عكست الأزمة السورية نفسها على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين بأشكال مختلفة، من المتوقع أن تترك آثارها على البنية الاجتماعية للوجود الفلسطيني لفترة قد تطول نسبياً.
من المعروف أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا يتجاوز النصف مليون لاجئ، القسم الأكبر منهم يعيش في دمشق ومخيماتها (6 مخيمات) يلي ذلك منطقة الوسط (حماه، حمص، اللاذقية) حيث يقيمون في 3 مخيمات، بعدها الشمال (حلب) في مخيمين، ثم في الجنوب (مخيم درعا).
ولعل أكبر النكبات التي أصابت اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، كانت في مخيمي اليرموك وسبينة (جنوب اليرموك) ودرعا في الجنوب، ورغم غياب الإحصاءات الرسمية إلا أن التقديرات ترجح أن أكثر من نصف اللاجئين (أي حوالى ربع مليون لاجئ) أصبحوا في عداد المهجرين والنازحين، فاضطروا إلى إخلاء مخيماتهم التي طالتها الحرب بشدة، كما خسروا محلاتهم التجارية وأملاكهم العقارية، ومصادر رزقهم فضلاً عن فقدان أولادهم للمدرسة وفرص التعليم. انتقل أكثر من خمسين ألفاً منهم إلى لبنان، بحثاً عن مأوى آمن وعن مصدر بديل للعيش.
يتميز الوضع الفلسطيني في سوريا، بظاهرة اندماجه في المجتمع السوري، حتى أصبح جزءاً من النسيج الاجتماعي السوري إلى حد كبير، لعب دوراً في ذلك السياسات التي اتبعتها الحكومات السورية المتعاقبة منذ نهاية أربعينات ومطلع خمسينات القرن الماضي حيث بدأ اللاجئون الفلسطينيون يتدفقون إلى سوريا تحت وطأة الإرهاب الصهيوني في فلسطين. وقد عاملت الحكومات السورية المتعاقبة اللاجئ الفلسطيني معاملة المواطن السوري، بما يتعلق بحقه في السكن، والعمل، والتعلم المجاني حتى المراحل العليا، والصحة، والوظيفة العامة، باستثناء الوظائف العليا ذات الصفة السيادية. وهو أمر ساعد على انتشار العلم في صفوف اللاجئين، ونشوء نخب متعلمة، وثقافية وأصحاب مهن ذات اختصاص (أطباء، مهندسين، محامين، صيادلة وغيره) مما لعب دوراً في ولادة فئات وسطى، متعددة المنشأ، أسهمت في تعزيز الروح الوطنية في صفوف اللاجئين، كما عززت انتماءهم إلى قضيتهم الوطنية.
وبسبب من وجود دولة قوية، تبنت برامج اقتصادية ذات اتجاهات اجتماعية معينة، أسهمت في تقديم الخدمات والضمانات المختلفة للمواطنين، بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون، كما اتبعت سياسة داخلية تقوم على مبدأ سلطة الحزب الواحد، افتقر التجمع الفلسطيني في سوريا، إلى أدواته المجتمعية الخاصة به، ولم تتوفر له الفرص لبناء مؤسسات أهلية وغير حكومية بوظائفها المختلفة على غرار تجارب التجمع الفلسطيني في لبنان. حتى الاتحادات الشعبية الفلسطينية، فقدت دورها في سوريا، حتى كعناوين سياسية امتداداً لمنظمة التحرير الفلسطينية.
في ظل هذا الوضع، وعندما انفجرت الأزمة في سوريا، وأصابت شظاياها المخيمات والتجمعات الفلسطينية في دمشق وباقي المدن الأخرى، وتعرض الفلسطينيون لما تعرضوا له من نزوح وتهجير، وخسارة لمنازلهم ومصادر رزقهم، انكشفت هشاشة المجتمع المدني الفلسطيني، وهشاشة تماسكه الاجتماعي.
فالفصائل الفلسطينية، وإن حاول بعضها أن يحافظ على تماسك أوضاعه التنظيمية، ضمن آليات عمل هي نفسها آليات العمل التقليدية في الأوضاع العادية، إلا أنها وجدت نفسها أمام مسؤوليات جديدة، بدت عاجزة عن الوفاء بمتطلباتها، أهمها تأمين المآوي البديلة للمهجرين الفلسطينيين، وتأمين مصادر عيش بديلة. ولما كانت هذه الفصائل، تفتقر، كلها تقريباً، إلى مؤسسات عمل اجتماعي، ولجان أهلية متماسكة وذات خبرة في العمل الإغاثي والصحي والدعم النفسي، وذات خبرة في العمل في صفوف المهجرين والنازحين، وجدت هذه الفصائل نفسها تتوجه بالنداء إلى اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، وإلى وكالة الأونروا الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، تدعوهما لتحمل أعباء ما أصاب هؤلاء اللاجئين من نكبات.
منظمة التحرير ناءت بالحمل الثقيل الذي ألقى على عاتقها، وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمسك بأوضاع السلطة الفلسطينية والصندوق القومي الفلسطيني، وكل ما قدمته المنظمة لهؤلاء المتضررين من الحرب السورية، لم يتجاوز 1500 ليرة سورية للعائلة الواحدة ولمرة واحدة لم تتكرر، منذ نهاية العام 2012 وحتى الآن (أي ما يعادل عشرة دولارات فقط).
أما وكالة الأونروا، فقد قدمت لهم أربع دفعات من المساعدات المالية، إلى جانب عدد من السلال الغذائية شكلت إلى حد ما مصدر معيشة بديلاً لمن فقدوا كل ما يملكون.
أما الذين نزحوا إلى لبنان، فإن ظروفهم بدت أفضل نسبياً، بفعل الدور الذي لعبته وكالة الغوث كما لعبته مؤسسات المجتمع المدني اللبناني والفلسطيني، وهي كثيرة، في توفير الإغاثة الضرورية لهم. ولعل هذا ما شجع كثيرين من النازحين الفلسطينيين، على الانتقال إلى لبنان، خاصة من كان لهم أقارب في المخيمات الفلسطينية. لكن يبدو أن الحكومة اللبنانية بدأت في الأسابيع الأخيرة اتباع سياسة جديدة هدفها الحد من نزوح اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان.
تأثيرات الأزمة السورية على اللاجئين الفلسطينيين لم تقتصر على ما لحق بالمخيمات (خاصة اليرموك وسبينة ودرعا) من دمار، وما لحق بالتجمعات السكانية من تهجير ونزوح وفقدان المأوى ومصادر العيش، بل امتدت إلى أبعد من ذلك حيث لوحظ حركة هجرة واسعة للنخب المتعلمة من بين أبنائهم، هم وعائلاتهم إلى خارج سوريا، في رحلة للبحث عن مكان بديل لإقامة دائمة، أو مديدة في أحسن الأحوال، مما ينبئ أن التجمع الفلسطيني في سوريا، ستدخل على بناه الداخلية متغيرات غير بسيطة، في ظل افتقارها إلى النخب المتعلمة والمثقفة، وفي ظل هجرة أبناء الفئات الوسطى، ومغادرتهم البلاد. وإن كنا لا نستطيع الآن أن نستقرئ بشكل واضح آثار هذه المتغيرات منذ الآن على بنى التجمع الفلسطيني في سوريا، إلا أننا يمكننا الجزم أنه إذا كانت الأزمة قد كشفت عن هشاشة في بنى المجتمع المدني الفلسطيني، فإن هذه الهشاشة من شأنها أن تضعف أكثر فأكثر إمكانية إعادة بناء التجمع الفلسطيني، وإعادة اللحمة إلى صفوفه، حين يستعيد الوضع السوري عافيته.
في كل الأحوال، وحتى لا نستغرق طويلاً في تقديرات، لم تتوفر حتى الآن، وبالقدر الكافي، المؤشرات والعناصر الضرورية، لقراءتها قراءة سليمة، يفترض التأكيد أن المهمة المباشرة الملقاة على عاتق الجهات المعنية بإدارة شؤون التجمع الفلسطيني، ستبقى وحتى إشعار آخر، العمل على توفير الغذاء، والمأوى الصحي، وضرورات العيش اليومية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف