
- تصنيف المقال : شؤون عربية ودولية
- تاريخ المقال : 2020-08-15
يُعدّ مرفأ بيروت ركيزة أساسية للاقتصاد اللبناني ويلعب دورا أساسيا في عملية الاستيراد والتصدير وتحريك العجلة الاقتصادية
استبق رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب إقالة حكومته، باستقالة أعلنها (11/8)، بعد ستة أيام من الانفجار الضخم في ميناء بيروت. وقالت مصادر لبنانية إن دياب تمسك بحكومته حتى اللحظة الأخيرة، لكن وصول عدد الوزراء المستقيلين والملوحين بالاستقالة إلى سبعة، كان من شأنه أن يجعل الحكومة مستقيلة قانونياً لفقدانها ثلث وزرائها، ما جعل دياب في موقف حرج أمام وزرائه، ودفعه إلى التسريع في إعلان الاستقالة.
أما بالنسبة إلى كثير من اللبنانيين، فانفجار بيروت كان أشبه بـ«القشة التي قصمت ظهر البعير»، في ظلّ أزمة مزمنة ناجمة عن الانهيار الاقتصادي والفساد والهدر وسوء الإدارة، وهو ما دفعهم للنزول إلى الشوارع منذ أشهر مطالبين بتغيير النظام القائم على المحاصصة الطائفية والسياسية، وبرحيل كل الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والإهمال وحتى الاستهتار بحياتهم، وجاء انفجار المرفأ ليزيد من إصرارهم على المواجهة وتحقيق مطالبهم.
ولكنّ كثيراً من المحللين غير متفائلين بقدرة الشارع وحده على التغيير، في مواجهة نُخب سياسية اعتادت المناورة والكذب لتحقيق غاياتها. وخصوصاً أن غالبيتها يتكون من أمراء حرب لا تعنيهم آلاف الضحايا بشيء، ولا تُحرك فيهم أيّ شعور بالذنب. ويرى المحللون أن «لبنان يقف على مفترق طرق مؤلم وصعب في آن»، ويتساءلون بقلق عمّا ينتظره بعد الانفجار، وهل سيشهد أي تغيير حقيقي؟.
موجات الصدمة والارتدادات!
وكان انفجار 2750 طنا من مادة نترات الأمونيوم بمخزن في مرفأ بيروت، في الرابع من آب/ أغسطس، قد أسفر عن مقتل نحو 160 شخصاً، وفقدان عشرات آخرين، وإصابة أكثر من ستة آلاف بجروح، فضلاً عن التدمير الذي ألحقه بالمدينة. وشبّهت وسائل إعلام الانفجار بالقنبلة الذرّيّة التي ألقتها الولايات المتّحدة على هيروشيما اليابانيّة. فيما شبّهه آخرون بالتسرّب النوويّ الذي حصل في تشيرنوبل سنة 1986، الذي ساهم في انهيار الاتّحاد السوفياتيّ.
وقد دمر الانفجار منطقة رصيف الميناء، وخلف حفرة بلغ عمقها 43 متراً وعرضها 140 مترا. وقد سويت بالأرض المستودعات، وتعرضت مخازن القمح المجاورة لها إلى أضرار كبيرة. وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية مشهد دمار كبير في منطقة الميناء والأحياء المحاذية لها، وبدت إحدى السفن وقد قذفت خارج مياه البحر، وسقطت على الرصيف من شدة الانفجار.
ووصلت الأضرار حتى مطار بيروت الدولي الواقع على بعد نحو تسعة كيلومترات من موقع الانفجار، وسُمع دويّه في جزيرة قبرص الواقعة على بعد 200 كيلومتر في البحر المتوسط. كما لحقت أضرار جسيمة بعدد كبير من المستشفيات والمدارس والفنادق والمطاعم. وتسبّب في تشريد نحو 300 ألف شخص من سكان العاصمة ممن تصدّعت منازلهم أو تضررت بشدة.
وأجمعت وسائل الإعلام على أن الانفجار ضاعف من مأسوية الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي كانت مزرية أصلاً، حيث أدى الى تدمير أكثر من ربع مليون وحدة سكنية، فضلاً عن نسفه احتياطي لبنان من القمح والدواء والمواد الغذائية الأخرى التي كانت مخزنة في المرفأ.
انهيار اقتصادي
وأمام هول الفاجعة والخسائر المترتبة عليها، قد يكون الانفجار دقّ المسمار الأخير في نعش الاقتصاد اللبناني، الذي يعاني في الأصل من أزمة خانقة، وسقوط قياسي في قيمة الليرة وارتفاع كبير في الأسعار، أدى إلى إغراق نصف الشعب اللبناني في الفقر.
ويُعدّ مرفأ بيروت ركيزة أساسية للاقتصاد اللبناني، ويلعب دورا أساسيا في عملية الاستيراد والتصدير وتحريك العجلة الاقتصادية في لبنان. وتعادل قيمة الخسائر الأولية البالغة 5 مليارات دولار، نحو 9.36 % من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبنان خلال 2019. وقد تصل الخسائر، حسب بعض التقديرات، إلى 15 مليار دولار، في الوقت الذي كانت فيه الدولة اللبنانية تخلفت بالفعل ومنذ أشهر عن سداد ديونها التي تتجاوز قيمتها 150 % من الناتج المحلي.
وأشار خبراء إلى المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد حالياً، وأهمها نفاد مدخرات اللبنانيين وانهيار العملة، وارتفاع معدل البطالة إلى نحو 25 %، فيما يعيش حوالي ثلث السكان تحت خط الفقر. وهو ما يمكن أن يدفع لبنان ليصبح «دولة فاشلة»، إذا لم تسارع العواصم الكبرى والهيئات الدولية المانحة إلى نجدته.
وقال الخبراء إن الانفجار قد يفضي إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 20 إلى 25 % هذا العام، ليتجاوز بكثير توقعات صندوق النقد الدولي السابقة. وكانت الأزمة المالية التي يشهدها لبنان أجبرته على الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد في أيار/ مايو الماضي، بعد أن تخلف عن سداد ديونه بالعملة الصعبة، لكن هذه المحادثات تعثرت في ظلّ غياب إصلاحات يطالب بها الصندوق، وعدم تقديم الوفد اللبناني المفاوض رؤية موحدة حول تقديرات الخسائر المالية التي سيبنى على أساسها برنامج الدعم.
مؤتمر المانحين والاحتمالات الشائكة؟
وقد شكل الانفجار مناسبة جديدة للمجتمع الدولي ليجدد شروطه على لبنان بوجوب تنفيذ إصلاحات أساسية، مقابل الحصول على دعم يخرجه من دوامة الانهيار الاقتصادي. وتعهد المشاركون في مؤتمر دولي نظمته فرنسا بعد الانفجار (9/8)، بمساعدات عاجلة بقيمة حوالي 300 مليون دولار. غير أنهم طالبوا بالشفافية في توزيع المساعدات، خشية كتابة شيكات على بياض لحكومة يرى شعبها ذاته أنها غارقة في الفساد.
وسبق أن تعهد المجتمع الدولي بقروض ومساعدات بأكثر من 11 مليار دولار للبنان خلال «مؤتمر سيدر» الذي رعته باريس في نيسان/ إبريل 2018، لكنه لم يُترجم على أرض الواقع بسبب «عدم إجراء إصلاحات بنيوية تطالب بها الجهات الدولية». وهو الموقف نفسه الذي عاد وكرره صندوق النقد الدولي أخيراً. كما طالب بيان مؤتمر المانحين الأخير، بتحقيق موثوق ومستقل في انفجار المرفأ. ويرى مراقبون غربيون أن كارثة الانفجار، على فداحتها، قد تكون فرصة لإحداث التغيير الذي يطالب به المجتمع اللبناني منذ فترة، ويصطدم بعقبات كثيرة تحول دون حصوله.
وبعد وقوع الانفجار، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى بيروت، إلى تأسيس «ميثاق جديد وبناء نظام سياسي جديد». ولوّح إلى أنه في حال رفض ذلك، فإن «المجتمع الدولي سيواصل تمسكه بالعزلة المفروضة على لبنان وحكومته، ومعها يتواصل الانهيار الاقتصادي». ولكن تغيير طبيعة النظام السياسي في لبنان ليس بالأمر اليسير، بالنظر إلى تعقيدات التركيبة الاجتماعية الطائفية والمذهبية التي يقوم عليها، وتجاذبات القوى الخارجية، الإقليمية والدولية، الداعمة للقوى السياسية الفاعلة فيه.
فضيحة «بيروت هاربر»
تحت العنوان أعلاه كتبت صحيفة «نداء الوطن» اللبنانية، أنّ الوقائع الموثقة بالتقارير الرسمية تؤكد أنّ رئيس الحكومة اطلع شخصياً على تقرير رفعته إليه مديرية أمن الدولة (20/7/2020)، تحذر فيه من خطر الاستمرار في تخزين «نيترات الأمونيوم» في مرفأ بيروت، لكنه لم يحرك ساكناً. كما رفع تقرير مماثل إلى رئاسة الجمهورية نهاية العام 2019، فتم إهماله أيضاً. وكذلك الأمر في مطلع حزيران الفائت جرى إبلاغ كل من نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر، ووزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار بنسخة من التقرير، الذي يشدد على كون كمية الـ2700 طن من الأمونيوم مخزنة بطريقة غير آمنة وتهدد السلامة العامة في المرفأ.
حواتمة يعزي الرؤساء الثلاثة ويعلن تضامن شعب فلسطين مع لبنان الشقيق
■ بعث نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين(5/8) برسائل إلى الرؤساء الثلاثة في لبنان، العماد ميشال عون، رئيس الجمهورية، ونبيه بري رئيس مجلس النواب، والدكتور حسان دياب رئيس الحكومة، أكد فيها تضامن شعب فلسطين والجبهة الديمقراطية مع لبنان وشعبه الشقيق في الكارثة التي ألمت به، مقدماً العزاء لعوائل الضحايا، والتمني بالشفاء للجرحى، وللبنان كل مشاعر الثقة بقدرته على النهوض سريعاً من تحت الأنقاض، واستئناف مسيرة البناء والازدهار.
كما ثمن حواتمة عالياً وقوف شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات إلى جانب شعب لبنان الشقيق، ومشاركة شعبنا الفلسطيني في لبنان أشقاءه اللبنانيين، الأحزان، وإعلان الحداد، ووضع كل إمكانياته من أجهزة ومؤسسات صحية واستشفائية وجمعيات ومؤسسات أهلية في مكافحة آثار الكارثة وبلسمة جراح المتضررين وتقديم العزاء لعوائل الضحايا والتضامن مع الذين دمرت منازلهم وشردتهم الكارثة وقضت على ممتلكاتهم. ■


