تمضي الأيام سريعاً ومخيم اليرموك يعيش حالة مأساوية في ظل انغلاق الطرق منه وإليه والحصار الذي يتعرض له، مما أدى إلى الافتقار وبشكل مفزع إلى المواد الغذائية من الأنواع كافة بما في ذلك مادة الخبز التي لا يمكن الاستغناء عنها، وهو ما أوجد حالة من البشاعة في ابتداع أكثر من سوق سوداء داخل المخيم، ارتفعت فيها أسعار المواد الغذائية، من حبوب وخضار ومعلبات، كذلك ارتفعت أسعار السجائر بطريقة جنونية وأسطورية حتى أنه يصعب معها تصديق الأخبار اليومية من المخيم، رغم أنها حقيقية وتعكس بصدق شديد واقع الحال فيه.
إلى جانب ذلك يتعرض المخيم إلى تداعيات القتال عند مداخله، فيتواصل القصف على إحيائه المختلفة ما يؤدي إلى سقوط شهداء وجرحى بين صفوف المواطنين العزل من كل أنواع السلاح، وما يؤدي في الوقت نفسه إلى تدمير المنازل وإلحاق الخراب فيها، وهي التي تعرضت على مدى الأشهر الماضية إلى حملة نهب منظمة على يد مجموعات مسلحة، لم تترك منزلاً إلا ودخلته تحت ذرائع مختلفة، كان آخرها البحث عن المواد التموينية التي خلفها النازحون وراءهم.
لكن "المصادرات" طالت كل شيء، ولم تقتصر على المواد التموينية، فاختفت من المنازل الأدوات الكهربائية على اختلاف أنواعها، والملابس وغيرها، مما أضاف إلى مأساة مهجري اليرموك وسكانه مأساة إضافية .
السؤال المطروح الآن على بساط البحث هو: هل بات مخيم اليرموك جزءاً من المعضلة السورية ولا يمكن معالجة قضيته إلا عندما تعالج القضية السورية كلها، والوصول بين الأطراف المختلفة إلى حلول سلمية، أم أنه بالإمكان معالجة قضية اليرموك بمعزل عن باقي القضايا، وبالتالي طرح مبادرة سلمية خاصة بمخيم اليرموك، تتيح انسحاب المسلحين منه وفك الحصار عنه، وفتح الطرق إليه، والسماح بعودة أهاليه المهجرين والنازحين، والسماح بإدخال المواد التموينية إليه، وتزويد المستوصفات والمستشفيات العاملة فيه بحاجاتها للأدوية والمواد الطبية، والعمل تدريجياً على عودة الحياة الطبيعية إلى إحيائه كافة، واستعادته كما كان منطقة أمان واستقرار السكان، ولن يرغب في اللجوء إليه.
اليرموك كما هو معروف ليس طرفاً في الأزمة السورية، وسكانه الفلسطينيون حرصوا على الدوام على اتخاذ موقف الحياد الإيجابي مما تتعرض له سوريا، فاستقبلوا النازحين والمهجرين من الأحياء المجاورة، ودعوا إلى تحييد المخيم (وكل المخيمات الفلسطينية في سوريا) وعدم الزج بها في المعارك الدائرة، وتجنيبها ويلات الاقتتال، والحفاظ عليها مناطق أمن وأمان لسكانها، ولمن لجأوا إليها من المناطق المجاورة والمدن التي أصابتها ويلات الحرب والقتال في سوريا.
الحياد الايجابي كما عبر عنه الفلسطينيون هو وقوفهم على الحياد، والدعوة على الدوام إلى وقف القتال، والوصول بين أطراف الأزمة في سوريا إلى تسويات سلمية، ورفض كل أشكال التدخل الخارجي في الشأن السوري، لأنه يعزز مسيرة العنف، ويصب الزيت على نار القتال.
مخيم اليرموك ينوء بحمله، ويستغيث أبناؤه بشكل يومي، فآن الأوان لشق الطريق أمام الحلول العقلانية وطرح مبادرة سلمية تنقذ ما بقي من هذا المخيم وتنقذ سكانه.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف