يعتبر المجتمع الفلسطيني بشكل عام وفي لبنان بشكل خاص مجتمع فتي، حيث أن نصف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم تحت الخامسة والعشرين، بينما تزيد نسبة من يقعون في الفئة العمرية (25 ـ 29 سنة) على ثلث السكان بحسب آخر التقديرات والمسوحات.
إنطلاقاً من هذه القاعدة فإن الشباب الفلسطيني في لبنان كان وما يزال الفئة الاكثر تضرراً وتأثراً من الواقع والظروف الصعبة التي مر بها اللاجئون في لبنان، الذين تعرضوا منذ بدايات اللجوء لكل اشكال القهر والتهميش الاقتصادي والاجتماعي بفعل القيود التي فرضت عليهم من قبل الدولة اللبنانية، وبفعل ما تعرض له هؤلاء اللاجئين من ضربات وحروب كثيرة ومتعددة مرت بها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ويسجل لهذا القطاع مشاركته الفاعلة والمبكرة في العمل الوطني الفلسطيني، وإنخراطه بشتى ميادين العمل وبمختلف المراحل النضالية التي مرت على شعبنا الفلسطيني. ولم يبخل يوما في تقديم اغلى التضحيات دفاعا عن قضيته وحقوقه الوطنية المشروعة، وفي مقدمتها حقه بالعودة الى دياره وممتلكاته ومواجهة مشاريع التهجير والتوطين.
وإنطلاقاً من هذه القاعدة، وبفعل وعي وادراك الشعب الفلسطيني لصعوبة التحديات التي تواجه قضيته الوطنية، اولى اللاجئون الفلسطينيون أهمية كبيرة للتعليم بإعتباره عنصراً هاماً ورئيسياً يساهم في إذكاء الشعور الوطني، فبالرغم من النكبة التي حلت بهم وإقتلاعهم من أرضهم والظروف الصعبة التي واجهوها، إلا أنهم أولوا التعليم أهمية رئيسية لإيمانهم بأن التعليم هو حبل النجاة والخلاص الذي يمكنهم من العيش الكريم ومواجهة كل التحديات التي تعصف بظروفهم السياسية والإجتماعية. وهم المحرومون من القاعدة الإقتصادية والإطار الإجتماعي اللذين يضمنان لهم الحياة الكريمة والمستقرة ولو بمستوى نسبي، وأصبح التعليم يشكل أمراً حتمياً من أجل مواجهة ظروف الحياة القاسية في ظل التنافس القاسي للحصول على عمل في لبنان والدول العربية المضيفة، وأيضاً فقد شكل النجاح والتفوق التعليمي بالنسبة للفلسطينيين نوعاً من التعويض النفسي والإجتماعي عما لحق بهم من غبن وللتغلب على السلبيات الناجمة عن وضعهم كلاجئين.
لكن هذا الطموح والنجاح لدى الشباب الفلسطيني في لبنان اصطدم للاسف بالكثير من العوائق لعل اهمها هو حالة الحرمان والتمييز الذي تعرض وما زال يتعرض لها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بفعل القوانين اللبنانية.
وقد اشار تقارير التنمية البشرية العربية إلى أن أكثر الفئات حرماناً في المجتمعات العربية هم الشباب والنساء واللاجئون. وهذا يعني أن الشباب الفلسطيني، ذكوراً وإناثاً، يعانون حرماناً مزدوجاً لكونهم شباباً ولاجئين في الوقت نفسه، كما جاءت دراسة مفصلة للجامعة الأميركية في بيروت ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لتبين أن ما نسبته 56% من الشباب والمهنيين الفلسطينيين في لبنان هم عاطلون عن العمل.
ولا شك بأن واقع الحرمان والمعاناة المفروضة على الشباب الفلسطيني في لبنان، تزيد حياته صعوباً وتعقيداً، وتؤثر بشكل كبير على واقعه الاقتصادي والاجتماعي، كما يسهم هذا الواقع الناجم عن تفاقم وارتفاع نسبة البطالة بين صفوف الشباب الفلسطيني في لبنان، في توفير الارضية الخصبة لنمو المشكلات والظواهر السلبية. وتفشي العديد من الآفات الاجتماعية بين صفوف الشباب والمراهقين، وتفاقم المشكلات النفسية الناجمة عن الإحساس بالاغتراب والحصار والقهر، الى جانب اسهامها بهجرة اعداد كبيرة من الشباب والكثير منهم يخاطر بحياته في البحار هرباً من هذا الواقع المؤلم. وهذا اخطر ما في الامر، خاصة بالنسبة الى الشعب الفلسطيني الذي يشكل الشباب عماده الرئيسي وثروته الأساسية التي يراهن عليها لإكمال المسيرة النضالية التي يخوضها شعبنا من اجل استعادة حقوقه الوطنية.
هذا الى جانب ازمة التعليم التي بدأت تتفاقم في السنوات الاخيرة وخاصة لدى الطلاب الجامعيين الذين يصطدمون بعد انهائهم للمرحلة الثانوية بعدم القدرة على متابعة الدراسة الجامعية برغم بعض المساعدات التي تقدمها عدد من المؤسسات، لكن ارتفاع تكاليف التعليم الجامعي في لبنان وعدم تبني وكالة الاونروا لمرحلة التعليم الجامعي يحرم مئات الطلاب سنويا من متابعة دراستهم الجامعية، وهذا ما دفع اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني افي السنوات الاخيرة لمطالبة الاونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية ببناء جامعة مجانية للطلبة الفلسطينيين في لبنان. ويضاف الى ازمة التعليم الجامعي ايضاً التراجع الحاصل في المستوى التعليمي في مدارس الاوتروا، وغياب الاهتمام بالتعليم المهني المحصور بمركز سبلين ومركز البارد الذين يعانون من مشكلات عدة، سواء من حيث محدودية قدرتهم الاستيعابية او من حيث عدد الدورات او المعدات المطلوبة للدورات.
هذا الواقع، يطرح العديد من الاسئلة والتساؤلات حول مستقبل الشباب الفلسطيني في لبنان، والاستراتيجية المطلوبة لمعالجة ومجابهة التحديات التي تواجهه على مختلف الصعد.
وانطلاقاً من الدور المحوري للشباب الفلسطيني في مسيرة النضال الفلسطيني، وضرورة التعاطي معهم كقطاع اجتماعي له خصوصيته وقادر على ممارسة أشكال مختلفة من النضال، لا بد من سياسة جديدة، وتعاطي مختلف مع قضايا الشباب، من خلال تقديم البرامج التي تمكن شريحة الشباب من أداء دورها الوطني النضالي والسياسي إلى جانب متابعة مشكلاتها وقضاياها على الصعد الاجتماعية والإقتصادية والتربوية والثقافية وغيرها، وضرورة تنظيم صفوفهم وتأطيرهم بشكل منظم وإعطائهم الفرصة بإفساح المجال أمامهم للارتقاء بدورهم وفعلهم النضالي والسياسي والاجتماعي دفاعاً عن حقوقهم ومصالحهم، وتمكينهم من أخذ دورهم المتقدم في حركة اللاجئين ونضالها من اجل حق العودة ومن أجل إنجاز الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني من خلال برامج عمل وخطط تستجيب لتطلعاتهم واهتماماتهم واحتياجاتهم وفقاً لاولويات وظروف المرحلة التي يعيشونها، ولعل التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية تفرض تقديم البرامج التي تعمق وعيهم بتطورات القضية الوطنية والظروف السياسية التي تحيط بها، وهذا يتم من خلال ادارة الحوار والتفاعل المباشر معهم عبر الانشطة وورش العمل التي تسهم في اشراك اكبر قاعدة ممكنة من الشباب بالتفاعل والحوار بمختلف القضايا السياسية والوطنية، الى جانب العمل على توسيع مشاركتهم بالتحركات الجماهيرية والنشاطات الوطنية والاجتماعية والنقابية.
وبهذا الاطار لا بد من الاشارة الى غياب الاهتمام بالجوانب الثقافية والابداعية لدى الشباب، رغم الاهمية القصوى لهذا الجانب وادراك الجميع بأ الثقافة والإبداع هي جزء من المعركة والمسيرة النضالية من اجل العودة وإسترجاع فلسطين. وتعتبر الثقافة مكوناً أساسياً من مكونات العملية الوطنية، وعاملاً هاماً من عوامل الوعي واليقظة، وحماية الهوية الوطنية والنضال الوطني.
الا ان تراجع دور الإتحادات الشعبية الفلسطينية وضعف امكانات المراكز الشبابية التي باتت تفتقد الى دعم المؤسسات الوطنية الفلسطينية، ادى الى تراجع كبير في الإهتمام بتنمية قدرات الشباب. وثمة إنحسار كبير في إبراز الإبداع الشبابي.
هذا الواقع يفرض تفعيل وتطوير دور الاتحادات والمراكز الشبابية والثقافية للنهوض بالواقع الثقافي وتحفيز الشباب على الإبداع وبلورة الطاقات الكامنة لديهم، إنطلاقاً من برامج هادفة وخطط مدروسة تمكنها من التفاعل الايجابي مع شريحة الشباب وتخلق لهم الظروف والأجواء المناسبة لتنمية مواهبهم وإطلاق إبداعاتهم المتنوعة، وجعلهم عنصراً فاعلاً وحاضراً بقوة في المجتمع ومشاركاً بكل طاقاته وامكاناته السياسية والفكرية والابداعية بما يصب في خدمة قضاياه وقضيتنا الوطنية.
ومن نافل القول، ان تفعيل دور الشباب في المجتمع الفلسطيني، ومعالجة مشكلاته والتحديات التي يواجهها هي مسؤولية وطنية تقع على عاتق مختلف الجهات ، بدءأ بالمؤسسات الوطنية والفصائل والاحزاب الى جانب المؤسسات المجتمعية، دون ان نغفل المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق الشباب انفسهم والدور المطلوب منهم لتحسين واقعهم والنهوض بدورهم، وهنا تقع مسؤولية مباشرة على قوى ومنظمات الشباب المطالبة بإعادة تنظيم ذاتها وفق أسس ديمقراطية لتعمل على أساس أنها شريك فاعل في القرارات داخل المجتمع، والإتجاه نحو تعميم الديمقراطية والانتخابات وتعميم تجربة التمثيل النسبي في كل المؤسسات والإتحادات الشبابية والطلابية بما يكفل وضع حد لظاهرة التفرد والهيمنة الفئوية، ويضمن التوجه نحو تفعيل النضال المطلبي وتفعيل صلة الحركة الطلابية والشبابية بالقضايا المجتمعية .وضرورة مشاركة الشباب والشابات في المؤسسات الوطنية والأحزاب السياسية ليأخذوا دوراً واضحاً يرتبط بقضايا التحرر الوطني والإجتماعي وصولاً إلى المجتمع الحر الديمقراطي عبر إتاحة الفرصة لهم للتأثير في صنع القرار .
• رئيس اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني في لبنان
2014-05-01
تعليقات على الخبــر
<

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف