فؤاد محجوب
أعلنت السعودية فجر 26/3، انطلاق عمليات «عاصفة الحزم» ضد معاقل «الحوثيين» في اليمن، في وقت أصدرت فيه دول مجلس التعاون الخليجي، ماعدا عُمان، بياناً وصفت فيه الأوضاع في اليمن بأنها «أضحت تشكل تهديداً كبيراً لأمن المنطقة واستقرارها، وتهديداً للسلم والأمن الدوليين». وتضمن البيان نشر نصّ رسالة تلقاها قادة دول المجلس من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي تناشدهم «تقديم المساندة الفورية بالوسائل والتدابير اللازمة كافة».
وعلى ذلك، قررت الدول المذكورة «استجابة طلب الرئيس اليمني لحماية اليمن وشعبه من عدوان المليشيات الحوثية التي كانت ولا تزال أداة في يد قوى خارجية»، كما جاء في البيان الخليجي. وبذلك تكون السعودية قد قررت، كما قال المراقبون، «عدم السماح بمشاريع التوسع والتمدّد (الإيراني) إلى مشارف الممر المائي الأهم على الإطلاق في المنطقة، وهو مضيق باب المندب، الذي لا يمكن الولوج إلى قناة السويس والبحر الأحمر وممرات ملاحية أخرى إلا عبره». ومن المعروف أن الاستيلاء على هذا المضيق، يمثل تهديداً مباشراً للملاحة البحرية وإمدادات الطاقة إلى أوروبا وآسيا والولايات المتحدة. ثم أعلن بعد ذلك عن انضمام كلٍ من مصر وباكستان والمغرب والأردن والسودان، إلى دول «الائتلاف» المشاركة في العملية.
وفي المقابل، توعدت جماعة الحوثيين بالرد على هذه الضربات التي اعتبرتها «عدواناً على اليمن»، وطالب حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، «المؤتمر الشعبي»، بوقفها ووقف الحرب في عدن والعودة إلى الحوار في ضوء المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية مؤكداً أنه ليس طرفاً في الصراع الدائر على السلطة والقوى السياسية. وجدّد الطرفان رفضهما الاعتراف بشرعية هادي، معتبرين أن «شرعيته انتهت» بتقديم استقالته، وهو ما «يُفقده الشرعية الدستورية في إصدار قرارات سيادية».
مدافعون عن «العملية»
وسجّل المدافعون عن هذه العملية أنها المرة الأولى التي تأخذ فيها الدول الخليجية زمام المبادرة في عملية عسكرية من هذا النوع، تحظى بقبول جماهيري، داخل اليمن وخارجه، وبتغطية عربية رسمية واسعة، حيث تشارك في التحالف 9 دول عربية، فضلاً عن تغطية القمة العربية في شرم الشخ، ما خلا استثناءات قليلة.
يضاف إلى ذلك، مشاركة قوة نووية إسلامية؛ هي باكستان، حيث تبدو مشاركتها وكأنها رسالة لإيران، (الداعمة للحوثيين)، والساعية، حسب اتهامات عواصم غربية، لـ«الحصول على قنبلة نووية».
ولاحظ المراقبون أن أنقرة سرعان ما تجاوزت خلافاتها السابقة مع الرياض، فضلاً عن القاهرة، وقفزت فوق علاقتها الطيبة مع طهران، الى مرحلة الاتهام المباشر لها بـ«محاولة الهيمنة على الشرق الاوسط»، كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، معتبراً أن هذا الأمر «لا يمكن التسامح معه. وعلى إيران أن تفهم هذا»، داعياً إياها إلى «سحب عناصرها من اليمن وسورية والعراق واحترام وحدة الدول العربية».
كما حصل التحالف، الذي تقوده السعودية، على دعم لوجستي أميركي، بعد أن أعرب البيت الابيض عن قلقه من «أنشطة إيرانية» في اليمن، فضلاً عن «معلومات تفيد بنقل ايران أسلحة تساهم في زعزعة وتهديد الحكومة الشرعية» في اليمن، كما جاء على لسان الناطق باسمه.
وبذلك جاءت «عاصفة الحزم» بمثابة رسالة إلى إيران، حسب قول هؤلاء المدافعين، في وقت تزامنت فيه، أيضاً، مع توقعات باتفاق وشيك بين طهران والقوى الغربية، لتقول في المحصلة أن دول الخليج «تسعى لتحقيق أمنها دون النظر لهذا الاتفاق وتداعياته المحتملة». مذكرين كذلك بتصريحات غير مسؤول إيراني «تفاخر» بسيطرة إيران على أربع عواصم عربية، وبأن «ثورة الحوثيين في اليمن هي امتداد للثورة الخمينية في إيران عام 1979».
مناهضون لـ«العاصفة»
وفي وقت يتخوف فيه اليمنيون من استمرار العمليات العسكرية لفترة أطول، وحدوث انهيار أمني واقتصادي شاملين، مع ظهور بوادر نقص في المواد الغذائية وارتفاع لأسعار السلع، نقل عن شهود عيان أنه على رغم الضربات الجوية التي يقوم بها «التحالف»، فإن قوات الحوثيين وصالح طوقت عدن من أكثر من جهة، وأن حرب شوارع بمختلف أنواع الأسلحة تدور للسيطرة على المدينة. كما أكد الشهود أن قوات صالح والحوثيين سيطرت على مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين، مسقط رأس الرئيس هادي، وواصلت تقدمها إلى عدن.
ورأت مصادر مقربة من طهران أن «السعودية لن يكون بمقدورها إحداث تغيير في الواقع الميداني، هذا في حال اقتصرت عملياتها هي وحلفائها على الضربات الجويّة. أمّا إذا انتقلت الأمور إلى التدخّل البريّ، فإنّها «ستكون مرشّحة حينئذٍ لمزيد من التّفاقم»، وقد تصبح السعوديّة – كما أضافت المصادر- جزءاً ملتهباً من المعركة، أو أن تغرق السعودية في الرمال اليمنية، «حيث يمتلك الجيش اليمني و«أنصار الله» من الأسلحة والقدرة والكفاءة ما يمكّنهم من تبديل وجهة المعركة»، وتحويلها إلى مواجهة متكافئة بين دولتين.
واستبعدت المصادر نفسها أن تتدخل إيران عسكرياً وبشكل مباشر في المسألة اليمنية، وذلك «لانتفاء الحاجة»، ولقدرة اليمنيين «على مواجهة العدوان وحدهم وإفشال أهدافه»، من دون أن يعفي ذلك طهران من تقديم الدعم اللوجستي والسياسي، فضلاً عن الخبراء والمستشارين، لحلفائها اليمنيين، على حد قولها.
وعلى رغم استبعاد المصادر «أن تتحول الأزمة اليمنية الى حرب إقليمية شاملة»، إلا أنها اعتبرت أن هذا الاحتمال يبقى قائماً، «خصوصاً إذا تدهورت الأمور بشكل غير منظور وخارج التوقّعات». وخلصت المصادر إلى القول إنه «من الممكن أن تشكل أزمة اليمن مقدّمة لوضع أزمات المنطقة كلها في سلة واحدة، والعمل على حلّها سلمياً وفق تسوية شاملة».
دور الرئيس السابق
في غضون ذلك، لفت انتباه المراقبين محاولات الرئيس السابق علي عبدالله صالح العودة إلى الواجهة، وذلك عبر مناشدته زعماء الدول العربية (28/3)، وقف «العدوان والعودة إلى طاولة المفاوضات»، وتعهدّه بعدم ترشحه، هو أو أياً من أقاربه، للرئاسة. وجاء ردّ هادي على هذه الدعوات سريعاً، إذ أصدر قراراً بإقالة نجله أحمد صالح، الذي كان يشغل منصب سفير اليمن لدى الإمارات.
وفي هذا السياق، رأى مراقبون أن ما فعله ويفعله الرئيس السابق «يرقى إلى مستوى الجريمة»، إذ أنه «غامر بأمن اليمن ومستقبله، وعرّض استقراره للخطر والتدخلات الأجنبية، لمجرد طموحات شخصية»، وعلى ذلك، ينبغي إخراجه هو وابنه من المشهد السياسي نهائياً.
وعزا المراقبون التقدم العسكري الذي حققه الحوثيون من صنعاء وصولاً الى عدن، إلى الدعم الذي قدمته لهم «كتائب الجيش اليمني التي تأتمر بقرارات صالح»، الذي لم يستسغ إبعاده عن الحكم، أو منع نجله أحمد من الوصول الى سدة القيادة اليمنية. مذكرين بعلاقته السيئة مع الرياض، التي منعته من الحضور الى المملكة لتقديم التعازي بالملك عبدالله كمؤشر الى حجم الازمة بين الطرفين.
بيد أن هذا الرئيس، المشهور بفساده، وبقدرته على «الرقص على رؤوس الثعابين»، على حد قوله، قد يكون أقدم على مجازفة كبرى، وارتكب خطيئة قاتلة، حين سهّل للحوثيين الاستيلاء على صنعاء وأسلحة الجيش، وحين زايد عليهم في الرغبة في طرد الرئيس من عدن، مستسلماً لمشاعر الثأر والضغينة التي «تعطل البراعة» كما يبدو.
الدور المصري
ورأى محللون، أنه مع اطلاق السعودية للعمليات العسكرية ضد «الحوثيين»، بدا بديهياً أن تشارك مصر في هذه العمليات. فإلى جانب العلاقة القوية التي تربطها بدول الخليج، وبخاصة السعودية، ثمة مصلحة مباشرة لها، في السيطرة على الأوضاع في اليمن، خصوصاً بعد أن اقترب الصراع من مضيق باب المندب، مهدداً بذلك الملاحة في البحر الأحمر، وتشكيل خطورة على حركة مرور السفن في قناة السويس. وكانت مصر أكدت مراراً أن تهديد الملاحة في البحر الأحمر أمر لا يمكن السماح به.
وكان مؤتمر شرم الشيخ (الاقتصادي) شهد دعماً غير مسبوق من دول الخليـج لمصر، تمثل في منح ومساعدات بأكثر من 12 مليار دولار. يضاف إلى ذلك أن المشاركة العسكرية المصرية في اليمن تصب في محصلتها، بخانة الدعوة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل أكثر من شهر، لتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة لمواجهة الإرهاب وحماية أمن منطقة الشرق الاوسط، وهو المشروع الذي وافق عليه القادة العرب في قمة شرم الشيخ.
ولكن، هل يقتفي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مشاركته هذه، أثر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في دخوله إلى اليمن؟. هنا يرى البعض أنّ مياهاً كثيرة جرت منذ ذلك الوقت في أنهار الشرق الأوسط، على نحو يجعل خطوة السيسي مختلفة شكلاً ومضموناً عما كانت عليه عملية عبد الناصر، وإن يكن من غير المعروف، أو من غير الممكن، تقدير مدى اختلاف نتائجهما بعد؟!.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف