- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2019-05-14
ماذا تصنع بالفلسطينيين، أيها الرئيس محمود عباس؟ هل عبادة الفرد هي التي تنقصهم في الوقت الحالي من اجل ازالة الاحتلال واقامة دولة فلسطينية ديمقراطية، التي ستفيد ابناءها؟ جاكي خوري كتب في “هآرتس” عن كراسة بعنوان “رئيسنا قدوتنا”، التي تتضمن اقتباسات لعباس والتي ستوزع على جميع المدارس في مناطق السلطة الفلسطينية. الحقيقة هي أن ابداع كهذا يصعب ايجاده لدى زعماء عرب آخرين؛ كنا معتادين على صفة الرفيق القائد أو الأخ القائد. حتى الرئيس الليبي السابق معمر القذافي الذي نشر “الكتاب الاخضر” الذي تناول نظريات غريبة قام بوضعها، لم يتجرأ، وربما لم يفكر، على أن يعزو لنفسه صفة القدوة.
يبدو أنه كلما ضربت اسرائيل بصورة أشد الفلسطينيين فان قادة الشعب الفلسطيني يصبحون أكثر انغلاقا واكثر ثقة بانفسهم. هكذا هو الوضع لدى حماس في غزة، مع قمع المظاهرات هناك. ذات يوم قال غوار، الشخصية الساخرة السورية، “الدولة تضربني وأنا اضرب زوجتي وزوجتي تضرب الاولاد، وهم يضربون أولاد الحارة”. الدائرة تدور والناس يسحقون.
ولكن اذا كان الامر يتعلق بقدوة فلماذا هذا الخير فقط يكون من نصيب عدد من الفلسطينيين؟ لماذا لا يسمون عباس “شمس الشعوب” أو على الاقل “شمس الشرق الاوسط”؟ لماذا لا يسمونه “الزعيم المحبوب” أو “الزعيم الكبير” كما هي الحال في كوريا الشمالية؟ هذا التواضع لقيادة السلطة يثير تساؤلات كثيرة.
هل هذه هي الدولة التي حلمت بها الاجيال الفلسطينية؟ هل هذه هي الدولة التي ارادوا تحريرها من الحكم العثماني والحكم البريطاني والاسرائيليين؟ هل هذا وطن الثوار الذي حلم به الشاعر الفلسطيني عبد الكريم الكرمي؟ هل هذه هي فلسطين التي حلم بها الشعراء ابراهيم طوقان ومحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد؟ هؤلاء الشعراء عبروا عن التوق الى تحرر الانسان ليس فقط من الاحتلال الاجنبي، بل من كل ديكتاتورية داخلية.
عباس حظي بفضل كبير عندما عبر بشجاعة عما عبر عنه الآخرون في الغرف المغلقة وفي العلن قالوا العكس. لقد اراد حرب شعبية بدون استخدام السلاح الحي. وقال ذلك علنا. سياسته احرجت حكومة اسرائيل التي ساحتها مبنية على القوة والقوة الزائدة. كما أن هذا الشخص الذي يسمونه في اسرائيل “صوص منتوف الريش” يقف الآن ببطولة امام الولايات المتحدة ويدمر صفقة القرن لترامب ويفرض على زعماء الدول العربية سحب دعمهم المخجل لهذه الصفقة رغم الضغط الكبير من جانب الامريكيين.
اذا كان الامر هكذا فلماذا دخل الى مستنقع التملق هذا؟ يبدو أنه في الجوهر مبنى النظام حول عباس قائم على النموذج العام العربي – نموذج قائم على التملق الزائد للزعيم، غياب الانتقاد وابعاد كل صاحب رأي مستقل وانتقادي. يبقى فقط من يقولون نعم ومن يصفقون. كم هو محزن رؤية الزعيم الفلسطيني صائب عريقات الذي يقود نضال اعلامي لامع من اجل الفلسطينيين وهو يلوح بفخر بهذه الكراسة.
واذا كانوا في السلطة الفلسطينية تحت الاحتلال الاسرائيلي الذي يحيط بهم من كل الجهات، تجري الامور بهذه الصورة فماذا سيكون الوضع عندما تصبح فلسطين سيادية مثل الدول العربية الاخرى؟ هذا الامر مقلق جدا، ومن المهم جدا أن نشرح بأن الجانب الثاني من عبادة الشخصية سيكون بالضرورة قمع حرية التعبير وقمع اصحاب التفكير المستقل.
أنا ارغب في التوجه الى كل اصدقائي في وسائل الاعلام هنا: “رجاء، حاولوا اخفاء هذا النبأ حتى لا يصل، لا سمح الله، الى آذان المقربين من نتنياهو المشهور، خاصة ليس الى وزيرتنا القدوة ميري ريغف. الوزيرة ريغف ستنقض على هذه الفكرة وسيخرج لدينا كتاب بعنوان “زعيمنا القدوة وحربه ضد الاشرار في الداخل والخارج”.