
- تصنيف المقال : شؤون عربية ودولية
- تاريخ المقال : 2020-03-19
مراقبون: هناك تحالف خفي بين القروي والنهضة لكنه ليس محلّ إجماع داخل «قلب تونس» وأحد أبرز دوافع استقالة النواب
قدّم 10 نواب من حزب «قلب تونس» (10/3)، استقالتهم من كتلة الحزب البرلمانية، وذلك «احتجاجاً على سياسة الحزب»، في ما اعتبر تلميحاً لتقارب تيار داخل الحزب بزعامة رئيسه رجل الأعمال وقطب الإعلام نبيل القروي مع النهضة، على رغم تعهده سابقاً بعدم التحالف معها. وكان الحزب حلّ ثانياً في الانتخابات التشريعية، في أول مشاركة له في الانتخابات، في حين خسر القروي الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس الحالي قيس سعيّد.
وكشفت تصريحات النواب المستقيلين عن امتعاضهم من سياسات القروي، التي «تستجيب لحسابات النهضة على حساب تموقع الحزب في المشهد السياسي، وخياراته الرئيسية بالنسبة إلى الحُكم والحكومة». وتحدثت مصادر مقرّبة من هؤلاء النواب عن «وجود مشاكل في مستوى إدارة الحزب وديمقراطية القرار، الأمر الذي أثّر سلبا في أداء كتلته النيابية». وأعرب مراقبون عن اعتقادهم أنّ هناك تحالفاً خفياً بين القروي والنهضة، يسّر وصول راشد الغنوشي زعيم الحركة إلى رئاسة البرلمان، ولكنّ ذلك لم يكن محلّ إجماع داخل «قلب تونس»، وأحد أبرز دوافع الاستقالة.
هشاشة البنية الحزبية
وفي المقابل، رأى بعض أنصار تيار القروي أنّ الحزب الناشئ حديثاً استطاع تحقيق رقم صعب في الانتخابات التشريعية والرئاسية وصار جزءاً من معادلة الحُكم والمعارضة في البلاد، وهو ما جعله «محلّ أطماع من قبل المستثمرين في الأزمات السياسية، وأن المشاكل الحالية هي افتعال خارجي أكثر منها استحقاقات داخلية»!. أما الناطق باسم الحزب فعزا الاستقالة إلى «هشاشة البنية الحزبية التي تعاني منها أحزاب ما بعد الثورة»، لافتاً إلى أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن قلب تونس «حديث النشأة، (ثمانية أشهر على تأسيسه)، ومن الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في وجهات النظر داخله».
وكانت النهضة تمسكت حتى اللحظات الأخيرة لتشكيل الحكومة الجديدة، بضرورة إشراك «قلب تونس» فيها، (على رغم موقفها الأولي الرافض علناً لمشاركته)، فيما اعتبر محاولة لاستنساخ «تجربة توافقها مع حزب نداء تونس»، بغرض «تلطي الحركة خلف التحالف مع حزب حداثي لتخفيف جبهة المعارضة لها، من جهة، وتهرباً من المسؤولية، من جهة ثانية».
ويعتقد المراقبون أن رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ سيكون أكثر المستفيدين من تراجع كتلة قلب تونس؛ خاصة وأنّ المنشقين يريدون أن يكونوا «معارضة بنّاءة»، بمعنى التفاعل بشكل إيجابي مع الحكومة، في وقت كان يُرَوّج فيه إلى إمكانية إسقاط الحكومة بعد تشكّلها، (وهو السيناريو الذي تردّد كثيرا قبل التصويت على الحكومة)، بعد أن تمسك الفخفاخ برفض مطلب «النهضة» بإشراك قلب تونس في التشكيل الحكومي.
وتردّد الحديث آنئذٍ عن خطة بين النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة لسحب الثقة من حكومة الفخفاخ، بعدما اضطرت النهضة للتصويت عليها تجنباً لسيناريو الانتخابات المبكرة. أما الآن، ومع تراجع عدد مقاعد الحزب إلى 28 مقعداً، فإنّ هذا يعني عدم توفر أغلبيّة برلمانيّة كافية لإسقاط الحكومة، كما يعني أنّ النهضة ستواجه كذلك صعوبات جمّة في تمرير القوانين داخل البرلمان!.
الأسباب العميقة للانقسام
وبعيداً عن هذه التفاصيل والحيثيات، فقد رأى محللون أنّ سيناريو تشظي «نداء تونس» ليس بعيداً عن «قلب تونس»، ليس فقط بسبب «الهشاشة البنيوية للأحزاب السياسية التي تشكلت عقب ثورة الـ14 من يناير 2011»، بل لأنّ هذه الأحزاب هي أقرب لـ«تحالفات أو ائتلافات انتخابية»، (قد ترفع شعارات جذابة، ولكن تحت مظلة منظومات إعلامية ومالية كبرى، وأحياناً تحالفات مشبوهة بين الإعلام والمال الفاسد، لغرض انتخابي وتأمين حصانة برلمانية لا غير)، أكثر منها أحزاب سياسية حقيقية متماسكة سياسيا وأيديولوجياً وتنظيمياً!.
فمُحاربة الفقر، مثلاً، ليست برنامجاً سياسياً ولا أطروحة فكرية عميقة، بل هي مجرد «شعار وعنوان عمل»، يُفترض به أن يندرج في إطار خيارات سياسية واقتصادية واجتماعية محدّدة. وكان الأولى أن تُناقش هذه الخيارات في الهيئات التأسيسية المؤقتة، قبل الانخراط في استحقاقات انتخابية كبرى، «قد تخفي الاختلافات ولكنها لن تلغيها، وقد تؤخر التباينات ولكنها لن تحوّلها إلى توافقات».
وعليه، فقد تقدر هذه الأحزاب على تحقيق الغاية الاقتراعية من وراء تشكيلها، ولكنها تعجز عن بلوغ «القيمة السياسية المضافة» لأيّ تنظيم أو حزب يتكون على نحو طبيعي، أي استناداً إلى وحدة فكرية جامعة، ومن خلال هيئة تأسيسية يتفرع عنها قيادة مؤقتة تحضّر لمؤتمر عام، يضع الخطوط العريضة لخيارات الحزب وأطروحاته وخطابه السياسي والفكري، ويسعى إلى الهيكلة وبناء المؤسسات.
وهذا ما حصل ليس مع «قلب تونس» فقط، ولكن أيضا مع «نداء تونس» الذي يعدّ الحالة الأرقى لهذه التشكيلات، وكذلك مع «التيار الوطني الحر»، و«عيش تونسي»، وهي تكتلات انتخابية بالأساس وُلدت لغرض الفوز في الانتخابات وتحصيل المناصب التشريعية والرئاسية. وكان يصعب عليها أن تستمرّ وتتقدم، فالأحزاب لا تعيش وتستمر بفضل الماكينات الإعلامية فقط، ولا تقوم على العمل الخيري فحسب، (على أهميته الاجتماعية والأخلاقية)، ولا تكبر كذلك بسبب الكاريزما الشخصية لمؤسسها، (هذا إن توفر فيه ذلك)، بل تتأسّس على حدٍّ أدنى من ركائز وأسس فكرية وسياسية وتنظيمية معروفة ومتعارف عليها!!.


