- الكاتب/ة : المستشار فؤاد بكر - عضو نقابة المحامين بالمحكمة الجنائية الدولية
- تصنيف المقال : القضية الفلسطينية في القانون الدولي
- تاريخ المقال : 2021-04-08
التعويض لتكريس العودة وليس بديلا عنها... رؤية قانونية
كثرت الأحاديث حول إمكانية تحقيق القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، فمنهم من اعتبر استحالة تطبيق هذا القرار، ومنهم من اعتبر أن التعويض بديلا عن العودة، ولكن ما يغفل عنه الكثير، أن نص البند 11 في القرار 194 باللغة الانكليزية يختلف تماما عن الترجمة إلى اللغة العربية.
حول حق العودة
تشير المادة 13 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان أن لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل كل دولة، ويحق لكل فرد أن يغادر أي بلاد بما في ذلك بلده كما يحق العودة إليه، وتؤكد المادة 12 من الشرعة الدولية للحقوق السياسية والمدنية، أن لكل فرد حرية مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده ولا يجوز حرمان أحد تعسفا من حق الدخول إلى بلده، وهنا لابد من التوضيح ان كلمة بلده لاتعني جنسية الدولة، انما محل إقامته الدائمة.
أما المادة 5 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، فتنص على انه لا يجوز انكار حق أي فرد في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده وفي العودة الى بلده، حيث تنطبق هذه المواد على اللاجئ الفلسطيني بعد تعريف الأونروا للاجئ الفلسطيني بأنه الشخص الذي كانت فلسطين مكان إقامته لمدة لا تقل عن سنتين قبل النكبة عام 1948.
وقد أشار قرار التقسيم 181 الى عدم التمييز بين السكان في الدولتين العربية واليهودية، وأنه لن يسمح بأي استملاك لأرض يملكها عربي في الدولة اليهودية والعكس، إلا للمنفعة العامة.
فيما صدر القرار 194 في 11/12/1948 بالتزامن مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10/12/1948، الذي أقر العودة كمجموعة بشرية وليس كمجموعة أفراد، وقد صدر بناء على تقرير المندوب الخاص للجمعية العامة للأمم المتحدة "الكونت برنادوت" الذي أكد على حق الشعب الفلسطيني بالعودة والتعويض عن الأضرار التي لحقت به في الصفحة 140-147 بالتقرير. وقد صدر القرار 194 للاجئين بغض النظر عن الجنسية والاعتبارات الانسانية المتمثلة بالشتات.
بحسب العادة تكون قرارات الجمعية العامة بشكل توصيات إلا ان هناك قرارات ملزمة ومنها القرار 194، لأن هناك اجتهادات في القانون الدولي تؤكد أن القرارات التي تتخذها الجمعية العامة بأكثرية بارزة والتي تعود تأكيدها في مناسبات متكررة تعكس رأيا عاما غير متردد، وبالتالي تعتبر إلزامية.
وقد قبلت الجمعية العامة للأمم المتحدة إسرائيل كعضو بشرط القبول بالقرار 181 والقرار 194، ولم تصدر الجمعية العامة قبولا الا بعد التأكد من قبول إسرائيل لهذين القرارين، وبالتالي فإن إسرائيل ملزمة بتطبيق القرار 194.
وبعد حرب 1967، ووفقا للقرار 237 الصادر من مجلس الأمن والملزم للدول الأعضاء وفقا للمادتين 25 و103 من ميثاق الأمم، تم التأكيد على عودة اللاجئين وفقا للقرار 194، وعودة النازحين، كما صدرت قرارات لاحقة من مجلس الأمن مثل 248، 259... تذكر بوجوب الالتزام بالقرار 237.
وأكدت الجمعية العامة على حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، وهذا من القواعد الامرة في القانون الدولي، وإذا تعارض او تناقض بين هذا الحق وأي التزام تعاقدي بين الطرفين، فإن الالتزام التعاقدي يلغى فورا بناء على المادة 53 من قانون المعاهدات الدولية.
فالحق بالعودة هو حق جماعي وفردي وليس لأي فرد التنازل عن حق الجماعة، ولا ينحصر بحق إقتصادي بديل عن الممتلكات بل حق قانوني يعتبره القانون الدولي أنه من حقوق الانسان غير القابلة للتصرف، وهو حق سياسي بعملية تقرير المصير، ولا يسقط بالتقادم.
حول التعويض:
تضمنت الفقرة 11 من القرار 194، على وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، والسماح يكون من إسرائيل وبريطانيا كونها الدولة المنتدبة.
فالعودة ليست لمجموعة أفراد من اللاجئين بل لمجموعة بشرية كاملة تمثل كل اللاجئين، ففي العبارة الواردة بالنص باللغة الانجليزية، العودة إلى بيوتهم وليس إلى ديارهم كما ترجمت للغة العربية، وهي أدق من الترجمة العربية كونها تشير لعودتهم الى البيوت التي اضطروا الخروج منها، ومغادرتها قسرا.
وبصرف النظر اذا كانت هذه البيوت في أراضي 1948 ام في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وبغض النظر إذا كانوا يحملون جنسية اسرائيلية أم لا، وهذه العودة مشروطة أن يعيشوا بسلام مع جيرانهم.
ويؤكد القرار 194 على وجوب التعويضات للاجئين الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وقد لحظ القرار 194 إمكانية تعويض اللاجئين ولكن أناطها باللاجئين أنفسهم، وهذا يعني ان حق العودة هو الاساس، كونه الحق الاساسي بالاستناد الى المادة 13 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمادة 12 من شرعة الحقوق المدنية والسياسية والى القرار 194 الذي يمتع بصفة إلزامية باعتباره مدخلا لتقرير المصير.
أما التعويض فهو حق للاجئ بتقريره وذلك بشأن شخصي لا يرتقي الى درجة الالزام الدولي الذاتي، وهنا لابد تطبيق قرار العودة حتى يستطيع اللاجئ الاختيار بين العودة والتعويض، وبالتالي فإن العودة إلزامية وحكمية وتختلف عن التعويض.
ويمكن أن يفهم من التعويض في القرار 194 ان تكون ذات صفة جماعية وفردية وليس لأي فرد أن يقرر باسم الجماعة، كأن يكون التعويض على معاناة اللاجئ خارج وطنه، أما إن كان فرديا ومتروكا للأفراد، فهذا يبعثر حق العودة لمن يريد ولمن لا يريد، وهنا لابد للرجوع الى فلسطينيي الشتات ومعرفة الأكثر ميلا، إذا أقرت ميلها للتعويض، أقر لها بذلك من دون إنكار حق العودة، كونه من حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف، كون تقرير المصير قاعدة آمرة في القانون الدولي.
إن كل قرار دولي يقضي بالحق في التعويض بدلا من الحق بالعودة يخالف أحكام القانون الدولي نظرا لتفاوت المرتبة القانونية من جهة، وأنكار الحق السياسي غير القابل للتصرف من جهة ثانية، واختيار التعويض دون سؤال أصحاب العلاقة من جهة ثالثة.
أما القول بضيق المساحة وتغير المعالم، فغير مبرر في القانون الدولي لأنه يشكل تفاصيل ثانوية لا تستند إلى مشروعية وتتعارض مع حق ثابت أساسي ومعترف به دوليا لا يجوز إنكاره أو تحييده.
تشير الفقرة 3 من البند 11، ان التعويضات يجب ان تدفع عن كل مفقود او مصاب بضرر وفقا لمبادئ القانون الدولي والانصاف ان يعوض من ذلك الفقدان او الضرر من قبل الحكومات او السلطات المسؤولة، ويلاحظ أيضا ان الترجمة لهذه الجملة خاطئة، حيث يشير النص باللغة الانجليزية الى ان التعويض يجب ان يدفع للخسارة او الضرر اللاحق بالممتلكات بينما الترجمة للعربية ذكرت ان التعويض يدفع لكل مفقود أو مصاب بضرر، وهذا يغير المعنى، فالمعنى باللغة الانجليزية يقتضي دفعه في حالتين:
- الممتلكات للذين يقررون عدم العودة.
- الممتلكات التي فقدها أصحابها.
وإذا كانت التعويضات بنظر البعض بديلا عن العودة، فالتعويض باللغة الانجليزية يأتي مع حق العودة والمهم ان يتم الاعتراف بحق العودة حتى تصبح هذه الممتلكات مفقودة أو متضررة.
وإذا تم أنكار حق العودة للاجئين، فكيف يمكن لهم أن يثبتوا ملكيتهم وحجم خسارتهم لتعويضهم؟ وماذا لو أن البعض لم يعد يحتفظ بسندات ملكيته لأنه اضطر للخروج من منزله بشكل غير عادي وقسرا؟
فالتعويض أتى استكمالا لحق العودة وليس بديلا عنها، وتسقط مقولة التعويض مقابل العودة، لذلك يجب اعتماد النص الانجليزي والتخلي عن الترجمة العربية، مع التأكيد مجددا ان حق العودة غني عن المطالبة به لأنه من حقوق الانسان غير القابلة للتصرف وأن حق التعويض يندرج مع حق العودة.
وعلى الرغم من اعتراف إسرائيل بالقرار 194 كشرط أساسي لقبول عضويتها في الامم المتحدة، وعدم إلتزامها بتطبيقه، ليس معناه أنه ليس هناك حق عودة، وإذا لم تتحق العودة إلى الان، ليس معناها انها سقطت بمرور الزمن، بل بفعل ضعف موازين القوى الفلسطينية والعربية، وامتناع المجتمع الدولي عن إلزام إسرائيل بتطبيق هذا القرار.