بات مؤكداً أن الفلسطينيين مقبلون على استحقاق سياسي كبير في الأسابيع القادمة يتمثل بمحطتين مهمتين:
· الأولى انقضاء فترة الأشهر التسعة المخصصة لإدارة المفاوضات مع الإسرائيليين تحت الرعاية الأميركية.
في هذا السياق بات واضحاً أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لم يحققا الحد الأدنى من التقدم على طريق الوصول إلى حل لقضايا الوضع الدائم. فمازالت الشروط الإسرائيلية، تتعارض ومتطلبات توفير الحقوق الوطنية المشروعة للفلسطينيين وما تقدمه تل أبيب من اقتراحات وعروض، سيؤدي بالضرورة إلى إجهاض هذه الحقوق وشطبها، إن في مجال قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، بحدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة، أو في مجال ضمان حق اللاجئين الفلسطينيين في العام 1948. وقد أفصح أكثر من وزير إسرائيلي، من بينهم وزيرا الدفاع والخارجية، موشيه يعلون وأفيغدور ليبرمان عن حقيقة النوايا الإسرائيلية حين أعلنا يأسهما من إمكانية الوصول إلى حل مع الفلسطينيين.
· الثانية ما ينوي الجانب الأميركي تقديمه من إطار أمني للعلاقات بين «الدولتين» الفلسطينية والإسرائيلية، بما في ذلك ضم المستوطنات والأراضي الفلسطينية الواقعة خلف جدار الفصل العنصري، وغور الأردن [أي ما نسبته 52% من مساحة الضفة الفلسطينية] (باستثناء القدس الشرقية المحتلة). وكذلك تقديم إطار سياسي للحل الدائم، هو عبارة عن إعلان مبادئ، يشكل أساساً لعملية تفاوضية جديدة، وصفها الرئيس الأميركي باراك أوباما، بأنها «حالة انتقالية» توقع أن تستمر حوالي 15 عاماً، يتم خلالها اختبار التطبيقات التفصيلية لقضايا الحل الدائم، في خطوات جزئية، يجري تعديلها على ضوء نتائج التطبيقات. ما يضع مستقبل «حل الدولتين» تحت رحمة المعيار الأمني الإسرائيلي، بكل عناصر هذا الحل. والأمن هنا لا يتعلق بالأمن العسكري فقط بل سيطال الأمن الغذائي، والثقافي، والإعلامي، و الديمغرافي، وغيره، ما يعني رسم سقف لدولة فلسطينية معياره المصالح العليا الإسرائيلية، وليس الحقوق الوطنية المشروعة لشعب فلسطين كما أقرتها واعترفت بها منظمات المجتمع الدولي وآخرها الاعتراف الدولي بدولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس بحدود الرابع من حزيران.
هذا يطرح على الفلسطينيين ضرورة مناقشة الموقف الواجب اتخاذه في اليوم التالي لانتهاء فترة الأشهر التسعة، وطرح كيري الإطارين الأمني والسياسي. علماً أن الولايات المتحدة كما تؤكد مصادر المراقبين الدوليين، لا تطرح هذين الإطارين لأجل المناورة فقط والالتفاف على فشل مفاوضات الأشهر التسعة في الوصول إلى حل، بل تطرحهما كمشروعين للتطبيق. وثمة من يؤكد أن الولايات المتحدة تنوي تقديم هذين الإطارين إلى مجلس الأمن الدولي للمصادقة عليهما باعتبارهما الأساس الجديد للحل، بديلاً للقرارين 242 و 338، ما يعني أنهما سيصبحان ملزمين للجانب الفلسطيني. وقد تلقف الاتحاد الأوروبي هذا الأمر، فأعلن تأييده المسبق لخطوات كيري، ملوحاً بمساعدات سخية للإسرائيليين وللفلسطينيين في حال وافقا على هذين المشروعين، وملوحاً في الوقت نفسه بعقوبات اقتصادية بحق الطرفين، أقلها تأثيراً، وقف المساعدات المالية والاقتصادية، والتي تشكل، كما هو معروف، عاملاً رئيسياً في تمويل مؤسسات السلطات الفلسطينية.
إذن، ماذا على الفلسطينيين أن يفعلوا في اليوم التالي لانتهاء الفترة التفاوضية وطرح كيري لمشروعه؟
يطرح هذا السؤال على حالة فلسطينية تعاني من انقسامات.
· هناك الانقسام الحاد بين الضفة الفلسطينية من جهة، وبين قطاع غزة من جهة أخرى، وليس هناك ما ينبئ أن هذا الانقسام قد وصل إلى مرحلته النهائية.
· وهناك الانقسام السياسي داخل م.ت.ف. إزاء الموقف من المفاوضات. إذ إن معظم الفصائل الفلسطينية أعلنت عدم موافقتها على الدخول إلى هذه المفاوضات وفقاً لمعايير كيري، وطالبت بمتطلبات أخرى ترى أنها هي الضمانة لعملية تفاوضية متوزانة. ومازالت هذه الفصائل تدعو إلى الانسحاب من المفاوضات وتعتبرها عبثية وذات نتائج كارثية.
لا نعتقد فشل المفاوضات ووصول الطرف الفلسطيني إلى مأزق سياسي، يشكل فرصة جيدة للشماتة به من قبل القوى المعارضة، فالشماتة ليست عملاً سياسياً. ولا نعتقد أن الجانب المفاوض وحده، من سيدفع ثمن فشل المفاوضات، أو من سيدفع ثمن اتخاذ موقف صلب في مواجهة الضغوطات الأميركية.
الحالة الفلسطينية كلها في الميزان. لذلك نرى أن على الحالة الفلسطينية أن تتدارك الأمر منذ الآن، وأن يتحمل الجميع مسؤولياته الوطنية. بالطبع هناك من سيحمل الجانب المفاوض مسؤولية مميزة عن الحالة التي ستصيب الوضع الفلسطيني، وقد يؤدي هذا إلى بعض التوتير في العلاقات الداخلية الفلسطينية، لكن الأهم من هذا، أن تجري القيادة الفلسطينية، وتضم ممثلين عن القوى كافة، مراجعتها السياسية النقدية الجادة، لحقيقة ما جرى ولطبيعة المفاوضات التي أدت إلى ما أدت إليه، بما في ذلك كونها وفرت غطاءً سياسياً لتوسيع الاستيطان.
لقد أثبتت التجربة عقم الإستراتيجية التي اتبعت تحت معايير وزير الخارجية الأميركية جون كيري، وإن المسألة تتطلب اعتماد إستراتيجية جديدة، تضمن أولاً وحدة الموقف الفلسطيني. فوحدة الموقف كما يؤكد الجميع، هي السلاح الأمضى في مواجهة العواصف والأنواء السياسية. وهذا يعني أن العودة إلى الينابيع هي الحل الأمثل، والينابيع هي هنا قرارات المجلس الوطني الفلسطيني، وقرارات المجلس المركزي في م.ت.ف، واللجنة التنفيذية، والمتطلبات التي كان قد تبناها الرئيس محمود عباس، بما فيها وقف الاستيطان، واعتماد قرارات الشرعية الدولية مرجعية للمفاوضات، والذهاب إلى مؤسسات الأمم المتحدة، بما فيها محكمة الجنايات الدولية، ومحكمة لاهاي، لنزع الشرعية عن الاحتلال، باعتباره انتهاكاً للسيادة الفلسطينية ولقرارات الأمم المتحدة، وعزل إسرائيل دولياً، باعتبارها دولة متمردة على المجتمع الدولي.
إلى جانب الإستراتيجية السياسية الجديدة، لا بد من إستراتجية اقتصادية مالية جديدة، تسخر موازنات السلطة، و م.ت.ف. في خدمة معركة الاستقلال، بما يعزز صمود الحالة الشعبية الفلسطينية في الداخل وتماسكها في الخارج، في حال نجحت الولايات المتحدة في الضغط على المانحين لفرض الحصار المالي على السلطة الفلسطينية. ونعتقد أن الدول العربية، خاصة الأعضاء في لجنة المتابعة، معنية بتوفير البدائل المالية والاقتصادية لضمان الصمود الفلسطيني، في سياق التزامها بالمذكرة التي رفعها وزراء الخارجية العرب إلى الدوائر الأميركية.
الاستحقاق الفلسطيني القادم محطة تاريخية، وعلى الحالة الفلسطينية أن تشكل جسماً واحداً في مواجهة هذه المحطة. وهذا اختبار آخر لمدى حرية القرار السياسي الفلسطيني، ومدى تماسك إرادته السياسية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف