ترامب ما بين الرئاسة والسلطة

  • 2020-05-17
  • . ناجي صادق شراب
  • عدد القراءات : 65

الدستور الأمريكي منح الرئيس سلطات واسعة في كل المجالات التنفيذية والتشريعية، وأعطاه سلطات أوسع في زمن الحرب والأزمات.

التحدي الكبير الذي يواجه الولايات المتحدة اليوم، هو وباء كورونا الذي جعلها أكبر الخاسرين. هذا التحدي دفع بالرئيس ترامب لأن يعلن في أحد مؤتمراته الصحفية أنه يملك كل السلطة لاتخاذ القرارات التي تمكنه من مواجهة هذا الوباء، والتغلب عليه. وعندما سئل هل تملك السلطة الكلية؟ أجاب نعم، وعندما سئل ثانية وهل الدستور الأمريكي يمنحك هذه السلطة النهائية؟ أجاب نعم. في الأصل النظام الأمريكي رئاسي يقوم على مبدأ الفصل المطلق بين السلطات الثلاث، وحرص المؤسسون الأوائل على أن يكون للولايات المتحدة رئيس واحد قوي، يجسد روح الأمة الأمريكية القوية، ولكنهم حرصوا أيضاً على ألا يتحول الرئيس إلى ديكتاتور.

وللحد من توغل السلطة وإساءة استخدامها تم استحداث نظام الكوابح، بمعنى أن كل سلطة تشارك الأخرى سلطاتها تطبيقاً لقاعدة ديمقراطية: السلطة تحد من السلطة الأخرى. والدستور الأمريكي منح الرئيس سلطات واسعة في كل المجالات التنفيذية، والتشريعية، وحتى القضائية، ومنحه سلطات أوسع في زمن الحرب والأزمات الكبرى، كما في أزمة كورونا. اليوم، يعلن الرئيس أنه يملك السلطة الكلية، وأن حكام الولايات الذين لا يمتثلون لقراراته سوف يتحملون نتائج مواقفهم، ولكنه لم يقل عقوبات، فهو يدرك أنهم أيضاً منتخبون، ولهم صلاحيات كبيرة في الصحة، والتعليم، والاقتصاد. ولذلك نجده يتراجع ويقول إنه سيصدر إرشادات لحكام الولايات، ولم يقل أوامر. لكنه أكد أن القرار النهائي له، وليس للولايات، وأن الحكام يحتاجون إلى الحكومة الفيدرالية. هذا الكلام يفتح نقاشاً كبيراً حول حدود سلطة الرئيس، فأستاذ القانون في جامعة تكساس، في أوستن، ستيف فالديكفال، يقول إن الرئيس لا يملك سلطة قانونية رسمية لتجاوز سلطة الولايات على مستوى فتح المدارس والاقتصاد.

وقال جوستن عماش، وهو جمهوري عن ولاية ميشجان: على الرئيس أن يقرأ الدستور الأمريكي. المفكر وصاحب كتاب نهاية التاريخ فوكومايا، كتب مقالة في هذا الموضوع وتناوله بشكل آخر، فحواه أنه من الخطأ الاعتقاد أن الديمقراطيات الليبرالية تفرز حكومات ضعيفة، وأنه لا مجال للمقارنة بينها، وبين الحكومات السلطوية التي يحكمها الحزب، والقائد الواحد، كما في الصين، وأن المجتمع اليوم يحتاج إلى دول قوية قادرة على حفظ النظام الداخلي، والعالمي، وهذا ينطبق على النظام السياسي الأمريكي، وعلى الرئيس ترامب الذي تحكمه الآن الأزمة والرغبة في الفوز في الانتخابات، فجائحة كورونا جاءت في أصعب الأوقات بالنسبة إليه.

الكسندر هاملتون أحد مؤسسي الفيدرالية الأمريكية تفهم الحاجة إلى وضع قيود قانونية وديمقراطية تحد من السلطة التنفيذية، لكنه قال إنه ليس بمقدور المحكمة العليا، ولا الكونجرس، التصرف بشكل حاسم في أوقات الخطر القومي، أو الأزمات الكبرى، مثل أزمة كورونا، التي تهدد أمن وبقاء الولايات المتحدة، فالسلطة التنفيذية وقت السلم ليست كما في وقت الحرب، والدستور الأمريكي وضع كل السلطة التنفيذية في يد الرئيس. وتاريخياً، مارس أكثر من رئيس أمريكي صلاحيات وسلطات واسعة في أوقات الأزمات، ففي خلال الحرب الأهلية قام الرئيس إبراهام لينكولن، بتعبئة جيش قوامه مليون رجل، وخلال الحرب العالمية الأولى قام الرئيس وودرو ويلسون، بتأميم خطوط السكك الحديدية، وتحويلها إلى شبكات مملوكة للدولة، وخلال الحرب الثانية حشد الرئيس فرانكلين روزفلت جهداً حربياً أكبر، وتجاوز الكونجرس.

وخلال الأزمة المالية عام 2008 تم تفويض المجلس الفيدرالي بسلطات غير مسبوقة، حيث تم تحويل مئات مليارات الدولارات لدعم المؤسسات المالية المهمة، ما يعني تاريخياً إعطاء سلطة أكبر للسلطة التنفيذية وقت الأزمات. وبعد أن تنتهي الأزمات تعود السلطة للمجتمع، كما في عودة خطوط السكك الحديدية إلى الملكية الخاصة.

وفي هذا السياق يمكن فهم قول الرئيس ترامب إنه صاحب سلطة كلية، ونهائية، لأن الديمقراطيات تفوض سلطات طوارئ إلى السلطة التنفيذية، ويبقى أن الفارق الكبير بين الرؤساء الأمريكيين الثلاثة أنهم نجحوا في تحويل أنفسهم لرموز للنضال الوطني، والرئيس ترامب أنجز الكثير، وفقد الكثير. حقق إنجازات اقتصادية كبيرة، ونجح في التخلص من عملية العزل، ولكنه فقد الكثير من الثقة بسياساته الداخلية، والخارجية، وحتى مع حلفائه التقليديين، كأوروبا، وكندا.

مشكلة الرئيس ترامب في الثقة التي فقد الكثير من عناصرها في التعامل مع الأزمة منذ بدايتها، وفشله في أن يتحول لبطل قومي، وهو ما يحاول أن يصنعه اليوم.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف
الاستيطان
الجالية الرياضي


عدد زيارات الموقع : 20,080,328 زيارة