- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2014-03-05
تنفيذ المهمات الوطنية الكبرى يحتاج إلى تعزيز دور الهيئات الوطنية ومؤسسات المجتمع المحلي لتمتين الوضع الفلسطيني الداخلي وتحصينه
فيما يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تكرار التأكيد على المساحات الكبيرة التي تجمع ما بين الموقفين الإسرائيلي والأميركي من التسوية المطروحة تحت ما يسمى مشروع اتفاق الإطار، تتصاعد التساؤلات عما اذا كان المفاوض الفلسطيني سيواصل الجلوس على مقاعد الانتظار في إطار حالة التردد التي يعيشها منذ فترة ليست بالقصيرة.
ويركز نتنياهو في تأكيداته على إخراج مسألة الاستيطان من أية تجاذبات محتملة مع الجانب الأميركي في الوقت الذي يواصل اتهامه للجانب الفلسطيني بالعمل على إفشال التسوية من زاوية رفضه الموافقة على يهودية دولة اسرائيل. ومن هذه الزاوية تتحد أقطاب الحكومة الإسرائيلية على اعتبار أن الشريك الفلسطيني في المفاوضات غائب إلى أن يتم تحقيق ما يطالب به نتنياهو.
أمام كل ذلك طرحت بدائل فلسطينية محددة وواضحة على لسان الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في إطار المبادرة التي أعلنها أمينها العام مؤخرا بعد أن تم ترسيمها في الهيئات القيادية للجبهة.
وتبدأ المبادرة بالتأكيد على ضرورة رفض إطار كيري جملة وتفصيلا وبينت أن ما يحمله هذا الإطار من عناوين وآليات لا يمكن أن يوصل الفلسطينيين إلى أي من حقوقهم الأساسية. فلا دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران 67، ولا القدس عاصمتها. وقبل كل ذلك لا عودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها.
ففي موضوعة الدولة تأتي شروط نتنياهو التي اعتمدها كيري في اطاره لتضع ملف الحدود في سلة الاعتبارات الأمنية والتوسعية الإسرائيلية ويصبح قلم الاستيطان هو من يرسم هذه الحدود ليس إلا.
ويتم إقصاء مدينة القدس عن الحل المفترض كعاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة في حين يتماهى الموقفان الأميركي والإسرائيلي من مسألة حق العودة للاجئين الفلسطينيين باتجاه شطب هذا الحق واعتماد مشاريع التوطين والتشتيت.
من هذه الزاوية دعت المبادرة إلى رفض إطار كيري والدعوات الأميركية والإسرائيلية إلى تمديد المفاوضات عاما كاملا لتصبح هذه المفاوضات هي المشهد الوحيد والثابت في مسار التسوية دون أن توضع لها آليات تدفع باتجاه البحث عن حل شامل ومتوازن للصراع.
وترى المبادرة بديلا عن هذا الواقع السلبي اعادة الاعتبار إلى المسعى الفلسطيني نحو الأمم المتحدة والبناء على ما أنجز في المنتدى الدولي أواخر العام 2012 بترقية وضع فلسطين والاعتراف بها كدولة تحت الاحتلال بحدود معرفة وعاصمة محددة هي القدس. مما يفرض على الجانب الفلسطيني أن يتقدم فورا بطلبات عضوية دولة فلسطين إلى عشرات المؤسسات والهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة وفي مقدمتها «الجنائية الدولية» و«اتفاقيات جنيف» الأربع. وفي هذا يوضع الاحتلال واجراءاته التوسعية والعدوانية أمام سيف المساءلة الدولية بما يضمن تعزيز قدرة الحالة الفلسطينية على مواجهة الاحتلال وتعزيز موقفها في المعادلات الإقليمية والدولية بعيدا عن إسار مزدوجة الشروط الإسرائيلية والتواطؤ الأميركي.
وفي مسألة التسوية، أكدت المبادرة أن الحل السياسي الشامل والمتوازن للصراع لا يمكن ان يقوم وفق مفاوضات لا تستند بشكل واضح ومحدد إلى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. بما يعني وضع هذه المفاوضات أمام مهمة رئيسية وهي البحث في آليات تنفيذ هذه القرارات وليس كما يجري حاليا إضاعة الوقت في تعريف الحقوق الفلسطينية من خلال القاموس الإسرائيلي الذي يشطب معظمها.
وتؤكد المبادرة أن المفاوضات كي يضمن لها الوصول إلى الحل المذكور سابقا ينبغي أن تتم من خلال إشراف الأمم المتحدة والتزام أعضاء مجلس الأمن دائمي العضوية لتنفيذ هذا الحل من خلال إجبار إسرائيل وإنزالها عند القرارات الدولية ذات الصلة.
وتسعى المبادرة إلى ربط الجانب السياسي بما يخص التسوية مع الأوضاع الفلسطينية الداخلية في ظل ما تعانيه الحالة الفلسطينية من انقسام حاد امتد لسنوات طويلة وأدى إلى خسائر سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة.
وفي هذا المجال ترى المبادرة أن الوصول إلى اسقاط الانقسام وضمان استعادة الوحدة على أسس جدية ينبغي أن يمر من خلال تنفيذ القرارات التي توصلت إليها الحوارات الوطنية الشاملة في محطاتها الرئيسية والتي توافقت في نتائجها مكونات الحالة الفلسطينية جميعا، وتبلورت من خلالها برامج سياسية وتنظيمية تكفل الوصول إلى استعادة الوحدة. ومن أبرز عناوين هذه البرامج دمقرطة النظام السياسي الفلسطيني عبر الانتخابات العامة وفق قانون التمثيل النسبي الكامل.
وعلى طريق ذلك دعت المبادرة كلا من حكومة حماس في غزة وحكومة السلطة في رام الله إلى تقديم استقالتيهما الفورية وافساح المجال أمام تشكيل حكومة توافق وطني مهمتها الأولى الإشراف على الانتخابات وضمان نجاحها ونزاهتها.
في إطار متمم، يمكن التأكيد أن انجاز الخطوات السابقة المذكورة يفتح الطريق بشكل جدي أمام الحالة الفلسطينية كي تبدأ باستعادة عافيتها وتستجمع عناصر قوتها كي تتمكن من النهوض بالعناوين الرئيسية بالعمل الوطني الفلسطيني عبر إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني التحرر وفي مقدمة هذه العناوين في هذه المرحلة المقاومة الشعبية وضرورة انهاضها ودعمها في مواجهة الاحتلال وسياساته التوسعية والعدوانية.
وبالتأكيد فإن النهوض بالخطوات المذكورة يتطلب من حيث الأساس توافر الإرادة السياسية لدى جميع مكونات الحالة الفلسطينية من زاوية استخلاص دروس ما جرى خلال السنوات السابقة على جبهتي التسوية والانقسام. بعدما أدت التسوية بشروطها السابقة وعلى امتداد اكثر من عشرين عاما إلى إحداث الانقسام وتعميقه لاحقا والذي أدى بدوره إلى إضعاف الحالة الفلسطينية برمتها وتراجع قدرتها على مواجهة الشروط الإسرائيلية والتواطؤ الأميركي مع هذه الشروط.
ومن خلال التجربة، تم التأكد أن المهمات الوطنية الكبرى تحتاج إلى تعزيز دور الهيئات والمؤسسات الوطنية على المستوى السياسي وكذلك الأمر بما يخص هيئات ومؤسسات المجتمع المحلي كي يتكامل الدوران في تعزيز الوضع الفلسطيني الداخلي وتحصينه في مواجهة الضغوط الأميركية والإسرائيلية المتوقعة في حال التزمت الحالة الفلسطينية بكامل مكوناتها بالاستراتيجية البديلة والجديدة التي من شأنها أن تتقدم بالحقوق الوطنية على سكة الإنجاز.
كما أن ذلك سينعكس إيجابا على تعزيز قدرة الحالة الفلسطينية على التمسك بالحقوق الوطنية الفلسطينية وعدم السماح إلى مقايضة أي منها بالآخر وفي المقدمة حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها والذي يضمنه لهم القرار الدولي 194.