بقدر ما يتحضر الفلسطينيون لخوض حربهم ضد الاستيطان، بقدر ما يتقدمون في معركة الدفاع عن القدس وتجسيد حقوقهم.
احتدمت المواجهات مجدداً في مدينة القدس مع قوات الاحتلال والمستوطنين بعد سلسلة من الاعتداءات والاستفزازات المنهجية الإسرائيلية.
والقدس، كما باقي مناطق الضفة الفلسطينية، تعيش حالة من الاحتقان والتوتر منذ أسابيع بعد مقتل الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير وإحراقه على يد مستوطنين تزامنا مع عدوان «الجرف الصامد» على قطاع غزة، وتصعيد المستوطنين اقتحاماتهم للمسجد الأقصى، ومن ثم استشهاد عبد الرحمن الشلودي من بلدة سلوان، والذي أثار استشهاده حالة غضب عارم في القدس.
يحصل هذا في الوقت الذي من المفترض أن يناقش مجلس الأمن تغول الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عموماً، والقدس على نحو الخصوص، بعد أن أوعز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتسريع العمل ببناء ألف وحدة استيطانية جديدة في القدس.
وعلى الرغم من أهمية الأحداث التي وقعت المواجهات على خلفيتها، إلا أن الصراع يدور من حيث الجوهر، وبما يخص القدس ـ بين رؤيتين، وطنية فلسطينية تعتبر القدس عاصمة للدولة الفلسطينية باعتبارها جزءاً من الأراضي التي تم احتلالها بعدوان العام 1967، وهي حكما داخل خطوط الرابع من حزيران / يونيو التي تؤكد قرارات الشرعية الدولية أنها الحيز الجغرافي لقيام الدولة الفلسطينية.
ورؤية إسرائيلية توسعية، تعتبر أن القدس مدينة موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل، وبالتالي فإن التوسع الاستيطاني في هذه المدينة شأن إسرائيلي خاص لا علاقة للمجتمع الدولي أو الفلسطينيين بهذا الموضوع!
وبين هاتين الرؤيتين يدور الصراع منذ أن وقع عدوان العام 1967.
وتدرك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حساسية وضع القدس، ويتعمد أقطاب الحكومة القيام باقتحامات وزيارات استفزازية للأقصى كي تواصل توجيه رسالتها للفلسطينيين وغيرهم بأن كل ما في القدس تحت السيادة الإسرائيلية حصراً.
ومنذ أن انطلقت عملية التسوية وفق «أوسلو» في العام 1993، كانت مدينة القدس إحدى العقد الأساسية في مسار التسوية ومضمونها، بعد أن تم تغيب قرارات الشرعية الدولية عن أسس العملية السياسية، وبالتالي تم تفريع القضايا الأساسية للصراع تحت عناوين ومديات زمنية متعددة كي تتم لإسرائيل حرية المناورة على صعيد كل قضية بمعزل عن الأخرى.
وأدى ذلك، إلى فتح باب المبادرات التفصيلية بخصوص القدس وأبرزها ما تم طرحه في «كامب ديفيد» صيف العام 2000، وسميت مبادرة كلينتون، الرئيس الأميركي في ذلك الحين.
ومن حيث الجوهر، لا تتجاوز هذه المبادرة الرؤية الإسرائيلية تجاه مدينة القدس المحتلة، فهي (المبادرة) تعتمد تقسيم القدس الشرقية ذاتها، وتدفع باتجاه اعتماد إحدى ضواحيها لتسمى عاصمة للدولة الفلسطينية.
وفي «معركة القدس»، تستخدم تل أبيب أمضى أسلحتها الممثلة بحربة الاستيطان منذ أن تم احتلال المدينة، ونشطت في حملة التهويد عبر نشر الأحياء اليهودية في المدينة وتوسيعها ونشر الاستيطان في أطرافها، وأطلقت قوانين عسكرية لنهب الأراضي ومصادرتها تحت حجج قانونية زائفة.
من هذه الزاوية، يطلق نتنياهو العطاءات الاستيطانية المتتالية في القدس وأخرى من هذه الزاوية، يطلق نتنياهو العطاءات الاستيطانية المتتالية في القدس وآخرها 1000 وحدة سكنية في أحياء القدس الشرقية.
وعلى الرغم من بيانات أوروبية وأميركية عدة عارضت التوسع الاستيطاني في الضفة والقدس، إلا أن تل أبيب تدرك من الناحية السياسية أن المؤشرات لم تصل إلى الحد الذي تدل فيه عن قرب اتخاذ موقف أوروبي أو أميركي حازم من إسرائيل على خلفية ملف الاستيطان. لذلك هي تمضي في مخططاتها التوسعية تماما وفق البرنامج الذي أقرته الحكومة الإسرائيلية.
ومع ذلك، لا يمكن الاستهانة بمدلولات الخطوات الأوروبية تجاه الاستيطان وأخرها ما نشر حول بلورة خطوط حمراء أوروبية ستناقش مع تل أبيب حول وضع الاستيطان وعواقب استمرار توسيعه.
وفيما تتواصل المواجهة الشعبية الفلسطينية ضد استفزازات الاحتلال ومستوطنيه، تتجه الأنظار إلى الخطوات المفترض اتخاذها من قبل الجانب الفلسطيني الرسمي إن كان على صعيد التحرك في الأمم المتحدة على صعيدي مجلس الأمن والجمعية العامة، أو في التحرك السياسي على المستويين الإقليمي والدولي من أجل حشد المواقف المنددة بالاستيطان والدفع باتجاه اتخاذ مواقف أممية حازمة تضع إسرائيل تحت سقف المساءلة.
يمكن القول إن الدفع باتجاه الانتساب إلى المؤسسات الدولية ذات الصلة بمحاسبة الاحتلال هو المدخل الصحيح والناجع في التصدي للسياسات العدوانية التوسعية الإسرائيلية، وقد تم الحديث عن ذلك مطولا وتكرارا، ولا تزال العقبة أمام تنفيذ هذه الخطوة الوطنية بالغة الأهمية إنما تتمثل باستمرار سياسة التردد والانتظار التي يتبعها المفاوض الفلسطيني، والتي تعيق من جهة إمكانية مواجهة الاحتلال ومقارعته ربطا بقوانين الشرعية الدولية، وتشجع من جهة أخرى هذا الاحتلال على الإيغال في سياساته التوسعية وإدارة الظهر للانتقادات التي يتعرض لها كونه يدرك أن هذا الانتقاد لن يخرج عن حيز البيانات الإعلامية.
وعلى اعتبار أنه لا يمكن الفصل ما بين مكونات القضية الفلسطينية وعناوينها الأساسية، فإن معركة الدفاع عن القدس، عاصمة الدولة الفلسطينية هي بالضرورة وحكما معركة مفتوحة مع الاستيطان.
وبقدر ما يتحضر الفلسطينيون جدياً ويخوضون حربهم ضد الاستيطان، بقدر ما يتقدمون في معركة الدفاع عن القدس وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة.
وفيما تتصاعد المواجهة في القدس مع الاحتلال، تنهض مهمة إطلاق المقاومة الشعبية وحمايتها، كعنوان أساسي في المعركة ضد الاستيطان والمستوطنين. والمقاومة الشعبية بإطلاقها وحمايتها وتطورها تفتح الباب واسعاً أمام فتح جهة المواجهة مع الاحتلال شعبياً وسياسياً وديبلوماسيا، وهي العناصر اللازم تكاملها كي تصل هذه المعركة إلى نتائجها المرجوة ... وضع الاحتلال أمام المساءلة الدولية وتقدم العمل الوطني الفلسطيني على سكة انجاز الحقوق الوطنية في العودة والاستقلال.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف