- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2015-01-12
مقاطعة الجبهتين الديمقراطية والشعبية، اجتماع يوم 31/12/2014 والمسمى تجاوزاً إجتماع «القيادة السياسية الفلسطينية»، أثار اهتمام المراقبين، وردود فعل سياسية غير قليلة؛ نظراً لما سبق هذا الاجتماع من توتر في العلاقات الوطنية، سببه انفراد القيادة الرسمية بصياغة مشروع القرار إلى مجلس الأمن، من خلف الهيئات الشرعية، ممثلة باللجنة التنفيذية، وقد حمل نصوصاً هابطة عن الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة للشعب الفلسطيني، كما هو متوافق عليها في الهيئات الشرعية وبين فصائل العمل الوطني، وقد مست هذه النصوص كما هو معروف، الموقف من حدود الرابع من حزيران، حين رضيت بمبدأ تبادل الأرض، كما مست مكانة القدس الشرقية بحدود الرابع من حزيران عاصمة لدولة فلسطين، كما تجاهلت الاستيطان، وتجاهلت بشكل فظ أي ذكر لحق اللاجئين في العودة.
كما أثارت المقاطعة المراقبين نظراً لما تحتله هاتان الجبهتان من موقع فاعل ومؤثر، في الحالة الوطنية الفلسطينية، وفي الشارع الفلسطيني، وعلى الصعيدين العربي والدولي. وبالتالي جاءت المقاطعة للاجتماع تحمل في طياتها رسالة واضحة تؤكد على رفض الجبهتين سياسة الاستفراد بالقرار الوطني الفلسطيني، ورفضهما تهميش المؤسسات والهيئات الشرعية، من خلال فبركة وفك وإعادة تركيب هيئات بديلة تحت مسميات مختلفة، كالهيئة المسماة بالقيادة السياسية والتي لا تحوز على أية وضعية قانونية في النظام السياسي الفلسطيني، وفي لوائح م.ت.ف. وهي هيئة مفبركة تجمع بقرار منفرد وفردي، اللجنة التنفيذية، واللجنة المركزية لحركة فتح، وممثلي الفصائل في المجلس التشريعي، ومسؤولين أمنيين، ومسؤولين سياسيين، ليسوا في اللجنة التنفيذية، ولا في المجلس التشريعي، ولا في أية صيغة قانونية. وقد أدمنت القيادة الرسمية على دعوة هذا الصف العريض من الشخصيات، وهذا الخليط من السياسيين، ولا لشيء، سوى للتهرب من المجابهة السياسية التي يمكن أن تنشأ، بين رئيس اللجنة التنفيذية وبين بعض أعضائها، علماً أن المشروع المقدم إلى مجلس الأمن، كما بات معروفاً، لم يعرض لا على اللجنة التنفيذية، ولا على الجهة المسماة القيادة السياسية، ولم يتم التشاور بشأنه مع الفصائل، ومع مكونات الحالة الوطنية الفلسطينية، بل جرى تهريبه من وراء ظهر هؤلاء كلهم، ولما رفضت القيادة الرسمية دعوة اللجنة التنفيذية لتمارس واجباتها، ومراجعة المشروع إلى مجلس الأمن، ولما أصرت القيادة الرسمية على تعطيل الهيئات الشرعية والقانونية وفرض الهيئات المفبركة بديلاً لها، اتخذت الجبهتان القرار الوطني المسؤول، بضرورة صون المؤسسات الشرعية والقانونية، ورفض المساس بها، وصون النظام السياسي الفلسطيني، وبالتالي مقاطعة اجتماع الهيئة المسماة بالقيادة السياسية، ورفض فرض هذه الهيئة المفبركة على يد شخص واحد، يحاول أن تكرس نفسه بديلاً للتوافق الوطني، ولأجل أن تكون هذه الهيئة هي الأخرى بديلاً للهيئات الشرعية والقانونية في م.ت.ف.
***
سبق هذا الموقف سلسلة مشاورات، شملت، كما أوضحت خالدة جرار، العضو في المجلس التشريعي عن الجبهة الشعبية، الجبهتين، وفداـ وحزب الشعب الفلسطيني، وياسر عبد ربه، وحنان عشراوي، وجبهة النضال برئاسة أحمد مجدلاني، وزهدي النشاشيبي، وقد أسفرت المشاورات بعد أخذ ورد، وحوار مع الرئيس عباس، على رفض أن تحل «القيادة السياسية» بديلاً للجنة التنفيذية، وضرورة دعوة اللجنة التنفيذية إلى اجتماع لبحث التحرك السياسي، بما في ذلك المشروع المقدم إلى مجلس الأمن والخطوات الضرورية اللاحقة. لكن الرئيس عباس رفض الاقتراح وأصر على دعوة «القيادة السياسية» بديلاً للجنة التنفيذية وعند ساعة الصفر، فقط الجبهتان الديمقراطية والشعبية، من التزم بما تم الاتفاق عليه والتشاور حوله، وتراجعت باقي الأطراف عن موقفها وحضرت الاجتماع المسمى بـ «القيادة السياسية».
***
ردود الفعل على موقف الجبهتين كانت واسعة، احتلت مكانة متقدمة في اهتمامات وسائل الإعلام، رغم أن هذا الموقف ترافق مع حدث مهم هو توقيع الرئيس عباس وثيقة انتساب فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية. وكما كان متوقعاً، فقد رحبت بموقف الجبهتين الأوساط السياسية الفلسطينية والعربية الحريصة على صون مؤسسات منظمة التحرير الشرعية والقانونية من التلاعب، ووقف سياسة فك وتركيب الهيئات البديلة؛ غير الشرعية وغير القانونية.
كذلك لقي هذا القرار رد فعل سلبياً، وهذا متوقع، من بطانة القيادة الرسمية وإطارها، استند في تعليقاته إلى مواقف لا تحتاج إلى جهد لتنفيذها، وكشف مدى هشاشتها ومدى فقرها السياسي والمنطقي. البعض قال إن الجبهتين لا تريدان التوقيع على الانتساب لمحكمة الجنايات الدولية تخوفاً من أن تحال قيادتهما إلى هذه المحكمة بناء على دعاوي اسرائيلية بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الإسرائيليين، وإن الجبهتين تلتقيان في هذا مع حركة حماس. ترى ألا يشرف الجبهتين، وكل الجهات، وكل الفصائل، أن تتهمهما إسرائيل باتهاماتها الباطلة، «عقاباً» لهما على دورهما في قتال العدو، والاسهام الفاعل في النضال المسلح ضد قوات الاحتلال والمستوطنين؟ ثم ألم يتابع أصحاب هذه النظرية الفاشلة، مواقف الجبهة، منذ 29/11/2012 تاريخ انتساب دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة، وهي تطالب القيادة الفلسطينية الرسمية باستكمال خطوة التدويل بالانتساب إلى كل المنظمات الدولية، وفي مقدمتها محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة قادة العدو على جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني. من هو يا ترى من عطل هذه الخطوة سنتين كاملتين، حتى وقع طلبات الانتساب. سنتان من عمر الشعب الفلسطيني ضاعتا هباء ]كما أضاعت اتفاقات أوسلو عشرين عاماً من عمره هي الأخرى[ شكلت فرصة جديدة للعدو، ليقتل، ويغتال، ويعتدي، ويشن الحروب ضد الشعب الفلسطيني، ويصادر الأرض، ويوسع الاستيطان، ويهّود القدس الشرقية ويعمل على طمس معالمها. من راهن على المفاوضات العقيمة، وما زال يراهن، حتى اللحظة، ويرفض اعتماد واضح وصريح لسياسات بديلة لهذه المفاوضات؟
كما يقول هؤلاء، فيما يقولون، إن الجبهتين خضعتا، في موقفهما لضغوط إقليمية! هذه هي المرة الأولى التي يقال عن الجبهتين أنهما تخضعان لضغوط إقليمية. ونحن هنا لا نريد أن نذهب بعيداً في النقاش. لكننا نسأل، لماذا لم يتم حتى الآن وقف التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي، وقد وعدت القيادة الرسمية بذلك عقب اغتيال الشهيد زياد أبو عين؟ لماذا تم تعديل مشروع القرار إلى مجلس الأمن أكثر من مرة ولماذا حوى هذا المشروع تنازلات كبيرة عن الحقوق الوطنية المشروعة لشعب فلسطين؟ إذا لم يكن هذا كله، وغيره كثير، نتيجة لضغوطات إسرائيلية (نعم اسرائيلية) وأميركية (نعم أميركية) وعربية (نعم، للأسف عربية) فماذا يمكن لنا أن نسميه؟ إنها محاولة مفضوحة للتمويه على الحقيقة وتزويرها. الحقيقة تقول إننا أمام سياستين. الأولى تقوم على مبدأ الحرص على الوحدة الوطنية و «الشراكة الوطنية»، وعلى صون المؤسسات الرسمية والقانونية والشرعية، والثانية نقدم على مبدأ التفرد والاستفراد، والهزء من الوحدة الوطنية، والتعامل معها تعاملاً استعمالياً، برفع شعاراتها عند الحاجة، ويضع هذه الشعارات جانباً، كلما أراد الذهاب بخطوات سياسية بعيداً عن مواقف الاجماع الوطني. ولسوف يبقى هذا الصراع، بين السياستين، قائماً على أسس ديمقراطية إلى أن تستقيم الأمور لصالح الخط السليم، خط صون المؤسسات، والوحدة الوطنية، ومبدأ «الشراكة الوطنية» التي ندفع ثمنها غالياً من دماء أبناء الشعب الفلسطيني.