كتب عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني ، طلعت الصفدي ، مقالة تحت عنوان " يلعن هيك مفاوضات .. على هيك مقاومة " جاء فيها :
"يستغيث بصوته العاري المبحوح ،عبر ميني ميكرفون متقطع النفس ،كأن عزرائيل يلاحقه ،يحمل ثقل كل أوزار التاريخ الفلسطيني والعربي القديم والحديث والمعاصر " سردين وسمك بلدي للشوي والقلي يا ابو العيال تعال " يرد عليه عجوز طاعن في السن ممسكا بعصا موسى " أي في أكثر من هيك شوي وقلي يتعرض له شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية والشتات ،وخصوصا في قطاع غزة " !!!!!.
سرب عربات الكارو التي يقودها الإنسان والحمار ،تتجمع حول مسجد على بن أبي طالب في انتظار خروج المصلين بعد صلاة الظهر . خضروات مكدسة برغم الحصار على غزة فالأرض بتتكلم عربي ،يطل عليك الباذنجان الاسود كسواد الليل ،والبطاطا المختبئة في جوف الارض منذ الصيف لتلحق سعرها في الخريف ،والبندورة المسخوطة المرتجفة بلونها الأصفر المائل للاحمرار بلا ماء ولا رائحة ،وسعرها في العلالي كسعر التفاح الامريكي وأغلى . تتداخل العربات في الساحة الخارجية بألوان حميرها وأعمارها المختلفة ،والشقاء والتعب بائنا على اجسادها مهدودة الحيل من كثرة عمل السخرة ،وبقيادة البائعين الشباب ،يتقاطر الخارجون من المسجد ويتجمعون حول حمير العصر الأسود ،ففي غزة من يمتلك حمارا لا يحتاج للوقوف ساعات طويلة أمام محطات الوقود للحصول على مؤن سيارته من السولار والبنزين الاسرائيلي . يتجمع حشد من المصلين حول تلك التجمعات الحيوانية يفتش عن أرخص خضروات بما يتناسب مع ما في جيبه المخروم المتواضع ،فاليد قصيرة والحاجات كبيرة ،والحمير تتشابك وتتعارك مثلما تتعارك القوى نحو اليمين أو اليسار .
فجأة ودون انتظار فقد أحد البائعين الشباب خريج احدى الجامعات الفلسطينية وعيه ،خصوصا بعد تجاهل المشترين لخضرواته الملعونة ،وكأن صلاحيتها قد انتهت ،وصرخ بأعلى صوته عبر ميكروفونه : هنا غزة ،هنا مخلفات الحصار ،هنا الناس الغلابا الي ما حدش مدور عليهم ،هنا المفاوضات ،المسئولون المتنفذون يصرحون انه مهما جار علينا الزمان والمكان من حكومة نتيناهو اليمينية وغلاة مستوطنيه ،فإننا برغم انسحاب وفدنا المفاوض ظاهريا واستعراضيا احتجاجا على تعنت حكومة الارهاب والعنصرية ،ومداهمة المسجد الاقصى ،لن ننسحب من المفاوضات ،ومصرون على استمرارها حتى تسعة أشهر ،وربما تسعة سنين ،ارضاء لعيون الولايات المتحدة الامريكية ،وحتى لا يقول المجتمع الدولي اننا نحن من يعطل المفاوضات ،ماذا يهم فالحياة مفاوضات !!! أي في أحسن من هيك استسلام ،البيض كله في السلة الامريكية مما أثار انتباه المواطنين ،فهبوا اتجاه عربة البائع وتجمهروا حولها ،وبدءوا بشراء خضرواته التي أوشكت على النفاد.
استفز هذا المشهد بائع آخر كاد أن يخرج من التجمع ،ويسحب حماره خارج الملعب ،وهو المتابع لما جرى مع رفيقه ،صاح بأعلى صوته " لماذا تتهمون المفاوضات فقط ؟؟ وهي المقاومة أفضل حال من المفاوضات ؟؟ وين هي المقاومة الحقيقية ؟؟؟ ما مغزى الاستعراضات العسكرية المكشوفة ،وهل هي لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي ،والدفاع عن الوطن والأرض والشعب وكرامة الإنسان ام هي لتخويف المواطنين وإرهابهم وإغلاق انفاسهم ؟؟ لماذا العداء بين المفاوضات وبين المقاومة ،فالمفاوضات والمقاومة هي وسائل وأدوات كفاحية تتغير مع تغير الواقع والمرحلة ،وهي ليست أهدافا ،ومعابد مقدسة ..!!!
اشتبك المواطنون بالزعيق وبالأصوات العالية ،وانقسموا على أنفسهم ،ونسوا في زحمة الجدل الدائر البائع الغليان الذي شاهد الانقسام بينهم ،ولم ينجح في الترويج لبضاعته فصرخ يلعن هيك مفاوضات وهيك مقاومة ،وبعد نهاية جولة المصارعة الكلامية وصفاء الجو ،أجمع من بقي في الساحة ،بضرورة الجمع الناجح بين العمل الدبلوماسي والسياسي والمفاوضات دون التخلي عن الثوابت الوطنية ،وبين المقاومة بكل اشكالها وفي مقدمتها المقاومة الشعبية والمسلحة حتى يدرك المحتل ثمن احتلاله للأرض الفلسطينية ،وبضرورة توجه دولة فلسطين الفوري للمنظمات الدولية وملاحقة المسئولين السياسيين والعسكريين الاسرائيليين كمجرمي حرب ،فلا مقاومة بدون مفاوضات ،ولا مفاوضات دون مقاومة !!! وكلتاهما تشكلان مدخلا لوحدة الشعب الفلسطيني وقواه السياسية ،ووضع استراتيجية سياسية وكفاحية لمواجهة الاحتلال والاستيطان والعدوان ورفع الحصار ،مستندين للبعد العربي والدولي ،وفي المقدمة منها تطبيق ما تم التوقيع عليه في القاهرة والدوحة بتشكيل حكومة التوافق الوطني ،وتحديد موعد للانتخابات الرئاسية والتشريعية ،وكفى اهدارا ومضيعة للوقت ،فالوقت من دم .

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف