- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2014-06-18
إن على السلطة الفلسطينية وقبل إسرائيل، أن تنظر إلى واقعة المستوطنين الثلاثة نظرة سياسية أعمق وأن تستخلص من هذه الواقعة في التجربة الوطنية ما يجب استخلاصه.
هل تدخل الأسماء التالية الذاكرة الفلسطينية كما دخلها اسم الجندي الإسرائيلي الأسير السابق جلعاد شاليت: غيل ـ عاد شاعر، نفتالي فرانكل وإيال يفرح. وهم المستوطنون الثلاثة الذين أعلنت إسرائيل عن اختفائهم، وبنت سياساتها وتحركاتها العسكرية والأمنية على أنهم مخطوفون على أيدي مقاومين فلسطينيين.
وهل نشهد في الأيام القادمة سيناريوهات شبيهة بتلك التي شاهدناها، على خلفية، أسر شاليت، وما تبع ذلك من مفاوضات، بعضها علني، وأغلبها سري، انتهت إلى ما انتهت إليه من تبادل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، أطلقت بموجبه تل أبيب ألف أسير فلسطيني مقابل استعادة شاليت.
من الطبيعي القول إن ثمة فرقاً كبيراً بين عملية أسر شاليت، وأسر المستوطنين الثلاثة (على قاعدة التأكيد الإسرائيلي أنهم «مخطوفون» على أيدي مقاومين فلسطينيين).
فشاليت أسر من موقعه العسكري، المتاخم لقطاع غزة، حيث تتمتع المقاومة بحرية حركة لخلو القطاع من الوجود الإسرائيلي المباشر، بينما تعج الضفة الفلسطينية بالحواجز والمواقع العسكرية الإسرائيلية، ما جعل عملية الأسر هذه [على افتراض وقوعها] أكثر تعقيداً من أسر شاليت وإخفائه.
شاليت تم إخفاؤه في القطاع، حيث لا يستطيع جيش الاحتلال أن يتحرك بحرية، وإلا اصطدم بالمقاومة الفلسطينية، أما في الضفة فإن حرية الحركة للجيش الإسرائيلي متاحة بشكل غير محدود، في ظل تعاون استخباراتي وأمني مع الأجهزة الفلسطينية، كما ذكرت المصادر العسكرية الإسرائيلية، وأكدت أن التعاون مع هذه الأجهزة قائم بشكل وثيق، وهو التعاون الذي كان قد وصفه الرئيس محمود عباس بأنه «مقدس» في عرف السلطة الفلسطينية وحساباتها، ما أحدث غصة وردود فعل سلبية لدى الصف الواسع من الشرائح الفلسطينية على مختلف اتجاهاتها.
لماذا تفترض إسرائيل أن المستوطنين الثلاثة قد تم أسرهم على يد المقاومين الفلسطينيين ؟
بتقديرنا أن الدوائر الاستخباراتية والأمنية الإسرائيلية، المعنية بدراسة وامتحان المزاج العام الفلسطيني، تدرك جيداً أن ثمة قناعة لدى الصف الواسع من المزاج الشعبي الفلسطيني بات على ثقة أن السبيل شبه الوحيد لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية هو في أسر جنود أو مستوطنين إسرائيليين والتبادل بهم، خاصة بعد أن أثبتت العملية التفاوضية الأخيرة، كيف تحول إسرائيل أسرانا إلى رهائن سياسيين، تتلاعب بمصيرهم، وترفض إطلاق سراح الدفعة الرابعة، منهم، كما نص على ذلك الاتفاق مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. ولسنا بحاجة إلى شرح مفصل لنوضح إلى أي مدى تلعب قضية الأسرى في صناعة أجواء سياسية تعبوية ضد الاحتلال وسلطاته، خاصة في ظل الصمود الأسطوري لهؤلاء الأسرى، دفعة وراء دفعة، سجناً وراء سجن، في الإضراب عن الطعام، والإصرار على استعادة الحرية، ولو أدى ذلك إلى الوصول إلى مشارف الموت جوعاً. وبالتالي، وعلى خلفية الدور الذي تحتله قضية الأسرى في الوجدان الفلسطيني، يلاحظ الارتياح الشعبي العام، لعملية الأسرى الأخيرة، باعتبارها تبشر بعملية تبادل جديدة، تحطم قضبان الزنازين وتشرع أبواب الحرية أمام أبطال الحرية.
وكعادتها حولت إسرائيل قضية المستوطنين المخطوفين إلى مسألة سياسية حين اتهمت حركة حماس بضلوعها في العملية. ورغم أن عدداً غير قليل من قادة حماس نفى صلة الحركة بهذه العملية، إلا أن سلطات الاحتلال انتهزت الفرصة وشنت حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات حمساوية في الضفة، بهدف تسميم الأجواء السياسية الفلسطينية، بعد حالة الانسجام التي سادت الحالة الفلسطينية بعد اتفاق الشاطئ، وتشكيل حكومة التوافق الوطني والبدء بخطوات عملية لإنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة الداخلية. ويبدو أن الخارجية الأميركية هي الأخرى دخلت على خط التشويش على المصالحة الفلسطينية، حين ذكر الوزير جون كيري أن لديه معلومات تؤشر صلة لحماس في العملية الأخيرة. وفي ظل حالة التعبئة العسكرية والسياسية الإسرائيلية ضد الحالة الفلسطينية بمجملها، ودون استثناء، فإن مخاطر العدوان على القطاع، باتت أكثر ترجيحاً، خاصة إذا ما فشلت سلطات الاحتلال في الكشف عن المكان المحتجز فيه المستوطنون الثلاثة، وإذا ما اعتقدت أن توجيه ضربات على قطاع غزة، وضد قادة حماس بالذات، عمل من شأنه أن يشكل ضغطاً على «الخاطفين» لإطلاق سراح المستوطنين الثلاثة.
ولعلّ ما يطمئن، إلى وحدة الموقف الفلسطيني، حتى الآن، في التصدي للتغول الإسرائيلي، بيان اللجنة التنفيذية، الذي رفض الإنجرار إلى الكمين الإسرائيلي في توجيه التهمة إلى أحد الأطراف الفلسطينية، على أمل العودة إلى شق الموقف الوطني.
غير أن ما يضعف موقف اللجنة التنفيذية، ويضعف الموقف الوطني الفلسطيني العام، هو ذلك التعاون الأمني مع سلطات الاحتلال.
لقد بات واضحاً، أكثر من اللازم، أن سياسة المهادنة مع الجانب الإسرائيلي لا تجدي نفعاً، وأن سياسة التفاوض تحت سقف ذات الآليات الأميركية ـ الإسرائيلية، لن تقود إلى حل يضمن الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية.
وأن الوصول إلى السلام الحقيقي، السلام الذي يضمن سلامة القضية الفلسطينية أولاً وقبل كل شيء، لا بد أن يكون عبر أساليب وطرق أخرى.
ولتلاحظ معاً، كيف أصبحت حالة سلطات الاحتلال وحكومة نتنياهو أمام عملية اختفاء ثلاثة مستوطنين. أكثر من مئة ألف جندي يتم استنفارهم ليجتاحوا الضفة الفلسطينية، موجات من الاعتقال في المدن والبلدات والقرى والمخيمات، دون أي حساب لرد فعل السلطة ولرد فعل المجتمع الدولي. أزالت إسرائيل الخطوط الحمراء كافة، في البحث عن ثلاثة من مواطنيها يشاركون في احتلال أرضنا من خلال إقامتهم في واحدة من المستوطنات. فلماذا إذن، ترسم القيادة الفلسطينية خطوطاً حمراء لسياستها، في الوقت الذي يخطف فيه الإسرائيليون الوطن والشعب والسلطة وكل مكونات الحالة الفلسطينية، وإلى متى الرهان على حلول واحتمالات حلول، تؤكد الوقائع، الماضية والحالية أنها عقيمة ولن توفر لنا الحرية والاستقلال والأمن والعودة إلى الديار.
نعتقد أن على السلطة الفلسطينية، قبل إسرائيل، أن تنظر إلى واقعة المستوطنين الثلاثة نظرة سياسية أعمق، وأن تستخلص من هذه النظرة ما يفترض استخلاصه في التجربة الوطنية، وكخطوة ملحة، يفترض أن تخطوها السلطة، هي الوقف التام للتعاون الأمني مع سلطات الاحتلال، حرصاً على المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا color:#222222;">.