- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2014-06-07
فى هذه الأيام وبالأخص فى اليوم الرابع من شهر حزيران من كل عام في موسم الجو الحار، تهب علينا روائح ذكرى أعز الرجال وأنبل الأصدقاء وأشجع الفرسان، ذكرى الثائر المناضل عمر القاسم ذكرى عطرة فواحة بشذا الوفاء والحب والدموع والذكريات، فمن منا لا يعرف عمر القاسم ؛ هذا الرجل الشهيد المثقف المناضل المفكر الفذ والمحترف الثوري شهيد الحرية، وباختصار من لم يعرف عمر القاسم، لا يعرف الحركة الوطنية الأسيرة فهو رمزها المقدام.
إن الحديث عن عمر القاسم إنما هو الحديث عن قضية وطن مناضل، وشعب يهوى المقاومة خلف قادة يتأسى بسيرتهم وبسيرة صمودهم ، فالقاسم لمن لا يعرفه خاصة من الأجيال الواعدة قد رأى النور في الثالث عشر من تشرين الثاني نوفمبر سنة "1940" في حارة السعدية بمدينة القدس القديمة ، وتمتد أصول عمر إلى بلدة الطيرة القريبة من حيفا فشب في الحارة وكان منذ صغره ممتلئاً بالذكاء والحيوية، تعلم ودرس في مدارس القدس فدرس الابتدائية في المدرسة العمرية القريبة من المسجد الأقصى وعندما أصبح فتى كانت المقاومة والنضال قد بدأت تترسخ في عقله ، فبدأ بقذف الحجارة على المواقع الإسرائيلية وأصبح مهتماً إهتماماً شديداً بقضيته الوطنية لدرجة أنه في صغره كان يحتك بالسائحين الأجانب الذين كانت مدينة القدس تعج بهم بدافع الحديث عن القضية الفلسطينية ودفع اهتمامه بالسائحين حيث تعلم اللغة الانكليزية مبكراً , وكثيراً ما كان يعود للبيت مصطحباً معه السائحين المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني وكانت أمه تعد لهم واجبات الضيافة.
وعندما أنتقل إلى المدرسة الرشيدية الثانوية والتي كانت بمثابة معقلاً وطنياً ومركزاً تنطلق منه المظاهرات الطلابية التي تتحول فيما بعد إلى مظاهرات شعبية خاصة كان لهذه المدرسة الفضل في تخريج مئات المناضلين الذين أصبحوا من كوادر الحركة الوطنية الفلسطينية ، كان القاسم قد انتقل من الطور التلقائي في النضال إلى الطور المنظم والأرقى، ففوجئ أصدقاء عمر به عندما كان في مقدمة المظاهرات الشعبية التي اندلعت ضد مشروع توطين اللاجئين التي طرحته الولايات المتحدة خاصة وأنه كان يعرف بالطالب الهادي المتزن البعيد كل البعد عن كل المظاهر الاستعراضية وكان من أوائل الشباب المبادرين لتدريب الجماهير على السلاح والإسعاف بعد إن خاض هذه التدريبات وأتقن التدريب عليها وذلك استعدادا لصد أى عدوان إسرائيلي ومن أجل المشاركة في المعركة إلى جانب مصر، وانتقل عمر القاسم للعمل مدرساً في مدارس القدس بعد إن أنهى الثانوية عام"1958" وأنتسب في الوقت نفسه لجامعة دمشق كلية الآداب أدب إنجليزي.
ومع بداية دراسته الجامعية انتسب لحركة القوميين العرب وقد أنعكس نضاله إلى مهنته في التدريس فكان يبدأ حصته بالحديث عن القضايا الوطنية الملحة وينتقل منها إلى تعليم المواد المدرسية وكان يجمع في نقل الوعي الوطني إلى طلابه وبين الإجادة في تدريس مواده ولهذا كانت استجابة التلاميذ لمعلمهم عمر عالية جداً، ولهذا تعرض لإجراءات النقل المستمرة عقاباً على نشاطاته الوطنية، والى جانب دوره في المدارس عمل مدرساً متطوعاً في جمعية المقاصد ضمن دورات محو الأمية حيث توافدت الجماهير من قطاعات الشعب المختلفة وتمكن من محو أمية العشرات من هؤلاء، وكعادته ربط التعليم بالتحريض السياسي فتعززت علاقته الاجتماعية بهم، مع بدء نشاط فصائل المقاومة يتسع ويتطور وينجح بإلحاق الخسائر في صفوف القوات الإسرائيلية شنت قوات الاحتلال حملات القمع والإرهاب وكان عمر أول المستهدفين ونجح بالإفلات من حملات الاعتقالات وتعرض منزله لأكثر من مداهمة بهدف إلقاء القبض عليه وإزاء هذا الوضع الأمني لجأ عمر إلى الأردن وفور وصوله التحق بقواعد الفدائيين في أغوار الأردن وألتحق بدورة للفدائيين في مصر حيث خضع لتدريب رفيع المستوى وتخرج بالمرتبة الأولى وتلقى تدريباً عسكرياً أخر في سوريا وبعد فترة وجيزة أصبح عمر عضواً في القيادة العسكرية العامة للجبهة الشعبية عام "1968" وشارك في معركة الكرامة البطولية والتي شكلت مفصلاً هاماً في تطور المقاومة الفلسطينية وهى أول معركة ينتصر بها العرب على الإسرائيليين وانتخب عضواً في اللجنة المركزية للجبهة الشعبية في مؤتمر آب – أغسطس"1968" ، ورغم الدور القيادي الهام للقاسم في الخارج إلا انه بقى مشدوداً ومتحمساً للنضال والمقاومة في الأراضي المحتلة وكان من الأوائل الذين شرعوا بإقامة قواعد فدائية في قلب المناطق المحتلة لممارسة الكفاح المسلح .
وفى ليلة 28 أكتوبر 1968 اجتاز عمر القاسم نهر الأردن وهو على رأس مجموعة فدائية تضم عدداً من الكوادر وكان هدفها التمركز في جبال رام الله ، ورغم اجتياز المجموعة كافة الممرات الخطرة إلا أنها اصطدمت قبل إن تصل إلى هدفها بكمين إسرائيلي قرب قرية كفر مالك فقاتلت الدورية حتى نفذت ذخيرتها وتمكنت القوات الإسرائيلية من أسر أعضائها، ودخل الرفيق عمر السجن وفى محاكمته قدم القاسم نمطاً ثورياً جديداً في التعامل مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك عندما حول محاكمته إلى محكمة للاحتلال الاسرائيلى ورغم إن نتيجة المحكمة كانت إصدار الحكم بالسجن "مؤبدين و27 عاما" على القاسم إلا إن هذا النمط من المجابهة السياسية مع الاحتلال أصبح تقليداً سياسياً للمناضلين الفلسطينيين وبدأت مسيرة القاسم في السجن على أساس المقولة التي كان يرددها دائم " في السجن لا ينتهي دور المناضل بل يبدأ، وهو نضال مكمل ومترابط مع النضال خارجه" .
وبدأ القاسم مع الإعلان عن تأسيس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بتشكيل منظمة الجبهة الديمقراطية في السجون والمعتقلات حتى استشهاده ونذكر هنا موقفاً بطولياً لعمر القاسم تنحني القامات تقديراً له بل يعجز القلم عندما يوصفه وهو عندما نفذت مجموعة من القوات المسلحة الثورية التابعة للجبهة الديمقراطية عملية "معالوت" البطولية في الجليل واستدعت إدارة السجن الرفيق القاسم وعصبوا عينيه ووضعوه على متن طائرة مروحية واتجهوا به إلى معالوت ثم وضعوه على متن مجنزرة وطلبوا منه دعوة الفدائيين لتسليم أنفسهم "ضمن خديعة إسرائيلية" حيث إن الفدائيين كانوا محتجزين العشرات من الرهائن الإسرائيليين، وقد رفض القاسم القيام بهذه المهمة "الخدعة" وعندما أصروا عليه مستخدمين شتى الضغوط أمسك القاسم الميكرفون وقال بأعلى صوته "أيها الرفاق نفذوا ما جئتم إليه، نفذوا أوامر قيادتكم بحذافيرها ولا تستجيبوا لمطالب احد" فما كان من الجنود إلا إن انهالوا عليه بالضرب وعادوه إلى زنزانة انفرادية عقاباً له على هذا العمل الشجاع وأضف إلى ذلك المساومات التي كانوا يستخدمونها ضد القاسم عندما طلبوا منه التعهد بعدم القيام بأي نشاط سياسي مقابل الإفراج عنه، فجاء رد القاسم كالصاعقة على روؤس قيادات الجيش فقال لهم "أمضيت عشرين عاماً في الاعتقال ولا يهمنى مصيري الشخصي، ما يهمنى هو قضية شعبي وطالما بقى كابوس الاحتلال على صدر الشعب سأبقى أناضل حتى يأت اليوم الذي أتحرر فيه".
خلية ديناميكية، وحركية لا تعرف الهدوء، ونشاط خلاق يتناول هموم كل الأسرى، وذكاء متوقد، وقراءة مستمرة ومتابعة مفصلة لكل ما يدور من مستجدات على الساحة السياسية والتنظيمية، بجدارته حول السجن إلى جامعة تخرج الرجال المتعلمين من خلال المناقشات الليلية بينه وبين الأسرى حول تطورات القضية الفلسطينية وقد أولى اهتماماً خاصاً لمحو الأمية فكم أسير دخل السجن وهو لا يعرف يقرأ ولا يكتب وعلى أيدي القاسم أصبح متعلماً ويرسل الرسائل إلى أهله وأيضاً لا ننسى إن نسرد الناحية الإنسانية للقاسم وأكبر مثال لإنسانيته النبيلة هو تعامله الخاص مع المعتقلين العرب السوريين والمصريين والعراقيين وذلك لأنهم منقطعون عن أهلهم فأمر المعتقلين الفلسطينيين هم وأسرهم بزيارتهم وكان يأمن لهم احتياجاتهم الضرورية من خارج السجن عن طريق أسرته.
عانى عمر القاسم خلال مسيرة حياته خلف القضبان على مدار واحد وعشرين عاماً العديد من الأمراض في ظل سياسة الإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة مصلحة السجون وضربت الحكومة الإسرائيلية طوال شهرين عرض الحائط بكافة المناشدات الصادرة عن الهيئات والمؤسسات الإنسانية والدولية الداعية لإطلاق سراحه وأبقته يكابد الآم المرض العضال في مستشفى السجون حتى توقف القلب الكبير عن الخفقان ، ففي 4 حزيران 1989م أستشهد القائد الوطني الكبير عمر محمود محمد القاسم، أستشهد القاسم بعد إن امضي واحداً وعشرين عاما في سجون الاحتلال وهى أطول فترة يمضيها مناضل سياسي في سجون الاحتلال في ذلك الوقت. ووفاءاً وإحتراماً وتقديراً لعمر القاسم خرجت الآلاف من أبناء مدينة القدس وعلى رأسها القيادات السياسية ووجهاء المدينة في جنازته المهيبة ودفن في مقبرة الأسباط في مدينة القدس كما أقيمت للشهيد مسيرات وجنازات رمزية ومظاهرات عمت إرجاء الوطن وفى العديد من الأقطار العربية لتؤكد على مواصلة طريق عمر القاسم طريق الحرية والاستقلال، وبعد مماته وأكثر مما كان في حياته احتل مكانة مميزة في قلوب كل الشرفاء والأحرار وكتبت له القصائد والأشعار وحملت العديد من المجموعات العسكرية للجبهة الديمقراطية اسمه وحملت العديد من العمليات الاستشهادية النوعية اسمه وزينت الشوارع باسمه وصوره وتغنى ولا زال يتغنى باسمه المقاتلون حتى إن شهداء في الانتفاضة الحالية "انتفاضة الأقصى" اخذوا اسمه كنية لهم نذكر منهم شهداء رفح الأبطال الشهيد المقاتل احمد جاد الحق "أبو القاسم" قائد كتائب المقاومة الوطنية برفح والشهيد المقاتل احمد عبد العزيز "أبو القاسم" قائد الكتائب في منطقة حي السلام برفح ومعد الاستشهاديين في الكتائب ولا زال العشرات من جماهير شعبنا والرفاق في الجبهة الديمقراطية يتخذون اسمه كنية لهم تخليداً له، ومنحه الشهيد القائد ياسر عرفات بعد استشهاده رتبة عقيد وأطلقت عليه الصحافة الإسرائيلية اللقب الذي عرف به "مانديلا فلسطين" واتخذ له الأسرى لقب "عميد الحركة الوطنية الأسيرة ورمزها المقدام" .
ولكن مهما نكتب ومهما نقول لن نعطيه أي جزء مما يستحق، فهو من قضى عمره يحمل رشاشاً في يد والفكر السياسي في اليد الأخرى، لن نكتب ولن نقول الكثير لأنه اكبر من كل الكتابة ومن كل القول بل يعجز القلم حينما تتحدث عن بطولاته ومواقفه. نعم هذا هو القاسم، مدرسة في العطاء والنضال تسامى فوق كل الخلافات العارضة فكان بسلوكه ونضاله يشكل نموذجاً فريداً بتجربة متقدمة طمح جميع المناضلين للوصول إليها فاستحق بذلك وعن جدارة حب وتقدير كل من عرفه أو عايشه أو سمع عنه والذي أنا من الذين سمعوا عنه، وإذا كانت الشهادة هي أعظم أشكال التضحية، فان الشهادة خلف القضبان يضاف لها عظمة خاصة، فالشهداء لهم منا مكانة، وعلى رؤوسنا نحملهم تيجاناً، ولسلوكنا نتخذهم نماذجاً وعزاؤناً في القاسم أنه ترك فيناً تراثاً نضالياً عريقاً وإرث غنى من الكفاح وسيظل نبراساً نستلهم منه القدرة على السير في طريق الثورة ودرب الشهداء فعهداً منا أيها القاسم في ذكراك أن نواصل النضال والسير على ذات الدرب وان نمضى إلى الأمام دون تراجع وستبقى الكلمة والحجر والبندقية هي أسلحتنا في النضال وسيبقى شعارنا "بالدم نكتب لفلسطين وبالعقيدة والبندقية نرسم طريق التحرير".
إن الحديث عن عمر القاسم إنما هو الحديث عن قضية وطن مناضل، وشعب يهوى المقاومة خلف قادة يتأسى بسيرتهم وبسيرة صمودهم ، فالقاسم لمن لا يعرفه خاصة من الأجيال الواعدة قد رأى النور في الثالث عشر من تشرين الثاني نوفمبر سنة "1940" في حارة السعدية بمدينة القدس القديمة ، وتمتد أصول عمر إلى بلدة الطيرة القريبة من حيفا فشب في الحارة وكان منذ صغره ممتلئاً بالذكاء والحيوية، تعلم ودرس في مدارس القدس فدرس الابتدائية في المدرسة العمرية القريبة من المسجد الأقصى وعندما أصبح فتى كانت المقاومة والنضال قد بدأت تترسخ في عقله ، فبدأ بقذف الحجارة على المواقع الإسرائيلية وأصبح مهتماً إهتماماً شديداً بقضيته الوطنية لدرجة أنه في صغره كان يحتك بالسائحين الأجانب الذين كانت مدينة القدس تعج بهم بدافع الحديث عن القضية الفلسطينية ودفع اهتمامه بالسائحين حيث تعلم اللغة الانكليزية مبكراً , وكثيراً ما كان يعود للبيت مصطحباً معه السائحين المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني وكانت أمه تعد لهم واجبات الضيافة.
وعندما أنتقل إلى المدرسة الرشيدية الثانوية والتي كانت بمثابة معقلاً وطنياً ومركزاً تنطلق منه المظاهرات الطلابية التي تتحول فيما بعد إلى مظاهرات شعبية خاصة كان لهذه المدرسة الفضل في تخريج مئات المناضلين الذين أصبحوا من كوادر الحركة الوطنية الفلسطينية ، كان القاسم قد انتقل من الطور التلقائي في النضال إلى الطور المنظم والأرقى، ففوجئ أصدقاء عمر به عندما كان في مقدمة المظاهرات الشعبية التي اندلعت ضد مشروع توطين اللاجئين التي طرحته الولايات المتحدة خاصة وأنه كان يعرف بالطالب الهادي المتزن البعيد كل البعد عن كل المظاهر الاستعراضية وكان من أوائل الشباب المبادرين لتدريب الجماهير على السلاح والإسعاف بعد إن خاض هذه التدريبات وأتقن التدريب عليها وذلك استعدادا لصد أى عدوان إسرائيلي ومن أجل المشاركة في المعركة إلى جانب مصر، وانتقل عمر القاسم للعمل مدرساً في مدارس القدس بعد إن أنهى الثانوية عام"1958" وأنتسب في الوقت نفسه لجامعة دمشق كلية الآداب أدب إنجليزي.
ومع بداية دراسته الجامعية انتسب لحركة القوميين العرب وقد أنعكس نضاله إلى مهنته في التدريس فكان يبدأ حصته بالحديث عن القضايا الوطنية الملحة وينتقل منها إلى تعليم المواد المدرسية وكان يجمع في نقل الوعي الوطني إلى طلابه وبين الإجادة في تدريس مواده ولهذا كانت استجابة التلاميذ لمعلمهم عمر عالية جداً، ولهذا تعرض لإجراءات النقل المستمرة عقاباً على نشاطاته الوطنية، والى جانب دوره في المدارس عمل مدرساً متطوعاً في جمعية المقاصد ضمن دورات محو الأمية حيث توافدت الجماهير من قطاعات الشعب المختلفة وتمكن من محو أمية العشرات من هؤلاء، وكعادته ربط التعليم بالتحريض السياسي فتعززت علاقته الاجتماعية بهم، مع بدء نشاط فصائل المقاومة يتسع ويتطور وينجح بإلحاق الخسائر في صفوف القوات الإسرائيلية شنت قوات الاحتلال حملات القمع والإرهاب وكان عمر أول المستهدفين ونجح بالإفلات من حملات الاعتقالات وتعرض منزله لأكثر من مداهمة بهدف إلقاء القبض عليه وإزاء هذا الوضع الأمني لجأ عمر إلى الأردن وفور وصوله التحق بقواعد الفدائيين في أغوار الأردن وألتحق بدورة للفدائيين في مصر حيث خضع لتدريب رفيع المستوى وتخرج بالمرتبة الأولى وتلقى تدريباً عسكرياً أخر في سوريا وبعد فترة وجيزة أصبح عمر عضواً في القيادة العسكرية العامة للجبهة الشعبية عام "1968" وشارك في معركة الكرامة البطولية والتي شكلت مفصلاً هاماً في تطور المقاومة الفلسطينية وهى أول معركة ينتصر بها العرب على الإسرائيليين وانتخب عضواً في اللجنة المركزية للجبهة الشعبية في مؤتمر آب – أغسطس"1968" ، ورغم الدور القيادي الهام للقاسم في الخارج إلا انه بقى مشدوداً ومتحمساً للنضال والمقاومة في الأراضي المحتلة وكان من الأوائل الذين شرعوا بإقامة قواعد فدائية في قلب المناطق المحتلة لممارسة الكفاح المسلح .
وفى ليلة 28 أكتوبر 1968 اجتاز عمر القاسم نهر الأردن وهو على رأس مجموعة فدائية تضم عدداً من الكوادر وكان هدفها التمركز في جبال رام الله ، ورغم اجتياز المجموعة كافة الممرات الخطرة إلا أنها اصطدمت قبل إن تصل إلى هدفها بكمين إسرائيلي قرب قرية كفر مالك فقاتلت الدورية حتى نفذت ذخيرتها وتمكنت القوات الإسرائيلية من أسر أعضائها، ودخل الرفيق عمر السجن وفى محاكمته قدم القاسم نمطاً ثورياً جديداً في التعامل مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك عندما حول محاكمته إلى محكمة للاحتلال الاسرائيلى ورغم إن نتيجة المحكمة كانت إصدار الحكم بالسجن "مؤبدين و27 عاما" على القاسم إلا إن هذا النمط من المجابهة السياسية مع الاحتلال أصبح تقليداً سياسياً للمناضلين الفلسطينيين وبدأت مسيرة القاسم في السجن على أساس المقولة التي كان يرددها دائم " في السجن لا ينتهي دور المناضل بل يبدأ، وهو نضال مكمل ومترابط مع النضال خارجه" .
وبدأ القاسم مع الإعلان عن تأسيس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بتشكيل منظمة الجبهة الديمقراطية في السجون والمعتقلات حتى استشهاده ونذكر هنا موقفاً بطولياً لعمر القاسم تنحني القامات تقديراً له بل يعجز القلم عندما يوصفه وهو عندما نفذت مجموعة من القوات المسلحة الثورية التابعة للجبهة الديمقراطية عملية "معالوت" البطولية في الجليل واستدعت إدارة السجن الرفيق القاسم وعصبوا عينيه ووضعوه على متن طائرة مروحية واتجهوا به إلى معالوت ثم وضعوه على متن مجنزرة وطلبوا منه دعوة الفدائيين لتسليم أنفسهم "ضمن خديعة إسرائيلية" حيث إن الفدائيين كانوا محتجزين العشرات من الرهائن الإسرائيليين، وقد رفض القاسم القيام بهذه المهمة "الخدعة" وعندما أصروا عليه مستخدمين شتى الضغوط أمسك القاسم الميكرفون وقال بأعلى صوته "أيها الرفاق نفذوا ما جئتم إليه، نفذوا أوامر قيادتكم بحذافيرها ولا تستجيبوا لمطالب احد" فما كان من الجنود إلا إن انهالوا عليه بالضرب وعادوه إلى زنزانة انفرادية عقاباً له على هذا العمل الشجاع وأضف إلى ذلك المساومات التي كانوا يستخدمونها ضد القاسم عندما طلبوا منه التعهد بعدم القيام بأي نشاط سياسي مقابل الإفراج عنه، فجاء رد القاسم كالصاعقة على روؤس قيادات الجيش فقال لهم "أمضيت عشرين عاماً في الاعتقال ولا يهمنى مصيري الشخصي، ما يهمنى هو قضية شعبي وطالما بقى كابوس الاحتلال على صدر الشعب سأبقى أناضل حتى يأت اليوم الذي أتحرر فيه".
خلية ديناميكية، وحركية لا تعرف الهدوء، ونشاط خلاق يتناول هموم كل الأسرى، وذكاء متوقد، وقراءة مستمرة ومتابعة مفصلة لكل ما يدور من مستجدات على الساحة السياسية والتنظيمية، بجدارته حول السجن إلى جامعة تخرج الرجال المتعلمين من خلال المناقشات الليلية بينه وبين الأسرى حول تطورات القضية الفلسطينية وقد أولى اهتماماً خاصاً لمحو الأمية فكم أسير دخل السجن وهو لا يعرف يقرأ ولا يكتب وعلى أيدي القاسم أصبح متعلماً ويرسل الرسائل إلى أهله وأيضاً لا ننسى إن نسرد الناحية الإنسانية للقاسم وأكبر مثال لإنسانيته النبيلة هو تعامله الخاص مع المعتقلين العرب السوريين والمصريين والعراقيين وذلك لأنهم منقطعون عن أهلهم فأمر المعتقلين الفلسطينيين هم وأسرهم بزيارتهم وكان يأمن لهم احتياجاتهم الضرورية من خارج السجن عن طريق أسرته.
عانى عمر القاسم خلال مسيرة حياته خلف القضبان على مدار واحد وعشرين عاماً العديد من الأمراض في ظل سياسة الإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة مصلحة السجون وضربت الحكومة الإسرائيلية طوال شهرين عرض الحائط بكافة المناشدات الصادرة عن الهيئات والمؤسسات الإنسانية والدولية الداعية لإطلاق سراحه وأبقته يكابد الآم المرض العضال في مستشفى السجون حتى توقف القلب الكبير عن الخفقان ، ففي 4 حزيران 1989م أستشهد القائد الوطني الكبير عمر محمود محمد القاسم، أستشهد القاسم بعد إن امضي واحداً وعشرين عاما في سجون الاحتلال وهى أطول فترة يمضيها مناضل سياسي في سجون الاحتلال في ذلك الوقت. ووفاءاً وإحتراماً وتقديراً لعمر القاسم خرجت الآلاف من أبناء مدينة القدس وعلى رأسها القيادات السياسية ووجهاء المدينة في جنازته المهيبة ودفن في مقبرة الأسباط في مدينة القدس كما أقيمت للشهيد مسيرات وجنازات رمزية ومظاهرات عمت إرجاء الوطن وفى العديد من الأقطار العربية لتؤكد على مواصلة طريق عمر القاسم طريق الحرية والاستقلال، وبعد مماته وأكثر مما كان في حياته احتل مكانة مميزة في قلوب كل الشرفاء والأحرار وكتبت له القصائد والأشعار وحملت العديد من المجموعات العسكرية للجبهة الديمقراطية اسمه وحملت العديد من العمليات الاستشهادية النوعية اسمه وزينت الشوارع باسمه وصوره وتغنى ولا زال يتغنى باسمه المقاتلون حتى إن شهداء في الانتفاضة الحالية "انتفاضة الأقصى" اخذوا اسمه كنية لهم نذكر منهم شهداء رفح الأبطال الشهيد المقاتل احمد جاد الحق "أبو القاسم" قائد كتائب المقاومة الوطنية برفح والشهيد المقاتل احمد عبد العزيز "أبو القاسم" قائد الكتائب في منطقة حي السلام برفح ومعد الاستشهاديين في الكتائب ولا زال العشرات من جماهير شعبنا والرفاق في الجبهة الديمقراطية يتخذون اسمه كنية لهم تخليداً له، ومنحه الشهيد القائد ياسر عرفات بعد استشهاده رتبة عقيد وأطلقت عليه الصحافة الإسرائيلية اللقب الذي عرف به "مانديلا فلسطين" واتخذ له الأسرى لقب "عميد الحركة الوطنية الأسيرة ورمزها المقدام" .
ولكن مهما نكتب ومهما نقول لن نعطيه أي جزء مما يستحق، فهو من قضى عمره يحمل رشاشاً في يد والفكر السياسي في اليد الأخرى، لن نكتب ولن نقول الكثير لأنه اكبر من كل الكتابة ومن كل القول بل يعجز القلم حينما تتحدث عن بطولاته ومواقفه. نعم هذا هو القاسم، مدرسة في العطاء والنضال تسامى فوق كل الخلافات العارضة فكان بسلوكه ونضاله يشكل نموذجاً فريداً بتجربة متقدمة طمح جميع المناضلين للوصول إليها فاستحق بذلك وعن جدارة حب وتقدير كل من عرفه أو عايشه أو سمع عنه والذي أنا من الذين سمعوا عنه، وإذا كانت الشهادة هي أعظم أشكال التضحية، فان الشهادة خلف القضبان يضاف لها عظمة خاصة، فالشهداء لهم منا مكانة، وعلى رؤوسنا نحملهم تيجاناً، ولسلوكنا نتخذهم نماذجاً وعزاؤناً في القاسم أنه ترك فيناً تراثاً نضالياً عريقاً وإرث غنى من الكفاح وسيظل نبراساً نستلهم منه القدرة على السير في طريق الثورة ودرب الشهداء فعهداً منا أيها القاسم في ذكراك أن نواصل النضال والسير على ذات الدرب وان نمضى إلى الأمام دون تراجع وستبقى الكلمة والحجر والبندقية هي أسلحتنا في النضال وسيبقى شعارنا "بالدم نكتب لفلسطين وبالعقيدة والبندقية نرسم طريق التحرير".