، حتى الآن، تجير نفوذها لصالح حركة فتح على حساب غيرها، خاصة وأن هذه السفارات يحتشد فيها موظفون كلهم من لون سياسي وحزبي واحد، ومهما تلونت انتماءاتهم، إلا أنها تبقى في إطار المربع الواحد.
وبات مكشوفاً أن دائرة المغتربين، التي انتزعت من اللجنة التنفيذية وأحيلت إلى أحد مستشاري الرئيس عباس، باتت لا هم لها سوى العمل على ما تسميه «توحيد الجاليات الفلسطينية»، في صيغة تحاول من خلالها أن تفرض هيمنة فتح على الجاليات كافة. دون الأخذ بعين الاعتبار التلاوين السياسية التي تسود صفوف الجاليات، ودون أن تدرك أن جالياتنا الفلسطينية، والتي عايشت في أوروبا، وأميركا اللاتينية التجارب الديمقراطية للشعوب الأخرى، لم تعد ترضى إلا بعلاقات قائمة على مبادئ الديمقراطية واحترام الفرد واحترام رأيه، وبالتالي، دون أن تدرك أن الجاليات هي وحدها من تبني مؤسساتها، بالأساليب والطرق والآليات التي تناسبها وتناسب ظروفها، وتنسجم مع وعيها الديمقراطي لمفاهيم الانتظام في مؤسسات مجتمعية، بعيداً عن هيمنة هذه الدائرة أو تلك، وبعيداً عن هيمنة هذا الموظف في هذه السفارة أو تلك.
(5)
ما يتوجب قوله في الختام إن الحالة الفلسطينية، رغم كل المظاهر السلبية، والصعوبات التي تعيشها، والمخاطر التي تواجهها، لم تتوقف عن التطور إلى الأمام.
فهناك أكثر من جيل من الفلسطينيين مازال «محيداً»، ومغلقة عليه السبل ليأخذ موقعه في المجتمع، إن في المستوى القيادي لفصائل العمل الوطني أو في الاتحادات والمؤسسات الشعبية، وهذا الجيل متحرر من العديد من المفاهيم التي نجحت سياسة الإفساد في زرعها في صفوف المناضلين. باتت لديه مقاييسه ومعاييره في حساب الأمور ومقاربتها. وهذا يجب أن يؤخذ بالحسبان.
فضلاً عن المسار السياسي الذي تتبعه فصائل العمل الوطني، كل وفق برنامجه ورؤيته، والذي من شأنه أن يسهم في صناعة معادلات جديدة. فلا شيء مستقراً في الحالة الفلسطينية، وصندوق الاقتراع هو المقياس، خاصة وقد تقدمت الحالة الفلسطينية إلى الأمام في صياغة قانون انتخابي يوفر، وفق نظام التمثيل النسبي، الفرصة أمام الجميع ليحتل موقعه وفقاً لنفوذه الحقيقي، ووفقاً لإرادة الشارع، بعيداً عن سياسة الهيمنة والكوتا البغيضة، التي أورثت الحياة السياسية الفلسطينية أمراضاً خطيرة، وساهمت في تعطيل حركة التغيير، كما ساهمت في تعطيل حركة التجديد، وأمدت، أكثر من اللازم، في عمر «قديم»، تؤكد الوقائع العملية أنه بات في حالة موت سريري، لكن الآليات القائمة الآن، هي التي عطلت ترحيله إلى مثواه الأخير.
ولعل هذا ما يدفعنا للتقدير لماذا يعمل البعض على تعطيل تنظيم انتخابات شاملة، للرئاسة، وللمجلسين التشريعي والوطني، بنظام التمثيل النسبي. ولماذا يصر على إدامة الأمر الواقع، الذي تجاوزته الشرعية الانتخابية ومازال قائماً على مبدأ شرعية التوافق الوطني الفلسطيني.■