- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2014-09-13
طرحت خطبة الجمعة الفارطة التي القاها مستشار الرئيس للشؤون الاسلامية في مسجد التشريفات بمقر الرئاسة أربعة قضايا مركزية وخطيرة في الفكر السياسي الذي يحكم مقر الرئاسة تتمثل بطبيعة النظر الى الحاكم "السلطان" وطبيعة النظام السياسي واستخدام الدين في السياسة ودور مستشاري الرئيس.
فقد "نصب" خطيب مسجد التشريفات الرئيسَ محمود عباس سلطانا وهو استحضار من التاريخ الاسلامي لهذا المنصب، وهو لقب عربي مشتق من السلطة والقوة استعمل في العهود الإسلامية لدى الأتراك السلاجقة والعثمانيين. لكن الادهى ما ذهب اليه الخطيب باعتبار كل من خالف السلطان خارج عن الملّة وحكمة القتل، وكذلك معاقبته كل من عارض أو اتخذ أمر دون إذنِ أو أمرِ السلطان بتهمة "الافتئات على الحاكم" ما يمنع الاختلاف والمعارضة السياسية، وفقط الاذعان لحكمه. دون الدخول بقدرة هذا التنصيب ليس فقط على الامة بل في مناطق السلطة الفلسطينية المكبلة بتقسيمات اوسلوية لم تستطع السلطة من مد ولايتها خارج مناطق الكثافة السكانية "أ".
كما طرحت الخطبة تغييرا جوهريا في طبيعة النظام السياسي من نظام قائم على قواعد قانونية "القانون الاساسي" متفق عليها فلسطينيا، أي نظاما مدنيا، الى نظام اسلامي قائم على الشريعة، والغى كذلك المؤسسة التشريعية وأحال مهاما الى أهل الحل والعقد الذين اختصرهم على مساعدي الرئيس "السلطان"، واقصاء فئات اجتماعية وطوائف دينية من نسيج الحكم المُمثلين في المؤسسة التشريعية ومؤسسات الحكم التنفيذية. ما يثير خطرا داهما على طبيعة النظام السياسي الفلسطيني بما فيه مبدأ فصل السلطات من جهة، ويعيد النقاش من جديد في العالم العربي حول طبيعة النظام السياسي الذي جرى في السنوات السابقة مع فوز أحزاب الاسلام السياسي بعد ثورات الربيع العربي من جهة ثانية، ويفتح الافاق على صراع حول طبيعة الحكم كما حدث في هذه البلدان وليس اخطرها ما يجري في ليبيا حاليا من جهة ثالثة، ويمنح شرعية لقوى عنيفة "ارهابية" كحركات مثل داعش للمطالبة بالدولة الاسلامية كما هو حاصل في اجزاء من سوريا والعراق من جهة رابعة.
أما المسألة الثالثة، استخدام الدين في السياسية، غاية في الخطورة بحيث تمنح أي حزب أو فصيل أو شخص تبرير تصرفاته باستخدام الدين والفتوى في الشؤون السياسية ما يفرض احكاما شرعية على آرائه ومواقفه، وتحريم مواقف الاخرين وذلك وفقا لمصالحه الضيقة. وفي هذا الامر يمكن الاستنباط من التاريخ الاسلامي كل ما يرغب المرء به من تشدد وعنف وإكراه من القرامطة مرورا بإمارة غزة الى داعش وما بينها من افكار وتنظيمات متشددة.
اعادت خطبة الجمعة الماضية أيضا مسألة مفتي السلطان الذي يبرر للسلطان تصرفاته ويمنحها في احيان كثيرة بعدا شرعيا دون توفير النصح والرشاد وتقديم الخيارات ودرس السيناريوهات. وهؤلاء "مفتي السلطان" عج بهم تاريخ الملوك والأمراء في عالمنا العربي ما عَمَّ معهم الظلم والحيف بالرعية، وضاع معهم الحكم الرشيد والبصيرة، وشتان بين الرعية والمواطنة.