
- تصنيف المقال : شؤون عربية ودولية
- تاريخ المقال : 2020-08-15
أثارت زيارة الكاظمي إلى واشنطن جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية العراقية، في وقت تحتدم فيه الخلافات بشأن طبيعة العلاقة التي ينبغي أن يقيمها العراق مع الولايات المتحدة
سيقوم رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، بزيارة رسمية إلى واشنطن خلال الأيام القليلة القادمة، وسيلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الـ20 من شهر آب/ أغسطس الجاري، ليبحث معه ملفّ العلاقات الثنائية، وقضايا التعاون المشترك في مجالات الأمن والطاقة والصحّة والاقتصاد والاستثمار.
وحسب مصادر عراقية، ترغب بغداد في إنجاح الزيارة لأسباب عدة، أهمّها:
- إنضاج التفاهم الأمني العراقي - الأميركي، وخصوصاً أن الزيارة ستتخلّلها الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، الذي جرت الجولة الأولى منه عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، وعلى مستوى الخبراء في 11 حزيران/ يونيو الماضي، على أن يُستأنف خلال هذه الزيارة. وتتطلّع بغداد إلى أن يفضي هذا الحوار إلى توقيع مذكّرة نهائية، بُعيد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.
- الحفاظ على التوازن في علاقات العراق الإقليمية والدولية، وإبعاده عن ساحة الصراعات وتصفية الحسابات بين القوى المتخاصمة، وخصوصاً بين واشنطن وطهران. وتأمل بغداد أن تتحول علاقتها مع هذه القوى إلى وسيط فيما بينها. وكانت شرعت في القيام بذلك بين إيران والولايات المتحدة، وأثمر عن انطلاق جولة جديدة من اللقاءات الإيرانية - الأميركية في العاصمة العُمانية مسقط مطلع الشهر الجاري.
ـ وتعتقد بغداد أن الفرصة سانحة لها الآن للعب دور أكبر في الإقليم، وخصوصاً أن رئيس الحكومة الحالي يمتلك خطوط تواصل مع مختلف العواصم المتصارعة. وكان الكاظمي زار إيران خلال شهر تموز/ يوليو الماضي، ضمن جولة كان مقرراً أن تشمل المملكة السعودية أولاً، لولا توعك الملك سلمان، واتفاق الطرفين على تأجيل الزيارة.
جدل عراقي داخلي
وقد أثارت زيارة الكاظمي هذه جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية العراقية حتى قبل أن تحصل، لا سيما من الأطراف المؤيدة بقوة للانسحاب الأميركي من العراق، خاصة أن البيانين العراقي والأميركي لم يتضمنا إشارة مباشرة إلى بحث موضوع الانسحاب، في وقت تحتدم فيه الخلافات بشأن طبيعة العلاقة التي ينبغي أن يقيمها العراق مع الولايات المتحدة، تبعاً لزاوية النظر التي يُنظَر من خلالها إلى الدور الذي ينبغي على العراق أن يلعبه في المنطقة؛ كمركز لالتقاء وتقاطع المصالح، أم ساحة للصراع وتصفية الحسابات بين الأطراف المتخاصمة.
وتعمل بعض الفصائل المسلحة على تهديد المصالح الأميركية في العراق، عبر شنّ هجمات شبه مستمرة على السفارة الأميركية، والمراكز العسكرية التي تتواجد فيها قوات أميركية، في محاولة منها للضغط على الكاظمي والإدارة الأميركية معاً، ودفعهما إلى التركيز على بحث موضوع الانسحاب الأميركي أولاً. وتشكك هذه الفصائل في الغرض من زيارة الكاظمي وأهدافها، لجهة ما تسميه «تقديم وعود بحلّ أو تحجيم قوات الحشد الشعبي، فضلاً عن وعود أخرى بتخفيف العلاقات العراقية – الإيرانية».
وفي المقابل، يرى آخرون أن زيارة الكاظمي لواشنطن تعدّ من الزيارات المهمة في الجانب الدولي لـ«تحقيق نوع من التوازن في الأداء، ودعم المصلحة العراقية وتعزيزها». ويعرب كثيرٌ من المراقبين عن اعتقادهم أن معظم القوى السياسية العراقية، تريد علاقة جيدة ونديّة مع الولايات المتحدة الأميركية، تساعد في دفع أوضاع العراق نحو آفاق جديدة مختلفة عن السابق، (يُقال أن بعضها قد يفصح عن ذلك في الكواليس والأروقة السياسية فقط)، ما خلا أولئك المعارضين فعلياً لأي حوار مع أميركا، من بعض الحركات المسلحة والقوى الأشد موالاة لطهران، والتي ترفض تطوير العلاقات العراقية – الأميركية، وتريد ربطها ورهنها بالمآل الذي سيؤول إليه الصراع الأميركي - الإيراني في المنطقة.
والحال، فمنذ وصول الكاظمي للسلطة، فإنّ العديد من القوى المجتمعية والسياسية العراقية تأمل بحدوث تغيير في السياسات العراقية؛ الداخلية والخارجية، سواءً لجهة نوعية الحكم والسلطة، أو التوجّه والعمل نحو استعادة الدولة والوطن وسيادتهما المُختطفة، إضافة إلى مواجهة الفساد والهدر ووضع أجهزة الحكومة ومؤسساتها على السكة الصحيحة.
وفي ضوء ذلك، يرى مراقبون أنّ حكومة الكاظمي جادة في التفكير والعمل على تجاوز الأزمات التي تشهدها البلاد، على مستوى الاقتصاد، ووباء كورونا، وبناء بنية تحتية جديدة في مجال الخدمات الأساسية، والتهديدات المرتبطة بالأمن الداخلي.. الخ. وذلك استجابة إلى مطالب الشارع العراقي المنتفض من جهة، واحتياجات الواقع والمواطن العراقي في الأساس، من جهة ثانية.
وتندرج علاقات العراق المستقبلية مع واشنطن ضمن تلك الآمال والرهانات التي ينتظرها كثير من العراقيين. ومن هذا المنطلق تكتسي زيارة الكاظمي أهميتها للجانبين، العراقي والأميركي في آن معاً. فما سيتم النقاش فيه والاتفاق عليه، سيُحدد إلى حد كبير مسار العلاقات الثنائية بين الطرفين، وكذلك طبيعة العلاقات التي ستربط العراق مع جيرانه والقوى الإقليمية المختلفة؟!.


