لم يعد خافياً ذلك الارتباك الذي يخيّم على أجواء المفاوض الفلسطيني مع اقتراب استحقاق انتهاء الأشهر التسعة للمفاوضات في شباط المقبل. وتبدو حقيقة هذا الارتباك مع انكشاف افتقار المفاوض الفلسطيني إلى استراتيجيات بديلة من إستراتيجيته الوحيدة المتمثلة بالمفاوضات مع إسرائيل في ظل الرعاية الأميركية المعروفة.
وكما بينت المصادر المطلعة، فقد أعاد الجانب الإسرائيلي صوغ العملية التفاوضية، ملغياً كل ما سبقها من لقاءات ومحادثات في زمن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، منطلقاً من نقطة الصفر، معتمداً لغة الاقتراحات الافتراضية، في عرض أفكاره لاستدراج المواقف الفلسطينية مما حوّل المفاوضات عملية استطلاع إسرائيلية لحدود المواقف الفلسطينية، وسقف الحل الذي تنشده رام الله.
ويبدو أن التشدد الإسرائيلي فاقم من الأزمة التفاوضية حيث وصل الاقتناع لبعض أفراد الفريق الفلسطيني المفاوض إلى أن ما تطمح إسرائيل لتحقيقه ليس "حل الدولتين" كما عرضته ودعت له واشنطن، بل حل "الدولة الواحدة في نظامين"، أي إدارة فلسطينية لا تملك أي شكل من أشكال السيادة لا على الأرض، ولا على الجو، ولا على البحر، ولا تملك مرفأها ومطارها الخاصيين بها، أما المعابر إلى مناطق الإدارة فتبقى تحت السيطرة الإسرائيلية أو في أحسن الأحوال، تحت السيطرة المشتركة الإسرائيلية – الفلسطينية.
ويبدو، كما أوضحت بعض مصادر الفريق المفاوض في رام الله، أن ما تسعى له إسرائيل، هو تكريس الحالة الراهنة، مع بعض أعمال التجميل هنا وهناك، بصفتها حالة دائمة. حيث لا تنازل عن القدس "الموحدة" والموسعة (77 كلم2 مع غلافها الاستيطاني) عاصمة لإسرائيل، ولا تراجع عن احتلال الغور الفلسطيني المحاذي لنهر الأردن، ولا اعتراف بحق اللاجئين بالعودة إلى مناطق 48، أما الكتل الاستيطانية، فيتم ضمها إلى إسرائيل.
باختصار لا يخفي المفاوض الفلسطيني أنه وبعد حوالي 6 أشهر من المفاوضات، وعلى مدار 18 جولة، لم تحرز العملية التفاوضية أي تقدم يذكر، ما يضع الحالة الفلسطينية أمام أسئلة مصيرية لم تبلور بشأنها، حتى اللحظة جواباً واضحاً:
- ما العمل إذا ما وصلت المفاوضات إلى الطريق المسدود وتم الإعلان عن فشلها في بناء الحل لقضايا الوضع الدائم؟
- ما العمل إذا ما أطلقت واشنطن، بعد شباط المقبل، مبادرة سياسية لتمديد العملية التفاوضية، في ظل شروط ورؤى لا تخدم المصلحة الفلسطينية؟
- هل من الممكن العودة إلى "الهجوم الدبلوماسي" عبر تفعيل قرار عضوية فلسطين في الأمم المتحدة بما في ذلك التوقيع على اتفاقات جنيف، واللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية وإلى محكمة لاهاي؟ وهل بالإمكان، فلسطينياً، تحمل ردود الفعل الأميركية على مثل هذا الخيار، خاصة إذا ما نجحت واشنطن في الضغط على المانحين لتجفيف موارد السلطة الفلسطينية، ما يعمق مأزقها السياسي والاجتماعي؟
أخطر ما في هذا الأمر أن القيادات السياسية الفلسطينية، والتي لا تخفي إرباكها من مناورات السياسيات الإسرائيلية، لا تخفي أن غموض سياسات الرئيس الفلسطيني محمود عباس هي الأكثر إرباكاً، خاصة وهو يصرّ على مواصلة المفاوضات، رغم اعترافه، خلف الأبواب، بعقم هذه العملية، وخطورة وصولها إلى حلول ومشاريع حلول تفرضها واشنطن على رام الله، في ظل اقتناع راسخ أنها حلول لا تخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية بقدر ما هي مؤهلة لأن تتحول قنبلة داخلية موقوتة؟

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف