اين تتجه بوصلة الحركة النسائية الفلسطينية هذا العام، لمناسبة الاحتفال بالثامن من آذار، يوم المرأة العالمي، في وقت يكشف المشروع الصهيوني عن أهدافه وغاياته دون مواربة أو حرج، وقد بات مطلوب منا الاعتراف بإسرائيل بوصفها "وطنا قوميا للشعب اليهودي"، ما يعني التخلي عن روايتنا التاريخية، وشطب المطالبة بحق العودة، والإقرار بأن بقية شعبنا الصامدة على أرضها في الداخل هم مجرد طارئين على دولة ليست لهم؟ وما هو دور نساء فلسطين إزاء مشهد إقليمي معقد ودام، حيث الكل العربي والدولي منشغل به على حساب قضيتنا، وحيث تتجه مساعي الدول الاستعمارية إلى مزيد من التقسيم والتجزئة والتفتيت الإثني والطائفي، ووفق المصالح الاستراتيجية لهذه الدول، وقبلها وفق مصالح إسرائيل التي تسعى إلى تكريس هيمنتها وسيطرتها على المنطقة بوصفها الدولة المركزية فيها، هذا إلى جانب الهجوم الظلامي على كل مكتسبات وحقوق الإنسان العربي وفي مقدمتها حقوق المرأة ومكتسباتها، عبر حرف مسارات ثورات الربيع العربي من ثورات قامت من أجل الحرية والكرامة وإلغاء الاستبداج، إلى حركات تدمير وانتحار ذاتي تعود بشعوبنا ودولنا قرونا إلى الوراء. أمام هذا المشهد، ماذا نقول نحن نساء فلسطين ؟ مناضلات وقيادات تاريخية، حزبيات وأعضاء أطر نسائية ومراكز نسوية وبحثية ومؤسسات ونقابات وجمعيات خيرية، وقد خضنا واختبرتنا أشكال النضال والصراع المتعددة، وامتلكنا أوسع الخبرات في العمل الوطني والتنظيمي والإجتماعي والمؤسسي، سواء خبرات النهوض والتقدم والنجاح، أو خبرات الإنكفاء والتراجع والإنحسار. ولا شك أن ليس ثمة من يملك وصفة سحرية أو رؤية فريدة واستثنائية، فالوضع بتعقيداته وحجم المسؤولية فيه يحتاج لنا جميعاً، بخبراتنا الوطنية والإجتماعية، التنظيمية والمؤسساتية، القيادية والميدانية، لنعيد معاً صياغة أولوياتنا الوطنية والإجتماعية في ضوء قراءة واقعية لطبيعة وخصوصية المرحلة التي نمر بها، ومسؤوليتانا التاريخية إزاءها، لكي نتمكن معا من إعادة وضع نساء فلسطين، وليس نخبها فحسب، على سكة النضال الوطني الفلسطيني، وفي قلب الإستراتيجية النضالية الوطنية البديلة للمسارالسياسي الحالي، هذه الإستراتيجية التي تكاد تكون موضع إجماع- معلن - بين مختلف فصائل ومؤسسات العمل الوطني، ومدخلها استعادة الوحدة الوطنية، وعنصرها الرئيسي الجمع بين المقاومة الشعبية الشاملة لجميع سياسات الاحتلال بما فيها المقاطعة بكافة أشكالها وقطاعاتها، وبين مواصلة الهجوم الدبلوماسي في المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان لفضح وعزل إسرائيل كدولة إحتلال استيطاني عنصري ولإرغامها في النهاية على الإعتراف بحقوق شعبنا والإذعان لمطالبنا، تماما كما حصل في جنوب إفريقيا، هذا جنبا إلى جنب مع الضغط من أجل اعتماد سياسات إقتصادية وإجتماعية من شأنها أن تعزز من عناصر الصمود والمقاومة لشعبنا نعم، نحن نساء فلسطين، كما كنا دوماً، لنا موقع الصدارة في هذه الإسترتيجية الوطنية البديلة، سواء بالمشاركة الوطنية العامة في جميع عناصرها، أو الإشتقاقات لأشكال وصيغ عمل نضالية نسائية خاصة وملائمة لكل عنصر من عناصرها، تنخرط فيها جميع نساء فلسطين في مواقع السكن أو العمل أو القطاع الذي تنتمي إليه. كذلك في الشأن الاجتماعي، لضمان حقوق المرأة وحماية مكتسباتها باعتبارها قضية حقوق ديموقراطية بامتياز، لعلنا الآن وفي ظل الحوار المفتوح والعلني في الفضائيات وغيرها حول حقوق المرأة وموقعها في الدساتير العربية، أكثر حاجة ومن موقع المسؤولية التاريخية أيضا، لقراءة جماعية عميقة وواقعية للمجتمع، تمكننا من الخروج من حالة طرح جميع المطالب كمتفرقات دون فحص أو تركيز أو مراكمة، لصالح التوحد حول القضايا والحقوق الأساسية ذات الأولوية والتي لا تقبل التأجيل اوالتدوير او المهادنة، والتي من المفترض ان نعمل معا وبتخطيط تكاملي من أجل تمكين وتحصين المرأة والمجتمع بها للدفاع عنها وحمايتها. وفي المقابل التوحد حول القضايا التي يمكن التوافق على تاجيلها لسبب أو لآخر، فالأولويات الإجتماعية يجب فحصها في المجتمع ومع المجتمع وليس في ورش العمل والغرف المغلقة، دون أن يعني ذلك التنازل عن القضايا المبدئية الأساسية. إعادة فحص الاولويات بهدف التوحد حولها، باتت مسؤولية وطنية ونسوية، بوصلتها تصويب العلاقة مع القاعدة الإجتماعية المنظمة أو شبه المنظمة في الحركة النسائية الفلسطينية، فحص الأولويات واشكال العمل ولغة الخطاب معها، بدءاً من النساء العضوات في التنظيمات والأحزاب، إلى النساء في القاعدة التنظيمية للأطر النسائية، إلى عضوات الجمعيات العمومية في المراكز والمؤسسات والجمعيات النسائية، إلى دوائر المرأة في النقابات ... وصولاً إلى النساء في التجمعات السكانية أخيرا... وحتى لا تكون الدعوة إلى رؤية موحدة للأولويات النسوية الفلسطينية مطروحة من باب التمني فقط، فإن الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية مدعوٌ من موقعه الموحد ومسؤوليته العليا، الوطنية والإجتماعية النسوية، للمبادرة إلى احتضان حوار جدَي بين مختلف مكونات الحركة النسائية الفلسطينية بهدف الوصول إلى رؤية موحدة لاولويات دور ومهام الحركة النسائية الفلسطينية في هذه المرحلة.
* عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
8 آذار 2014



لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف