مداخلة القائم بأعمال مندوب فلسطين لدى منظمة التعاون الإسلامي/ مهند العكلوك، في الدورة الرابعة للهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي. (المُداخلة مُستندة إلى وثائق مقدمة من طرف وزارة خارجية دولة فلسطين).
جدة 3 فبراير 2014
بدايةً، كل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو انتهاك لحقوق الشعب الفلسطيني. حيث ينتهك الاحتلال الإسرائيلي حقوق الإنسان الفلسطيني بكل الطرق والأشكال، مستهتراً بالقوانين والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، واتفاقية جنيف الرابعة (المتعلقة بحماية المدنيين أثناء الحرب، بما في ذلك الاحتلال).
ومن أشكال هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان الفلسطيني: الاستيطان، الجدار الفاصل، تعذيب الأسرى وسوء معاملتهم، الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، منع حق العودة للاجئين الفلسطينيين لأكثر من 66 سنة. ويمارس الاحتلال خروقاته اليومية لحق الإنسان الفلسطيني من خلال تقويض حريته في التنقل بحرية، والوصول إلى أماكن العبادة (المسجد الأقصى)، ومصادر الرزق (الصياد، والمزارع، والعامل)، وإلى الرعاية الصحية المناسبة. بالإضافة إلى انتهاك حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وباقي حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كل هذا يحصل في عموم الأرض الفلسطينية المحتلة، ولكنه يتركز أكثر وبشكل ممنهج ومدروس في مدينة القدس المحتلة، وذلك من خلال السياسات والممارسات الإسرائيلية لتهويد المدينة.
لمحة عن وضع مدينة القدس الشريف في القانون الدولي:
يُجمع المجتمع الدولي بكل مكوناته، على أن مدينة القدس الشريف، هي جزء لا يتجزّء من الأرض الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وتنطبق عليها اتفاقية جنيف الرابعة، المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب. وقد صدر عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، الكثير من القرارات التي تؤكد هذه الرؤية الدولية، ومنها على سبيل المثال:
قرار مجلس الأمن رقم 252 لعام 1968، والذي جاء رداً على إعلان سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن ضم مدينة القدس، ينص على أن "كل الإجراءات التشريعية والإدارية، والأعمال التي قامت بها إسرائيل في القدس، بما فيها مصادرة الأراضي والأملاك، غير شرعية، ولا يمكن أن تغيّر وضعية المدينة".
قرار مجلس الأمن رقم 478 لعام 1980، والذي جاء رداً على قيام سلطات الاحتلال بالمصادقة على ما سُمي بِـ "قانون أساسي: أورشليم القدس عاصمة إسرائيل"، عام 1980. وينص القرار في فقراته العاملة: "يؤكد أن مصادقة إسرائيل على "القانون الأساسي" (بشأن القدس)، تُشكل انتهاكاً للقانون الدولي، ولا تُؤثر في استمرار انطباق اتفاقية جنيف الرابعة الموقعة في 12 آب 1949، والمُتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، على الأراضي الفلسطينية، وغيرها من الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، بما في ذلك القدس".
تهويد القدس:
تستهتر سلطة الاحتلال الإسرائيلي بإجماع المجتمع الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، بشأن القدس، وتستمر يومياً في سياساتها وممارساتها الرامية إلى تهويد المدينة. ونعني بالتهويد، التخطيط والممارسة الإسرائيلية العنصرية بهدف تغيير طابع المدينة الثقافي، وهويتها العربية والإسلامية، وإحلال هوية مُزيفة ومصطنعة مكانها، وهي الهوية الإسرائيلية اليهودية.
ما هو الهدف الإستراتيجي للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بشأن القدس؟
تقوم سلطات الاحتلال بتهويد مدينة القدس منذ اللحظة الأولى لاحتلالها عام 1967، وقد أعلنت للمرة الأولى نيتها تهويد المدينة، عام 1973، وقد جاء ذلك في تقرير لجنة وزارية إسرائيلي برئاسة غولدامائير، شُكلت لفحص نسبة النمو والتنمية اليهودية في القدس، حيث وضعت هذه اللجنة هدفاً إستراتيجياً تعمل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تنفيذه. هذا الهدف هو: القيام بكل ما هو ممكن من أجل أن لا تتجاوز نسبة السكان الفلسطينيين في القدس 22% من المجموع الإجمالي للسكان في المدينة. وهذا يعني ترحيل 78% من أصحاب المدينة الأصليين، وإحلال مستوطنين يهود في مكانهم.
تقوم سلطات الاحتلال، على مدى أكثر من 46 سنة، بعملية تراكمية إستراتيجية مُعقدة لتهويد مدينة القدس، ولكن دعوني أرسم (أشرح) لكم بعبارات بسيطة ماذا تفعل سلطات الاحتلال في القدس:
- تعتبر سلطات الاحتلال أن الفلسطينيين المقدسيين (أصحاب الأرض) مقيمون في المدينة، وليسوا مواطنين فيها.
- تقوم بالضغط عليهم بكل الوسائل للرحيل عن المدينة (سوء الرعاية الصحية، محاولة فرض المناهج التعليمية الإسرائيلية، فرض الضرائب الباهظة، التمييز العنصري، سحب الهويات، هدم المنازل، الجدار العنصري العازل.. إلخ).
- ثم تقوم سلطات الاحتلال بسحب بطاقات هويتهم، أي حرمانهم من حقهم في الإقامة بمدينتهم، وهو ما يعرف بسياسة سحب الهويات.
- أما من يُصر على البقاء هناك، فعليه أن يواجه الويلات: تخنق سلطات الاحتلال النمو الطبيعي لسكان المقدسيين، من خلال تعقيد منحهم تراخيص بناء المساكن، إلى أقصى حد.
- ثم تهدم سلطات الاحتلال منازل المقدسيين بحجة عدم الترخيص.
- في المقابل، تقوم سلطات الاحتلال ببناء عشرات المستوطنات، وآلاف الوحدات الاستيطانية، داخل وحول المدينة.
- ثم تأتي بمستوطنين إرهابيين عنصريين للسكن فيها.
- وثم تحيط المستوطنات بجدار عنصري عازل، بهدف ضمها لدولة الاحتلال.
حقائق وأرقام عن الممارسات الإسرائيلية غير الشرعية في القدس:
تهجير المقدسيين، وسحب بطاقات هويتهم:
قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتهجير غالبية الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في الجزء الغربي من المدينة عام 1948، واستأنفت هذه السياسة الهادفة لتهجير الفلسطينيين من القدس الشرقية منذ احتلالها عام 1967، حيث قامت بتهجير حوالي 26 ألف فلسطيني خلال أقل من أسبوع على احتلال المدينة.
سحبت سلطات الاحتلال في الفترة 1967-2013، حوالي 15 ألف بطاقة هوية من الفلسطينيين المقدسيين وحرمتهم من السكن في مدينتهم، وهو ما أثر على 20% من الأسر الفلسطينية في القدس. والأمر الصادم أن سلطات الاحتلال قد سحبت 7250 بطاقة هوية في السنوات السبع الأخيرة (2006-2013)، أي 50% من العدد الإجمالي لبطاقات الهوية المسحوبة منذ بدء الاحتلال.
والأمر المرعب، أن ما يُسمى برئيس بلدية الاحتلال في القدس، قد تقدم بمقترح لسحب بطاقات الهوية من حوالي 90 ألف فلسطيني مقدسي، يسكنون في الأحياء التي عزلهم الجدار عن القدس من الجهة الشرقية.
الجدير ذكره هنا، ما تنص عليه المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة: "يُحظر (على سلطات الاحتلال) النقل الجبري الجماعي أو الفردي، للأشخاص المحميين (المدنيون تحت الاحتلال)، أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال، أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه".
تقويض النمو الطبيعي للسكان المقدسيين، من خلال القيود المشددة على البناء:
قسمت بلدية الاحتلال مدينة القدس من حيث التخطيط العُمراني إلى 4 أقسام: 22% مساحات خضراء يُمنع البناء فيها، 30% مساحات غير مخططة يُمنع البناء فيها، 35% مساحات يُسمح للمستوطنين اليهود بالبناء فيها، وفقط 13% من مساحة القدس يُسمح للفلسطينيين المقدسيين بالبناء فيها. أي أن سلطات الاحتلال تحرم المقدسيين من البناء في مساحة تُشكل 87% من القدس.
يضيف الاحتلال إلى هذه القيود صعوبة وتعقيد حصول المقدسيين على تصاريح لبناء مساكن تُعتبر أساسية لنموهم الطبيعي. مع العلم بأن نسبة نمو المقدسيين تبلغ 2% أي أنهم بحاجة لعدد 1400 وحدة سكنية جديدة سنوياً: يبلغ متوسط الطلبات المقدمة من قبل المقدسيين إلى بلدية الاحتلال للحصول على تراخيص بناء وحدات سكنية، 1100 طلباً. كم رخصة تمنح سلطات الاحتلال؟ فقط 91 رخصة!!
يقيم حالياً في مدينة القدس، بشكل غير شرعي، 200 ألف مستوطن، يعيشون في 54 ألف وحدة سكنية، وهناك نحو 50 ألف وحدة استيطانية جديدة في مراحل مختلفة من الترخيص والبناء.
يبلغ عدد سكان المقدسيين، أصحاب المدينة، 304 آلاف يعيشون في 50 ألف وحدة سكنية فقط، منها 15500 وحدة سكنية غير مرخصة، أي مهددة بالهدم. وهم بحاجة إلى ما لا يقل عن 60 ألف وحدة سكنية أخرى جديدة لتلبية حاجاتهم السكنية.
بالمحصلة وإثباتاً للتمييز العنصري، وإعمالاً لنظام الفصل العنصري الذي ترتكبه سلطات الاحتلال في القدس، فقد بلغ متوسط كثافة السكن في كل غرفة سكنية فلسطينية، ضعفي ما هو عليه الحال بين المستوطنين اليهود غير الشرعيين.
لقد ألقت هذه السياسات العنصرية الإسرائيلية بآثار مدمرة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي في القدس الشريف، حيث تشير آخر الإحصائيات إلى أن حوالي 78% من الفلسطينيين المقدسيين يعيشون تحت خط الفقر، بينما يعيش حوالي 160 ألف فلسطيني في القدس (50% من المقدسيين)، بدون شبكة مياه مناسبة.
هدم منازل المواطنين الفلسطينيين في القدس:
إذن تعقد وتعيق سلطات الاحتلال منح المقدسيين تراخيص بناء في مدينتهم، ومن يبني دون ترخيص يعرض نفسه لغرامات باهظة التكلفة، وثم لهدم منزله. وقد قامت سلطات الاحتلال فعلياً بهدم 3380 منزل فلسطيني في القدس منذ احتلالها عام 1967، بما في ذلك العديد من المواقع التاريخية والدينية، كحي باب المغاربة التاريخي في البلدة القديمة بالقدس. والأمر الصادم، أن سلطات الاحتلال هدمت في السنوات الخمس الماضية (2008-2013) نحو 500 منزل فلسطيني في القدس المحتلة، وسلمت إنذارات بالهدم لحوالي لـ 175 منزل آخر.
تسببت أعمال الهدم التي تنفذها سلطات الاحتلال في القدس، بتشريد آلاف المواطنين المقدسيين، وترك الآلاف داخل القدس بلا مساكن مناسبة (يعيشون في السقائف، وفي المحلات التجارية، وتعيش أكثر من عائلة في منازل مشتركة).
تجد الإشارة هنا، إلى أن المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة تنص على ما يلي: "يُحظر على دولة الاحتلال أن تُدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة، تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلى إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير".
المخططات الاستيطانية الإسرائيلية غير الشرعية في القدس المحتلة:
على مدار السنوات الـ 46 الماضية أحاطت سلطات الاحتلال مدينة القدس بـ 42 مستوطنة وبؤرة استيطانية، من الجهات الثلاثة للمدينة: الشمال، والشرق، والجنوب، بقصد عزلها عن محيطها العربي الفلسطيني. يسكن هذه المستوطنات داخل وحول القدس حوالي 322 ألف مستوطن من إجمالي عدد المستوطنين في الضفة الغربية، والذي يبلغ حوالي 650 ألف مستوطن. مرفق جدول رقم (1) المستوطنات الإسرائيلية في مدينة القدس الشريف، وحولها.
الجدير ذكره، أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تنص أيضاً على: "لا يجوز لدولة الاحتلال أن تُرحل و تنقل جزءاً من سكانها المدنيين (المستوطنين في الحالة الإسرائيلية) إلى الأراضي التي تحتلها".
جدار الفصل والضم العنصري:
قرر الاحتلال الإسرائيلي عام 2002 بناء جدار الفصل العنصري في أراضي الضفة الغربية، وهو جزء من ممارسة الاستيطان والتوسع الإسرائيلية، والتي تهدف إلى مصادرة و ضم نسبة كبيرة من أراضي الضفة الغربية. يبلغ طول الجدار العنصري حوالي 750 كم، وارتفاعه 8 م، ويؤثر بشكل مباشر على حياة حوالي نصف مليون فلسطيني.
الجدار الفاصل العنصري الإسرائيلي، يهدف أيضاً إلى عزل مدينة المقدس عن محيطهم الفلسطيني، ومصادرة أراضيها، وضم المستوطنات إلى دولة الاحتلال، على مبدأ أكبر مساحة بأقل كثافة سكانية.
كما يمنع الجدار العنصري المواطنين الفلسطينيين من الوصول إلى أماكن عملهم، ومصادر رزقهم، ومزارعهم، ومدارسهم، وثرواتهم الطبيعية، وخاصة الماء، حيث أن الجدار يتعمد أن يضم مواقع تواجد المياه الجوفية إلى الجانب الإسرائيلي.
تقسيم المسجد الأٌقصى المبارك:
الأمر الخطير الآخر، هو الجدية غير المسبوقة من قبل كل مكونات الاحتلال الإسرائيلية، لتقسيم المسجد الأقصى المبارك زمانياً ومكانياً، أي السماح لليهود بالصلاة في أماكن معينة، وأزمنة معينة، كما حدث في الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل، الذي قام الاحتلال الإسرائيلي بتقسيمه عام 1994، وحوّل الجزء الأكبر منه إلى كنيس يهودي. والآن ومع كل أسف، نرى النوايا الإسرائيلية بتقسيم المسجد الأقصى المبارك، تتحول إلى خطوات عملية تتجلى بمناقشة قوانين باطلة لتقسيم المسجد الأقصى، وزيادة وتيرة اقتحامه من قبل المستوطنين اليهود، والمسؤولين الإسرائيليين، بحماية شرطة وجيش الاحتلال.
مُقترح مقدم للهيئة الدائمة المُستقلة لحقوق الإنسان (التابعة لـ OIC):
يمكن للهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان تناول قضية محددة، من قضايا الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، كل فترة (مثلاً كل شهر أو شهرين قضية)، والتركيز عليها. مثل: سحب بطاقات الهوية، أو اعتقال الأطفال وسوء معاملتهم، أو تقويض الحق في حرية التنقل، أو تقويض الحق في الوصول إلى أماكن الرزق (الصيادين والمزارعين).. إلخ.
نقترح أيضاً عليكم، النظر في إمكانية مقاضاة سلطات الاحتلال في هذه القضايا والجرائم ضد الإنسانية، إما أمام المحاكم الدولية، أو الإقليمية، أو المحلية. ويمكنكم النظر في موارد لتمويل هذه النشاطات من خلال أجهزة منظمة التعاون الإسلامي، أو التبرعات من جهات أخرى، ويمكن للأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، معالي إياد أمين مدني، أن يساعدنا في ذلك.
خاتمة
إن الصراع في القدس مختلف عن أي مكان آخر، فهو صراع على الغرفة السكنية، والصف الدراسي، ومسجد الصلاة، وموطئ القدم، بل وحتى المقابر. إنه صراع على المتر المربع وأقل. وعليكم كهيئة متخصصة في حقوق الإنسان، أن تقوموا بواجبكم لمكافحة الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين من زاوية تخصصكم، حقوق الإنسان، وستجدونا إلى يمينكم وسنقدم لكم كل ما نستطيع لدعم مهمتكم النبيلة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف