- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2019-05-09
الهامش الأول
■ حسب النظام، وحسب الأصول، وبموجب اللوائح الداخلية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تحيل المجالس المركزية والوطنية في م.ت.ف . قراراتها إلى اللجنة التنفيذية، لتعمل على تنفيذها، بإعتبارها ملزمة لها، وبإعتبار أن وظيفة هذه اللجنة هي «تنفيذ» قرارات المؤسسة التشريعية، عملاً بالأنظمة البرلمانية. فالمؤسسة التشريعية تسن القوانين وتعهد إلى المؤسسة التنفيذية ( أي الحكومة ــ وهي عند النظام الفلسطيني اللجنة التنفيذية) العمل على وضع آليات وتطبيق القانون.
هذا ما قرره المجلس المركزي في 5/3/2015، بشأن الموقف من الإحتلال وإتفاق أوسلو والعملية التفاوضية الثنائية، وما عاد وأكد عليه في دورته الـ27 في 15/1/2018، وما عمل المجلس الوطني على تطويره في دورته الـ23 في 30/4/2018. وبالتالي أن تعيد المؤسسة التشريعية التأكيد ثم تعيد التأكيد مرة أخرى، ثم مرة ثالثة على قراراتها، معناه أن هذه القرارات باتت شديدة الإلزام للمؤسسة التنفيذية، أي للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير [وعندما نقول اللجنة التنفيذية، فإن هذا يعني في السياق كل أعضاء اللجنة بمن في ذلك رئيسها وأمين سرها، إذ أن هذين الإثنين تمّ إنتخابهما في المجلس الوطني «أعضاء» في اللجنة التنفيذية، واللجنة بدورها هي التي إختارتهما رئيساً وأميناً للسر فيها. وهذا لا يعطي أياً منهما إمتيازاً في طبيعة العضوية، إلا من زاوية المهام التي يتولاها].
اللجنة التنفيذية بدورها، وتحت الضغط الثقيل لرئيسها [ لما يحوزه من صلاحيات خارج التنفيذية نفسها]، وفي ظل تواطؤ عدد من أعضائها، عطلت قرارات التنفيذية، ودخلت في لعبة إحالة القرارات إلى لجان دراسة بذريعة وضع آليات للتطبيق. طورت اللعبة بحيث لجأت إلى لعبة تكرار دعوات المجلس المركزي، مرة لإعادة التأكيد على قرارات الوطني (!) [ أي أن المؤسسة الأدنى تؤكد على صحة المؤسسة الأعلى، في هرطقة تنظيمية وسياسية مكشوفة الأهداف والمقاصد] ومرة للتأكيد على الدورة السابقة للمجلس المركزي (في لعبة أصبحت سمجة إلى درجة أن عدداً من أعضاء المركزي المستقلين لم يعودوا يستغيثونها فقاطعوا آخر دورتين للمجلس المركزي).
آخر ما تفتقت عنه عبقرية الدورة الـ30 للمركزي تمثلت بالتالي:
1) أنه ميز بين اللجنة التنفيذية ورئيسها حين أحال إلى «السيد الرئيس» واللجنة التنفيذية، تطبيق القرارات. وهو تمييز يشكل خرقاً دستورياً وقانونياً فظاً، فالمجلس لا يكلف «رئيس الدولة»، بل يكلف، حسب النظام، اللجنة التنفيذية، كمؤسسة موحدة، تقوم العلاقات بين أعضائها، بمن فيهم رئيسها، على قاعدة التكامل، والتكافل، لا على قاعدة التمييز والإمتياز.
2) إن المجلس، في دورته نفسها (الدورة الـ30) طلب إلى اللجنة التنفيذية أن تشكل«هيئة وطنية عليا» لتعمل على تطبيق قراراته، علماً أن صلاحياته تنص على إحالة القرارات إلى اللجنة التنفيذية، بإعتبارها الهيئة الوطنية الفلسطينية الأعلى، في م.ت.ف، ما بين إجتماعين للمركزي أو للوطني. وبالتالي إحالة قراراته إلى ما يسمى «بالهيئة الوطنية العليا» يشكل تحقيراً للتنفيذية، ومساً خطيراً بصلاحياتها، وإحداث خلل في حجم المسؤوليات، خاصة وأن التنفيذية، هيئة منتخبة من قبل المجلس الوطني (أي هيئة شرعية قانوناً) بينما «الهيئة العليا» هيئة مركبة بقرار منفرد من رئيس السلطة، وبين هذه الصيغة وتلك مسافات شاسعة، وهكذا تكون المؤسسة التشريعية (أي المركزي) قد انتهكت نظام عمل م.ت.ف.
3) إن رئيس السلطة دعا هذه «الهيئة العليا» مرة بإعتبارها «القيادة السياسية للشعب الفلسطيني». دون أي تفسير وتوضيح كيف إنتقلت من كونها «هيئة عليا» لتطبيق قرارات «المركزي» إلى «قيادة سياسية» لشعب لم ينتخبها، من صلاحياتها، نظرياً أن تأخذ القرار السياسي، من وراء اللجنة التنفيذية، ومن وراء المجلس المركزي نفسه، حين تتجاوز «صلاحياتها» المحدودة والممنوحة لها (خلافاً للنظام) من قبل المجلس المركزي.
4) إن اللجنة التنفيذية، نفسها، أحالت بقرار (هو الآخر شكل من أشكال الهرطقة السياسية والقانونية) صلاحية تطبيق قرارات المجلس المركزي، وقبله الوطني، إلى الحكومة الفلسطينية الجديدة.
ما يضعنا أمام السؤال التالي: من هو المسؤول عن تطبيق قرارات المؤسسة التشريعية؟ هل هي اللجنة التنفيذية، أم هي «الهيئة الوطنية العليا»؟ أم هي حكومة السلطة الفلسطينية؟.
السؤال نفسه يدل على حجم الفوضى التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني. والسؤال نفسه يدل على أن سبب الفوضى، هو إفتقار القيادة الرسمية لإستراتيجية سياسية خارج مأساة أوسلو، لذلك تراها تعبث بالهيئات وصلاحيات الهيئات حتى ولو أدى ذلك إلى زرع الفوضى في صفوف النظام السياسي الفلسطيني.■
الهامش الثاني
■ لو إفترضنا جدلاً أن حكومة السلطة برئاسة الدكتور اشتية، قررت أن تنفذ قرارات المجلس المركزي والوطني عملاً بتكليف اللجنة التنفيذية لها، هل بإمكانها أن تفعل ذلك؟.
1) بشأن الإعتراف بإسرائيل، أي سحبه، أو تعليقه إلى حين إعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية. إتفاق الإعتراف المتبادل [والمختل لصالح إسرائيل] تم توقيعه في 9/9/1993، بين رئيس دولة فلسطين من جهة، الراحل ياسر عرفات، ورئيس حكومة إسرائيل، من جهة أخرى، اسحق رابين. نص الإعتراف المتبادل على إعتراف م.ت.ف، «بحق إسرائيل في الوجود»، وهو تجاوز سياسي خطير، فالإعتراف يكون «بدولة إسرائيل»، وليس بحقها في الوجود. أي أن الإعتراف الفلسطيني تجاوز «الدولة» نحو الإعتراف «بحق» الحركة الصهيونية في قيام دولتها على أرض فلسطين.
بالمقابل إعترف رابين (إسرائيل) «بالفلسطينيين»، وليس بدولة فلسطين، ولا حتى بالشعب الفلسطيني. وبأن م.ت.ف، هي ممثل الفلسطينيين، دون أن يرتقي ذلك إلى الإعتراف بهم شعباً.
وفقاً لآلية تبادل الإعتراف، يفترض أن يوقع قرار سحب الإعتراف (أو تعليقه) بإسرائيل، صاحب الصلاحية الذي وقع قرار الإعتراف، أي رئيس دولة فلسطين، فرئيس حكومة السلطة [ أي سلطة إدارة الحكم الذاتي المحدود] لا يملك صلاحية أن يلغي قراراً لرئيس دولة فلسطين. وبالتالي ما إحالة مهمة تنفيذ هذا القرار إلى الحكومة إلا هرطقة سياسية أخرى، وتهرب مكشوف من المسؤولية، وتعطيل لآليات تنفيذ القرار، والنتيجة أن أوسلو مازال حياً يرزق من جانبه الفلسطيني في ظل التمسك بإلتزاماته وإستحقاقاته.
2) بشأن توقيع إتفاق أوسلو. تم التوقيع في 13/9/1993 في حديقة البيت الأبيض برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون. وقع عن الجانب الفلسطيني أمين سر اللجنة التنفيذية وكان يقوم بهذه المهمة محمود عباس لإمتناع فاروق القدومي (أبو اللطف) عن الحضور والتوقيع. أما عن الجانب الإسرائيلي فوقع وزير الخارجية شمعون بيريس. وبالتالي إذا ما أراد اشتية أن يحل محل اللجنة التنفيذية، فإنه لا يملك، لا هو، ولا أي من أعضاء حكومته صلاحية نقض توقيع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وبالتالي (أيضاً) تعتبر الإحالة إلى الحكومة إستمراراً للعبة ذاتها، وإستمراراً بالعمل بالسياسة ذاتها.
3) بروتوكول باريس الإقتصادي وقعه عن الجانب الفلسطيني أحمد قريع، وكان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وعضو المطبخ السياسي المصغر والمغلق والذي أخذ على عاتقه الدخول في إتفاق أوسلو من وراء ظهر المؤسسة الوطنية. وبما أنه بروتوكول ملزم لمنظمة التحرير الفلسطينية، فصلاحية وقف التعامل به هي من مسؤولية اللجنة التنفيذية.
4) الأمر ينطبق كذلك على باقي البنود، إن أي وقف التنسيق الأمني، وغيره من القرارات، بما في ذلك الذهاب إلى الأمم المتحدة بثلاثة مشاريع قرارات: أ) العضوية العاملة لدولة فلسطين، ب) الحماية الدولية للشعب والأرض، ج) وطلب الدعوة لمؤتمر دولي بإشراف الأمم المتحدة وقراراتها بديلاً لمفاوضات أوسلو بما فيها «رؤية الرئيس».
خلاصة أخيرة: أين كانت المحكمة الدستورية حين خالفت اللجنة التنفيذية القوانين والنظام الأساسي للسلطة، والنظام الداخلي، لمنظمة التحرير وميثاقها الوطني.
أم أن المحكمة باتت هي الأخرى جزءاً من اللعبة وشريكاً فيها؟■
الهامش الثالث
■ في لقاءاتها الرسمية مع القوى والفصائل، تؤكد حركة فتح على الدوام أنها ليست طرفاً في الإنقسام، وأنها وافقت على التفاهمات والإتفاقات الموقعة ثنائياً مع حماس وجماعياً مع القوى كافة، وأن الإنقسام سببه حركة حماس. وتطلب على الدوام، من القوى الكف عن القول بـ «طرفي الإنقسام»، والتأكيد بالمقابل أن للإنقسام طرفاُ واحداً، هو حركة حماس. بالمقابل تؤكد حماس الموقف ذاته، وتقول إنها ليست طرفاً في الإنقسام، وإنها ضد الإنقسام وإنها مع تطبيق التفاهمات الثنائية والجماعية – لذلك تطلب من الجميع الكف عن القول بـ «طرفي الإنقسام» وتحميل مسؤولية الإنقسام لفتح وحدها.
الطرفان – للأسف، في حالة إنكار.
ربما غاب عن بال الطرفين أن الصراع بينهما سبق الإنتخابات التشريعية في العام 2006، وأنه اتخذ أشكالاً مختلفة، من أسبابها مثلاً أن حماس لا تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، ما جعل من الخلاف السياسي مع فصائل المنظمة مسألة رئيسية.
احتد الصراع مع الإنتخابات التشريعية عام 2006، حين فازت حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي. فتح بادرت إلى الهجوم للرد على هزيمة الإنتخابات، فأخذت، متسلحة بموقع الرئاسة، وبقايا أيام المجلس التشريعي، إلى تجريد مؤسسة الحكومة من العديد من الصلاحيات، وأحالتها إلى مؤسسة الرئاسة. هذه الصلاحيات دار حولها معركة بين الراحل ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية، ومحمود عباس، أول رئيس حكومة في السلطة منفصلة عن مؤسسة الرئاسة. وخاض عباس معركة حامية ضد مؤسسة الرئاسة لتجريدها من العديد من صلاحيتها آنذاك، مدعوماً بالإتحاد الأوروبي والرباعية الدولية، التي قررت «إعادة تركيب» السلطة الفلسطينية بعد إندلاع الإنتفاضة الثانية وتحميل عرفات مسؤولية تفجيرها والتشجيع عليها. ردت حماس على الهجوم المؤسساتي لفتح بهجوم مضاد في أول جلسة للمجلس التشريعي، حين عمل رئيس المجلس آنذاك عزيز دويك على طرد الموظفين الموالين لفتح والعاملين في إدارات المجلس التشريعي وأمانته العامة، وأحل محلهم موظفين موالين لحماس وحدها.
عندما تشكلت حكومة هنية الأولى، حاولت فتح أن تجردها من أهم ورقتين. الورقة الأولى الأجهزة الأمنية، حيث بدأت حماس تشكو أن الأجهزة الأمنية الموروثة من السلطة تتمرد على وزير الداخلية وترفض أوامره. مما دعا حماس يومها للرد على هذا بتشكيل ما سمي بالقوة التنفيذية، كل عناصرها من حماس والموالين لها.
وباتت الحالة الفلسطينية أمام قوتين أمنيتين، ما أدى إلى إمتداد الصراع إلى حاملي البندقية من الطرفين. أما الورقة الثانية فكانت وزارة المال، حين فرضت «الرباعية الدولية» حصارها المالي على الحكومة برئاسة هنية، واستحدثت آلية لتمويل السلطة، تكون عبر الرئيس محمود عباس. ما دفع حماس للبحث عن آلية تمويل خاصة بها للتحرر من قيود «الرباعية لدولية» وتحالفها مع رئيس السلطة.
وإمتدت المعركة مناوشات في الشارع، وحشد قوى، وتجميع سلاح، إلى أن انفجر الصراع وحسم أمره في 14/6/2007. ما يؤكد أن الصراع كان على السلطة. وعلى منافع السلطة، وعلى نفوذها وحتى عندما تم التوصل إلى وثيقة «الوفاق الوطني» في 26/6/2006 وطلب إلى الرئيس عباس واسماعيل هنية التفاوض حول حكومة جديدة. امتد التفاوض حتى شباط 2007، لا لشيء سوى للصراع على الحصص في الحكومة الجديدة. ومازال الصراع قائماً على تقاسم السلطة. والبنود العالقة بينهما هي بنود محاصصة على السلطة. فتح تطرح: نريد السلطة في القطاع من الباب إلى المحراب. وحماس تريد تقاسم السلطة مع فتح. وبالتالي إنكار الطرفين أن كلاً منهما ليس طرفاً في الإنقسام، من شأنه أن يؤكد أن الطرفين مازالا، وكل من موقعه، ينكر الحقائق، ويزيف الواقع، وأن الطرفين لم يصلا بعد إلى لحظة الحسم، أي الإستعداد لإنهاء الإنقسام، لأنهما لم يتوافقا بعد على آلية تقاسم السلطة.