- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2014-02-15
علينا رياح التسويات الدولية والإقليمية المتوازنة، فهل نتحرر من الهيمنة الفردية لواشنطن؟
■من النتائج الضارّة للاستراتيجية التفاوضية التي يعتمدها المفاوض الفلسطيني أنها قادت إلى شلّ الحركة الدبلوماسية الفلسطينية بشكل شبه تام؛ في تعاطيها مع قضايا الصراع ضد الاحتلال والاستيطان؛ رغم امتلاك المؤسسة الفلسطينية لأكثر من إدارة تطلّ بها على العالم الخارجي، منها وزارة الخارجية في السلطة الفلسطينية ودائرة الشؤون السياسية ودائرة المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينية، فضلاً عن رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني، واللجان في المجلس التشريعي، والتي بإمكانها أن تنفتح في نشاط سياسي وإعلامي على المؤسسات النظيرة، عربياً ودولياً. ولولا بعض المواقف اللافتة للنظر، لسفير فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور، في بعض الأحيان، لقلنا إن الحالة الفلسطينية غائبة تماماً عن الوجود، في تعاطيها مع ميدان العمل الدبلوماسي.
بل يمكن ملاحظة ذلك الانكفاء الواعي الي تمارسه الحالة الفلسطينية عن سابق إصرار وتصميم حين التزمت أمام الجانبين الأميركي والإسرائيلي، بتجميد عمليات تنسيب فلسطين، الدولة غير العضو في الأمم المتحدة، في مؤسسات المنظمة الدولية ووكالاتها واتفاقياتها الدولية بما فيها اتفاقيات جنيف الأربع ومحكمة لاهاي، ومحكمة الجزاء الدولية، والامتناع عن اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة لطرح قضايا الاستيطان، طوال الأشهر التسعة للعملية التفاوضية، والتي يديرها بين الجانبين، وزير الخارجية الأميركي جون كيري. ولولا إدراك إسرائيل، وإلى جانبها الولايات المتحدة، لأهمية هذا التجميد للدور الدبلوماسي للدولة الفلسطينية على صعيد الأمم المتحدة ومؤسساتها، لما أصرّ الطرفان على فرضه كشرط لازم لاستئناف المفاوضات.
ويبدو أن الانكفاء الدبلوماسي للحالة الفلسطينية أسهم في تعزيز محاصرة العملية السياسية في المنطقة ضمن الدائرة الضيقة للهيمنة الأميركية المنفردة، وبحيث بات الراعي الأميركي هو الوحيد المخوّل بوضع آليات التفاوض وشروطه وأسسه ومستوياته، في ظل حالة من التنسيق المتقدم بينه وبين تل أبيب، ما يعكس نفسه إضعافاً متزايداً للحالة الفلسطينية، وإخلالاً إضافياً بالشروط التفاوضية لصالح الجانب الإسرائيلي، وتعميق عملية عزل اللجنة الرباعية، بأطرافها كافة، وتعطيل أي دور لها، قد يصبّ في مصلحة القضية الفلسطينية، كما هو حال الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، وموقفه في مقاطعة المنتجات الإسرائيلية من صناعة المستوطنات.
***
إذا ما ألقينا نظرة فاحصة على الأجواء الدولية والإقليمية والعربية، للاحظنا أنها تميل، مذ فترة غير قصيرة في تطورها لصالح الجانب الفلسطيني إن هو حاول أن يستثمرها وأن يستفيد منها خارج الإطار الضيّق للهيمنة الأميركية المنفردة.
فعلى الصعيد الدولي، تتكرس أكثر فأكثر، سياسة لجوء الطرفين الكبيرين، الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية نحو البحث عن تسويات شبه متوازنة لملفات كبرى كانت في وقت سابق عناوين لاحتمالات انفجارات مدويّة ومدمرة.
يتمثل هذا، على سبيل المثال، في انعقاد جنيف النووي الإيراني، وتخفيف الحصار الدولي (الغربي خاصة) على طهران، بما في ذلك فكّ حجز ملايين الدولارات الإيرانية في المصارف الغربية؛ فضلاً عن استئناف تعاون طهران الإيجابي مع الوكالة الدولية للطاقة، ما سحب من التداول التهديد الإسرائيلي بشنّ الحرب ضدّ إيران، وما أراح المنطقة، من حالة قلق كانت تستبّد بعواصمها كافة.
ولا يقلّ عن هذا أهمية حلّ موضوع السلاح الكيماوي السوري في صفقة دولية جنبّت المنطقة حرباً مدمرة، كان من شأنها أن تحدث انقلابات في العلاقات وموازين القوى الإقليمية، وأن تضع المنطقة في أتون لم يكن يدري أي من قادة العالم، إلى أي مدى سوف يصل لهيبه وأين سوف يتردد صداه. أما استئناف جنيف، لبحث الأزمة السورية، في دورة أولى، ودورة ثانية فإنها خطوة استراتيجية وانعطافة كبرى في معالجة الأوضاع في سورية، لا تقاس الآن بالنتائج الفورية لهذين الاجتماعين، بقدر ما تقاس باعتبار استئناف جنيف السوري، وكما وصفه المراقبون مساراً سياسياً جديداً للأزمة السورية، قد يتحول يوماً ما إلى المسار البديل، لحالة العنف التي تشهدها سوريا، ويفتح الباب لسلسة من المصالحات المحليّة، التي قد تفتح الباب لمصالحة وطنيّة كبرى.
كما لا يمكن لأيّ مراقب أن يتجاهل الانفتاح الإيراني – التركي الأخير، والذي بشرّ باتفاقية تعاون بين الجانبين ستبلغ فاتورتها حوالي 30 مليار دولار، رغم الاختلاف الواسع في نظرة كل منهما إلى الأزمة السورية. كذلك لا يمكن تجاهل الدبلوماسية الإيرانية النشطة في توجهها نحو دول الخليج، وبشكل خاص نحو السعودية، رغم المسافة السياسية التي تباعد بينهما.
***
على الصعيد العربي، يلاحظ أننا نقف أمام منعطفات جديدة. فقد غادر «الإخوان المسلمون» الحكم في مصر، بعد ما فشلوا في إدارة أكبر دولة عربية خلال عام كامل، وكادوا أن يؤدوا بها إلى حرب أهلية. وتلاحقت التطورات في مصر، لتصبّ في مصلحة شعارات ثورة يناير وتصويب مسارها.
كذلك شكلت استقالة حكومة النهضة في تونس، لصالح حكومة من المستقلين، إعلاناً بفشل الحركة الإسلامية في الانتقال بالبلاد إلى مرحلة جديدة على طريق الثورة السياسية والاجتماعية التي أدّت إلى رحيل بن علي. وتبني تونس دستور متقدم جداً، بكل المقاييس ليس مجرد خطوة محلية، ينظر إليها بحدود الحدث التونسي، بل ننظر إليها نظرة مغايرة، ستكون لها تداعياتها بالضرورة في الشارع العربي.
وتثبت الأحداث والتطورات في الحالة العربية أن كل تقدم على طريق الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية، هنا أو هناك، في هذا البلد العربي أو ذاك، إنما هو تقدم نحو تشكيل حالة شعبية عربية جديدة مؤهلة للتعاطي مع القضية الفلسطينية خارج السقف الاستخدامي الرسمي الذي كان سائداً في فترات ماضية والذي كان يصبّ، في نتائجه لصالح، الموقف الفلسطيني الرسمي، المتهالك في إطار العملية التفاوضية القائمة.
مثل هذه التطورات يجب ألا تكون غائبة عن بال القيادة السياسية الفلسطينية، ويجب ألا تغيّب في حسابات هذه القيادة. ويمكن البناء على مجمل هذه التطورات للانتقال بالقضية الفلسطينية إلى مستوى آخر من المعالجة، توفر لها الأمم المتحدة رعاية بديلة، وجديدة، أساسها مبادئ الشرعية الدولية وقراراتها، وأخصها مبدأ عدم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة [أي الانسحاب الكامل نحو حدود الرابع من حزيران 67] وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية [تنفيذاً لقرار الجمعية العامة في 29/11/2012] والخروج من متاهات لعبة الأمن والحدود، التي يديرها نتنياهو وكيري، لعبة بدأت يوم 30/7/2013، ويمهدان الطريق الآن، لتمديدها حتى منتصف العام القادم.■