- تصنيف المقال : شؤون عربية ودولية
- تاريخ المقال : 2014-12-08
فيما يرى مراقبون أن النزاع الحالي بين روسيا والغرب لم ولن يصل لحدود الحرب الباردة، يؤكد آخرون أن الحرب الباردة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي لم تنته أبدا، وإنما جرى تجميدها منذ العهد السوفييتي، والنزاع على خطوط نقل حوامل الطاقة ليس إلا وقودا مناسبا لتسخينها.
الملاحظ أن حمى طرق نقل الطاقة في الأوساط الأوروبية تفاقمت منذ أن قال بوتين خلال زيارته الأخيرة لأنقرة "إذا كان الغرب لا يرغب بتنفيذ مشروع غاز الخط الجنوبي، فإن هذا المشروع لن ينفذ"، معلنا بذلك تجميد المشروع، ومعربا في الوقت ذات عن توجه موسكو القوي بجعل الأراضي التركية معبرا لغازها إلى الدول الأوروبية عوضا عن أوكرانيا.
ووقّعت موسكو وأنقرة خلال هذه الزيارة سلسلة من الاتفاقيات، أبرزها بناء خط أنابيب بحري يربط بينهما عبر البحر الأسود بطاقة سنوية 63 مليار متر مكعب يذهب منها 14 مليار متر مكعب إلى تركيا، وذلك بعد أن وضع الرئيس بوتين "بوان فينال" على نص اتفاقية المشروع الروسي ـــ الإيطالي لبناء أنبوب غاز "ساوث ستريم" الذي يعارضه الاتحاد الأوروبي بذريعة رفض بلغاريا للمشروع، فيما تكمن الأسباب الرئيسية لهذا الاعتراض في الضغوطات الأمريكية على أوروبا لمعاقبة روسيا على موقفها من أوكرانيا.
وكان بوتين أعلن زيادة كمية الغاز الروسي المصدر إلى تركيا وخفض سعره، مشيرا إلى أن روسيا قد تتعاون مع أنقرة لإنشاء مجمع للغاز الطبيعي على الحدود مع اليونان يمكن أن يصبح في المستقبل حوضا كبيرا لمخزون الغاز الطبيعي ليس القادم من روسيا فقط، وإنما للغاز الأذربيجاني ولاحقا التركماني الذي قد تنقله أنابيب مشروع "تانار" إلى الحدود اليونانية، ومنها إلى ألبانيا وإيطاليا بواسطة أنابيب مشروع "تار". وقد يعاد إحياء مشروع "نابوكو" شبه المنسي للغاز التركماني المخصص إلى دول وسط القارة العجوز ما قد يجعل من تركيا دولة محتكرة لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا.
وهذا هو عقاب بوتين لأوروبا من جهة، ومن جهة أخرى هو الحلم الذي راود الرئيس التركي أردوغان منذ أمد بعيد وكان يستعد له مقابل أي تنازلات يستوجب عليه تقديمها حتى لو كانت في الملف السوري، ليعرب عن تطلعاته الإمبراطورية في العثمنة التي مازال يفشل في تحقيقها، ولينتقم من شركائه الغربيين الذين جعلوه ينتظر أمام أبواب الاتحاد الأوروبي سنوات طويلة ولم يفتحوا له الباب للدخول إليه حتى اليوم.
فإذا كان الغرب بقيادة الولايات المتحدة يجيد اللعب بالدمى في شرق أوروبا لعرقلة العلاقات الروسية الأوروبية، فإن روسيا أعلنت صراحة وبوضوح دون خبث أو مراوغة عن خروجها من اللعبة وتسليم ملف الغاز إلى تركيا التي ستكون محاورا رئيسيا في نقل الغاز الروسي إلى جنوب شرق أوروبا، في حين يعلم الغرب تماما أن تركيا بالرغم من كونها عضوا أطلسيا، إلا أنها لن تكون ذلك المحاور المرن الذي يمكن التفاهم معه بسهولة ما قد يمّكن تركيا من الدخول إلى الاتحاد الأوروبي عبر أنابيب الغاز الروسي.
لذا سارع بويكو باريسوف رئيس الحكومة البلغارية بعد تأكده من النوايا الروسية بوقف العمل بمشروع الخط الجنوبي نتيجة المماطلة الغربية للإعلان عن أن اجتماعا لوزراء طاقة الدول المشاركة في مشروع "ساوث ستريم" سيعقد في التاسع من شهر كانون الأول / ديسمبر الجاري، حيث سيجري بحث المسائل المتعلقة بالحزمة الثالثة لمشروع الطاقة في الاتحاد الأوروبي، مؤكدا أن "العمليات التحضيرية لم يتم توقيفها، وموعد التاسع من الشهر الجاري للقاء وزراء الطاقة في الدول المشاركة بمشروع "الخط الجنوبي"، حيث سيتم حل جميع المسائل بما فيها المغلف الثالث الخاص بالطاقة"، حسب اعتقاده.
من جانبه سارع جان كلود يونكر رئيس اللجنة الأوروبية للإعلان عن أن الاتحاد الأوروبي سيعمل كل ما في وسعه لتطبيع العلاقات مع روسيا لافتا إلى أن ذلك لا يتعلق بالجانب الأوروبي فحسب لأن "رقصة التانغو يؤديها شخصان" مضيفا "نعم، إن روسيا هي مشكلة استراتيجية بالنسبة لنا اليوم ولكنني آمل أن تصبح مجددا شريكنا الاستراتيجي وستعمل اللجنة الأوروبية كل ما في وسعها من أجل ذلك".
بدورها روسيا لم تتأخر في الإجابة على "الجزرة" الأوروبية حيث جاء الرد سريعا على لسان الرئيس بوتين في كلمته إلى الجمعية البرلمانية للأتحاد الروسي مشيرا إلى أن المطلوب ليس التلفظ بكلمات فضفاضة وعبارات طنانة ولكن "إذا كانت السيادة الوطنية لدى بعض الدول الأوروبية أصبحت من الكماليات المنسية فإنها بالنسبة لروسيا مبدأ ثابت في الحياة والوجود" مشيرا إلى أنه لو لم يحدث ما حدث في أوكرانيا لكانوا (الولايات المتحدة) اختلقوا عراقيل جمة أخرى لتقويض تطور القدرات الروسية المتنامية.
وأكد الرئيس بوتين أن روسيا لا تنوي الدخول في سباق مكلف للتسلح ولكنها ستعمل على تعزيز قدراتها بحيث لا يمكن لأحد التفوق عليها ولتكون قادرة على حماية العالم بكل تنوعه باحثة في الوقت ذاته عن الشركاء في كل أرجاء العالم بما في ذلك في أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.