انتهت حرب «الجرف الصامد» الإسرائيلية على قطاع غزة، لكن حروباً من نوع آخر بدأت في إسرائيل نفسها. وواضح للجميع أن حرباً سياسية بين الأحزاب وداخلها، ضمن الائتلاف الحكومي وخارجه، قد اندلعت، حيث يعتقد البعض أن الانتخابات المبكرة أصبحت قريبة. لكن حرباً من نوع آخر اندلعت ظاهرياً بين وزارة المالية و«بنك إسرائيل» ووزارة الدفاع، بسبب الخلافات حول تغطية تكاليف الحرب وتقديراتها.
ومعروف أن وزير المالية الحالي، زعيم «هناك مستقبل» يائير لبيد، كان ولا يزال يطمح إلى الفوز برئاسة الحكومة الإسرائيلية، ما يدفع الكثيرين إلى الاعتقاد أن جانباً من سياسته الاقتصادية يرمي إلى توسيع قاعدته الانتخابية. ومن الجائز أن هذا ما دفعه للإعلان قبل أشهر عن مشروع «صفر ضريبة قيمة مضافة» على العقارات للأزواج الشابة، على أمل كسب ود هذا القطاع. وفي ذروة الحرب على غزة وارتفاع تكاليفها داخل إسرائيل، تعهد لبيد بعدم رفع الضرائب لتغطية نفقات الحرب المختلف أيضاً بشأنها.
وفي كل الأحوال، فإن تكاليف الحرب، كما تبدت بشكل أولي من طلبات الجيش الإسرائيلي، تقدر بحوالي 2.5 مليار دولار، ولا تتضمن التعويضات والخسائر غير المباشرة. وحسب تقديرات متواضعة، نشرت في وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن تكلفة الحرب لا تقل عن 20 مليار شيكل (حوالي 6 مليارات دولار). ومن البديهي أن إسرائيل ستتملص من دفع تعويضات بكامل القيمة للمتضررين، ما سيجعل العبء على الخزينة أقل من التقديرات. لكن من البديهي أيضاً أن أداء الجيش الإسرائيلي، الذي لم يعجب الكثيرين، سيبرر بضعف الميزانيات والحاجة إلى زيادتها. ولذلك فإن التقديرات المتواضعة تتحدث أيضاً عن أن ميزانية العام 2015 للجيش الإسرائيلي لن تقل عن 70 مليار شيكل (حوالي 20 مليار دولار). ومن المؤكد أن هذه ليست مجرد أرقام تلقى في الهواء، بل هي أعباء تثقل على الميزانية العامة من ناحية، وتثقل على الاقتصاد الإسرائيلي من ناحية أخرى.
ولهذا السبب وقع اشتباك في الأيام الأخيرة بين لبيد ومحافظ بنك إسرائيل البروفيسورة كرنيت بلوغ حول الضرائب، ونسبة العجز المتوقعة في الميزانية العامة. وهو يعرض خططاً لتقليصات عرضية في كل ميزانية الوزارات، وهي ترى أن إسرائيل وصلت إلى الخط الأحمر في انخفاض مستوى الإنفاق المدني.
وبحسب تقديرات «بنك إسرائيل»، فإنه يتوجب على الدولة شد الحزام والتصرف بحكمة، لتجاوز الأزمة الاقتصادية المقبلة لا محالة. ويلحظ أن الاقتصاد الإسرائيلي كان قد بدأ يدخل مرحلة ركود، حتى قبل حرب «الجرف الصامد»، وأن هذا وجد تعبيراً في العديد من الملامح التي قادت إلى تقليص الفائدة في المصارف إلى ربع في المئة فقط، ما يعني عملياً أن الفائدة باتت سلبية. ويدل تقليص نسبة الفائدة على مدى القلق الذي يشعر به بنك إسرائيل إزاء وضع الاقتصاد، وبأن التغيير السلبي أساساً بعد دخول الجيش الإسرائيلي الحرب على غزة، فالحرب أضرت كثيراً بالاستهلاك، كما تضررت السياحة التي تمثل 7 في المئة من الناتج القومي الإسرائيلي.
ويعتقد خبراء دوليون أن الاقتصاد الإسرائيلي، الذي سبق أن صمد أمام الأزمة الاقتصادية العالمية، يعاني من ركود متدرج منذ العام 2011. وقد أقر وزير المال قبل أيام بأن العجز في الميزانية قد يرتفع إلى 3 في المئة من الناتج القومي، لكن خبراء يتحدثون عن توسيع العجز ليصل إلى 3.4 في المئة، ما يثقل ليس فقط على ميزانية العام المقبل، وإنما أيضاً ميزانية الأعوام الثلاثة المقبلة على أقل تقدير. وينظر إلى هذه التقديرات بخطورة، بسبب تقلص الإنتاج الصناعي في إسرائيل، وبشكل مقلق أكثر تراجع الصادرات الصناعية التي تشكل 40 في المئة من الناتج القومي العام الإسرائيلي.
ويبين الخبير الاقتصادي في صحيفة «يديعوت احرونوت» سيفر بلوتسكر أن التقديرات المشتركة بين وزارة المال و«بنك إسرائيل» تتحدث عن زيادة متوقعة في الإنفاق ضمن ميزانية العام المقبل بستة مليارات شيكل، في مقابل تراجع في الواردات بحوالي 3 مليارات شيكل، ما سيزيد بشكل كبير نسبة العجز. فالعجز في ميزانية العام الحالي هو أكبر بـ 10 الى 12 مليار شيكل مقارنة مع ما كان متوقعاً. لهذا فإن التقديرات تتحدث عن عجز ظاهر في ميزانية 2015 بنسبة ما بين 3.5 إلى 3.8 في المئة من الناتج العام مقارنة بـ2.5 حسب التوقعات الرسمية الأصلية.
ومن المهم معرفة أن الناتج القومي العام في إسرائيل يصل إلى تريليون شيكل، ما يعني أن نسبة العجز المتوقعة تتراوح بين 35 و38 مليار شيكل (أي أكثر من 10 مليارات دولار).
ويبيّن بلوتسكر أن المعلومات السالفة تقوم على أساس أن بوسع ميزانية العام 2014 احتواء تكاليف حرب «الجرف الصامد» على الأقل بحدود 10 مليارات شيكل، عبر استخدام فوائض متوفرة. وينتقل ليعرض ما يعتبره «تفاؤلاً اقتصادياً» لدى الإسرائيليين، ليوضح أن هذا التفاؤل يتراجع مع مرور الوقت.
وبحسب استطلاع نشره ملحق «يديعوت» الاقتصادي فإن المتشائمين والمتفائلين في إسرائيل باتوا قريبين من بعضهم. وحوالي ربع المستطلع رأيهم متشائمون، ويعتقدون أن وضعهم الاقتصادي سيتدهور، والربع الآخر متفائل في حين سلم الآخرون بواقعهم. ويبدو أن التفاؤل والتشاؤم مرتبط بالعمر، حيث أن 40 في المئة من الشباب بين 18 و30 سنة يؤمنون أن وضعهم سيتحسن، في حين أن 17 في المئة فقط من الرجال بين 45 و59 سنة يعتبرون أن أوضاعهم ستكون أحسن.
تجدر الإشارة إلى أن اتحاد الصناعيين الإسرائيليين عرض على الحكومة تقديراته للخسائر في القطاع الصناعي جراء الحرب. وتشير هذه التقديرات إلى أن الخسائر بلغت 1.32 مليار شيكل (حوالي 400 مليون دولار)، نصفها تقريباً في مناطق الجنوب المحاذية للقطاع. وأشار إلى أن نسبة التخلف عن العمل في المصانع تراوحت بين 11 و20 في المئة في مناطق الجنوب. وهذا التقدير لا يحوي الأضرار المباشرة في المصانع التي أصيبت بشكل مباشر، ولا الأضرار غير المباشرة وإنما يتضمن فقط الخسائر الناتجة عن فقدان منتج وفق قيمة أجور العمال ممن لم يصلوا إلى أماكن عملهم وفقدان أرباح وخسارة مواد خام.
حلمي موسى عن السفير اللبنانية


لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف