- تصنيف المقال : تقارير
- تاريخ المقال : 2020-03-26
شكل فوز «المشتركة» رداً عنيفاً وصفعة قوية لقانون القومية اليهودي
■ رغم أن هم الكورونا مازال طاغياً في الكون كله، فإن نتائج الانتخابات الإسرائيلية وتداعياتها مازالت تحتل مكاناً متقدماً في الهم الوطني الفلسطيني. ومن عناصر هذا الاهتمام السؤال الدائم: ماذا حققت القائمة المشتركة بفوزها بـ 15 مقعداً في الكنيست؟
أهمية السؤال أنه يشكل نقاشاً بين تيارين، أحدهما مع خوض الانتخابات، والآخر مع مقاطعتها. ولعل الطرف الثاني هو أكثر الجهات اهتماماً بما ستحققه القائمة المشتركة بفوزها، في ظل مكابرة سياسية لم تعد مفهومة لأحد. فالفوز الذي حققته القائمة المشتركة والالتفاف الواسع حولها من قبل المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، أكد عدم صوابية الدعوة للمقاطعة، وأن هذه الدعوة في وادٍ، وأن المزاج الشعبي الفلسطيني في وادي آخر.
وحتى عندما أعلن عن فوز غير مسبوق «للمشتركة»، خرج البعض محاولاً أن يبخس هذا الفوز حقه، بالإدعاء بأنه فوز «غير قابل للصرف». أي أنه لا فرق في أن يكون للقائمة المشتركة عشرة مقاعد، أو خمسة عشر مقعداً في الكنيست. فلا قيمة للرقم هنا، مادامت «المشتركة» ستبقى أقلية وعاجزة عن تثمير حجمها.
طبعاً مثل هذا الاستنتاج يتسم بسطحية شديدة، وبعيد كل البعد عن المنطق والعقل الجدلي، ومحكوم مسبقاً بأيديولوجية لا تميز بين إسرائيل كدولة احتلال، وعلاقتها بالفلسطينيين في الضفة والقطاع، والموقف منها، وبين إسرائيل دولة يتنوع مواطنوها بين يهود وعرب فلسطينيين، وأن هؤلاء العرب، مواطنون لهم مطالب واحتياجات وحقوق، وإن مرجعية هذه المطالب والحقوق هي «الدولة»، وأن المطالب لا تتحقق إلا من مؤسسات الدولة، خاصة التشريعية منها، وأن فضح عنصرية الدولة يكون من أساليبه اقتحام مؤسساتها وكشف زيف ديقمراطيتها المدعاة. وأن الخارطة الحزبية والسياسية في الكنيست ليست دائمة ولا جامدة، ولا هي مرسومة بخطوط ثابتة مستقيمة على الدوام، بل هي إطار لعلاقات سياسية شديدة التعقيد، لا يمكن الاكتفاء بالنظر إليها نظرة سطحية، كالقول «كلهم إسرائيليون». «كلهم صهاينة». «كلهم أعداء». إذ معنى ذلك سياسة انعزالية، منغلقة على ذاتها، تسقط للمواطنين الفلسطينيين حقهم في ممارسة المواطنة، ولو في ظل قوانين عنصرية، وحق المواطنة في مواجهة هذه القوانين العنصرية.
* * *
من النتائج المهمة للانتخابات، والتي يحاول كثيرون أن يتجاهلوها، أو لربما هم يجهلونها حقاً، أن القائمة المشتركة نجحت في تنظيم الصف الوطني الفلسطيني في قائمة مشتركة، ونجحت في أن تصون الوجود الوطني الفلسطيني داخل إسرائيل، كوجود قائم بذاته، له خصوصيته القومية، وشخصيته الوطنية، وأن تحصنه ضد سياسات التذويب في الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية أو الدينية، وأن تلحقه هذه الأحزاب بها، وأن تحول الوجود الوطني الفلسطيني، كأقلية قومية قائمة بذاتها، إلى مجرد أصوات انتخابية، وأرقام، تتنازعها الأحزاب اليهودية على اختلاف اتجاهاتها.
الفوز الكبير «للمشتركة»، والتفاف الجمهور الفلسطيني حولها، قدم مرة أخرى، الحالة الفلسطينية في الـ 48، جزءاً لا يتجزأ من القضية الوطنية الفلسطينية، وعلامة نهوض وطني، سيخطئ كثيراً من لا يقرأها، وسيفوته الكثير إن هو أخطأ، وفشل في قراءة الفرصة في إطار رؤية برنامجية وطنية فلسطينية شاملة.
تعالوا نتخيل لو لم يكن هناك أحزاب عربية، وعربية يهودية مختلطة، تحالفت وشكلت القائمة المشتركة. ماذا كان سيحل بالمواطن الفلسطيني. الجواب واضح، كان سيلجأ إلى الأحزاب الصهيونية لتمثله في الكنيست لتحمل مطالبه إلى الحكومة والسلطات التنفيذية الأخرى.
صحيح أن المشتركة لن تغير في القانون الأساسي لدولة إسرائيل. لكنها وكما قال أحد أركانها، والعديد من مؤيديها، معنية بالقضايا الحياتية اليومية، كالصحة والتعليم، والتخطيط المديني، والإفراج عن البلدات الفلسطينية وتوسيع حدودها الإدارية لمعالجة الاكتظاظ القاتل، ومعالجة قضايا الجريمة، التي تتستر عليها الشرطة الإسرائيلية وتتواطأ مع فاعليها. فضلاً عن الدور الوطني في المطالبة بإعادة اللغة العربية لغة رسمية، وغير ذلك من المطالب اليومية التي تضع حداً لسياسة التمييز العنصري في مجالات الحياة اليومية.
إلى جانب ذلك تستطيع «المشتركة» أن تلعب دوراً سياسياً في تشكيل الحكومات، مستغلة وزنها في الكنسيت، في مقايضة واضحة وصريحة، وغير خجولة، تتيحها مبادئ العمل السياسي النيابي والنقابي. تقاطع في المواقف مقابل تلبية مصالح المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، على غرار المفاوضات الجارية الآن مع تحالف أزرق – أبيض لتشكيل الحكومة والإطاحة بنتنياهو، وحكومته القائمة على التحالف الخبيث بين اليمين واليمين المتطرف.
كذلك يخطئ من لا يقرأ الإطاحة بنتنياهو على أنه مجرد تغيير في الحكومة الإسرائيلية. عواصم العالم، من واشنطن، إلى موسكو، إلى بروكسيل، تحسب حساباً للمتغير الإسرائيلي الذي سيحمله غانتس معه، بعد الإطاحة بنتنياهو. فهل من المنطقي أن يقرأ العالم كله هذا المتغير ومعناه، ونحجم نحن الفلسطينيين، أصحاب الصلة العدائية «الوثيقة» مع إسرائيل، في قراءته.
نتنياهو صهيوني. صحيح.
وغانتس صهيوني. صحيح.
وليبرمان صهيوني. صحيح.
لكن الثلاثة لا يتساوون في البرنامج، والأداء، والتكتيكات، وحجم التطرف، والنظرة إلى الفلسطينيين العرب، وبالمقابل النظرة إلى «اليهودية» وموقعها في السياسة في إسرائيل.
ولعل آخر حدث (حتى كتابة هذه السطور) أكد فعالية القائمة المشتركة، إن تحالف نتنياهو، استشعر الخطر، لذلك قرر مقاطعة انتخابات لجان الكنيست، ما يعني أن تحالف أزرق – أبيض سوف يفوز بكل اللجان البرلمانية، دون أن يعني هذا، أن توفير «المشتركة» الفرصة لهذا الفوز سيكون مجاناً.
* * *
آخر ما يجب أن نلفت النظر إليه، في قراءتنا للفوز الكبير (نعم الكبير) «للمشتركة»، هو أن ننظر إليه في سياق الموقف من قانون القومية اليهودي.
هدف القانون هو إسقاط حق تقرير المصير للفلسطيني في إسرائيل، وحصره باليهود.
الانتخابات، والتفاف الجمهور العربي الفلسطيني حول «المشتركة»، هو شكل من أشكال تقرير المصير، إذ من شأنه أن يقول: نعم، نحن «إسرائيليون» كأمر واقع فرضه علينا وجود الدولة الإسرائيلية، واغتصابها لأرضنا، ورفضنا الهجرة عنها. لكننا في الوقت نفسه، كنا، وسنبقى، فلسطينيين عرباً، لنا الحق في أن نختار من يمثلنا، ولا تمثلنا إلا الأحزاب العربية، ونحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني المنتشر في كل مكان، وسيبقى الصراع قائماً بيننا وبين الكيان الصهيوني وقوانينه العنصرية.
هدف القانون هو إسقاط اللغة العربية لغة رسمية، وحصر التداول بالعبرية. الانتخابات والتفاف الجمهور العربي الفلسطيني، واكتساح المشتركة للكنيست بـ 15 مقعداً، أعاد اللغة العربية لغة رسمية تحت قبة الكنيست، وفي الحياة السياسية. حتى أن السلطات الإسرائيلية وجدت نفسها، مرغمة على الاعتراف بالأمر الواقع، وأن تستعيد اللغة العربية إلى جانب العبرية، لتوجيه المواطنين من خطر كورونا أي أنها ألزمت بالاعتراف بالوجود القومي الفلسطيني.
فوز كبير. نعم باعتراف الجميع.
«فوز غير قابل للصرف». خطأ. إنه فوز بدأ يستقبل عروضاً سياسية، وجعل من الوجود الفلسطيني طرفاً رئيسياً في تقرير الحكومات واللجان البرلمانية.
فضلاً عن كونه استنهض الحالة الشعبية للربط بين النضال في الكنيست والنضال في الميدان تحت قيادة «المتابعة العليا» برئاسة المناضل محمد بركة■