- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2015-02-25
قبل قرابة خمسة عقود، سجل الشعب الفلسطيني بانطلاقة ثورته العملاقة انعطافه تاريخية في تجربته النضالية، عندما أخذ بزمام المبادرة لتحرير أرضه من الاحتلال الإسرائيلي، بعدما خاب أمله في الأدوات الأخرى، الانظمة العربية تحديداً، وكذلك المؤسسات الرسمية على المستويين الفلسطيني والعربي على حد سواء، إضافة إلى عقوق المجتمع الدولي الذي يتحمل مسؤولية وجود دولة الاحتلال واستمرارها، كانت ثورة الشعب الفلسطيني ميلادا لتاريخ جديد، اتخذ من الكفاح المسلح شعاره الاستراتيجي كبديل لا بد منه لمواجهة كل الخيبات والانتكاسات.
إلاّ أن ابرز تلك التحولات في التجربة الثورية الفلسطينية، انطلاقة أحزاب وفصائل اليسار التي اتخذت أيضاً من الكفاح المسلح المزود بالوعي والثقافة والإبداع الثوري، وسيلة أساسية لمقارعة الاحتلال ومواجهته، رغم ميزان القوى العسكري المائل لصالح الاحتلال، فصائل اليسار، لعبت دوراً أساسياً في الحفاظ على مكتسباتنا الوطنية وفي الطليعة منها منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي الوحيد لجماهير شعبنا الفلسطيني، أينما تواجد، في داخل الوطن المحتل والشتات والمخيمات. فصائل منظمة التحرير وفي القلب منها فصائل اليسار الفلسطيني لا تزال تتحمل مسؤولية الحفاظ على منظمة التحرير رغم كل المؤامرات الخارجية والداخلية، التي حاولت بلا كلل أو ملل الاطاحة بهذا المنجز التاريخي للشعب الفلسطيني.
واليوم، ونحن نحيي فصيلاً أساسياً من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، واليسار الوطني الفلسطيني، في ذكرى انطلاقتها المجيدة، لا بد من استرجاع هذا الزخم الذي مثلته الجبهة الديمقراطية، في اطار النضال الوطني الفلسطيني، سياسياً وعسكرياً، بعدما أصبح انشقاقها عن الجبهة الشعبية، من الماضي دون تجاهل تداعيات هذا الانشقاق السلبية على وحدة اليسار الفلسطيني، خاصة وأن الجبهة الديمقراطية لم تشكل بديلاً أو إضافة نوعية لها وزنها المتميز في اطار النضال الوطني الفلسطيني عموماً، ونضال اليسار الفلسطيني على وجه التحديد.
باعتقادي، في اطار هذا الاحتفاء بانطلاقة الجبهة الديمقراطية لا بد من وقفة جريئة ـ نسبياً ـ لتقييم هذه التجربة، إذ رغم كل التطورات التي حدثت على مسار الثورة الفلسطينية، ما زالت قصة الاحتفاء بالانطلاقة ـ لمعظم الفصائل الفلسطينية ـ تشكل احتفاءً إيجابياً، ينزع لتضخيم الإنجازات وتجاهل الاخفاقات، وهي للأسف كثيرة، وبدلاً من أن تشكل ذكرى انطلاقة الفصيل، أي فصيل، فرصة لتقييم وتقويم التجربة، تنزع عملية الاحتفاء إلى الشكل التقليدي من حشد وبرامج وجمهرة، تنشغل بها الفصائل أكثر من أي شيء آخر، قبل أسابيع وربما أشهر، قبل الموعد المحدد للاحتفاء، توضع البرامج، والميزانيات، وربما الحصول على تراخيص من قبل الجهات المتنفذة والمسيطرة، إذ لم يطرأ أي تغيير ـ
غم كل التطورات الجذرية التي عصفت بالنضال الوطني الفلسطيني ـ وظل الاحتفاء، كما كان الأمر عليه قبل عدة عقود.
بصراحة، لا أعتقد أنه من المجدي إقامة مثل هذه الاحتفالات بالطريقة التي تتم بها، وليس المقصود هنا الجبهة الديمقراطية، بل معظم الفصائل الفلسطينية، التي لا تجد غضاضة في أن تغلق الشوارع وربما الساحات، لتأكيد جماهيريتها في مواجهة جماهيرية الفصائل الأخرى، وباعتقادي أن الأمر يجب أن يتساوق مع مجريات الأوضاع الراهنة، وكان يمكن للفصيل المحتفى، بعد عقد مؤتمراته الداخلية من أجل التقييم والتقويم بشكل موضوعي وليس مجرد احتفاء بالمناسبة، بعد ذلك، مجرد عقد مؤتمر صحافي، يقدم الفصل للرأي العام، إنجازاته واخفاقاته للشعب الذي يمثل الفصيل جزءاً منه، للجمهور الحق كل الحق بالوقوف على مدى تحمل هذا الفصيل أو ذاك لمسؤولياته الوطنية الكفاحية، للجمهور الحق في أن يسأل قيادات هذا الفصيل أو ذاك عما قام به خلال عام كامل، كشف حساب مطلوب من كل فصيل فلسطيني يقدمه الى الشعب الذي ينطق باسمه!!
في هذا السياق، لا بد من بعض إشارات تخص الجبهة الديمقراطية، كونها مع باقي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، لا تزال تؤدي دورها المنشود في الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية، ولأن الضغوط والمؤامرات لا تتوقف على هذا الصعيد، فإن هذا الدور يكتسب أهمية استراتيجية.
يحسب للجبهة الديمقراطية، أنها لا تزال منكبة على إصدار الثقافة اليسارية من خلال كتب ومجلات، وبحيث تجعل من هذه الثقافة، ثقافة شعبية بحدود معينة، الأدبيات اليسارية باتت محدودة النشر والتوزيع، لذلك، فإن قيام الجبهة الديمقراطية بسد ثغرة رئيسية في هذا السياق، يعتبر إنجازاً يحسب لها، وقد استفدت شخصياً من هذه الأدبيات.
كما للجبهة الديمقراطية، إعلامها اليساري الواضح والمحدد، وهو إعلام نشط ومؤثر نسبياً، وفي هذا السياق، أشد على سواعد كوادرها الذين باتوا أكثر إلحاحاً لإيصال موقف الجبهة الديمقراطية من الأحداث، وهو إلحاح مزعج أحياناً، لكنه ضرورة لا بد منها في ظل ازدحام وسائل الإعلام، وهو عمل تنظيمي احترافي، فكل التحية لهؤلاء، رغم إزعاجهم المحبب!!