- تصنيف المقال : شؤون عربية ودولية
- تاريخ المقال : 2015-04-21
أوباما: عزل كوبا اقتصادياً وسياسياً لم يكن مجدياً، ولا يمكن مواصلة نفس السياسة القديمة تجاهها على هامش قمة الأميركيتين التي عقدت في بنما (11/4)، وفي خطوة تاريخية غير مسبوقة، عقد الرئيسان الأميركي والكوبي باراك أوباما وراؤول كاسترو اجتماعاً ثنائياً، هو الأول على هذا المستوى بين كوبا وأميركا، ويُرجَّح أن يُدشّن صفحة جديدة في العلاقات بينهما، بعد عقود من الحصار والعداء، طاوياً بذلك آخر صفحة في الحرب الباردة بربوع أميركا اللاتينية.
ويكرّس هذا اللقاء، برمزيته الكبيرة، عملية «كسر الجليد» بين البلدين، التي بدأت في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وقد أطلق الرئيسان بعده تصريحات تنمّ عن «انفتاح متبادل»، حيث عبّر أوباما عن شكره لنظيره الكوبي لـ«روح الانفتاح» التي أبداها، داعياً إياه إلى طيّ صفحة الماضي و«تطوير علاقة جديدة»، (...) حتى في ظل وجود «خلافات عميقة وكبيرة بيننا»، فيما نبّه كاســترو إلى أنه ينبغي التحلي بالصبر، «الصبر الشديد».
يذكر أن العلاقات بين البلدين بدأت تتدهور عقب الثورة التي قادها فيدل كاسترو وتشي غيفارا في كوبا عام 1959، وأطاحت بنظام باتيستا، الذي كان مدعوماً من واشنطن. وانقطعت العلاقات بشكل كامل بينهما عام 1961، بعد اتخاذ الولايات المتحدة قراراً بفرض عقوبات تجارية على كوبا.
الحدث التاريخي
ووصف أوباما لقاءه كاسترو بأنه «تاريخي»، مشيراً إلى أنهما أجريا حديثاً «صريحاً ومثمراً ومباشراً جداً»، على الرغم من تأكيده أن الخلافات بينهما «لا تزال مستمرة خصوصاً في مجال حقوق الإنسان». وقال أوباما: «نجحنا في (...) دفع العلاقة بين بلدينا قدماً، وفي اتجاه مختلف وأفضل»، مشيراً إلى أنّ ما يقوم به «يحظى بدعم أغلبية الأميركيين وبتأييد ساحق من الكوبيين».
وكان الرئيس الأميركي قال في خطابه أمام القمة إن التقارب بين واشنطن وهافانا يشكّل «منعطفاً» للأميركيتين، معتبراً أن مجرّد وجوده والرئيس كاسترو معاً «يشكّل حدثاً تاريخياً». وفي المقابل، تحدّث كاسترو، الذي خلف شقيقه الأكبر فيدل في السلطة عام 2006، عن تدخلات الإدارات الأميركية السابقة في الشؤون الكوبية والأميركية اللاتينية، لكنه وصف أوباما بأنه «رجل صادق»، وأعرب عن عزمه على تحقيق تقدّم في إطار «حوار محترم» يتطلع إلى «تعايش متحضّر»، على رغم «الاختلافات الكبيرة بين بلدينا». رافضاً لوم أوباما على السياسات الأميركية أثناء الحرب الباردة، ومعرباً، في الوقت نفسه، عن انفتاحه لمناقشة قضايا كثيرة بما فيها حقوق الإنسان.
ودعا كاسترو نظيره الأميركي إلى تسريع تدابير شطب كوبا من لائحة الدول الداعمة للإرهاب، وهو ملف تعتبره هافانا العقبة الرئيسية أمام استئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين العاصمتين. ويبدو أن أوباما اقترب من تحقيق ذلك، بعدما أوصت الخارجية الأميركية بهذا الأمر، لكنه اعتبر أن «الخلافات بين واشنطن وهافانا ستظلّ قائمة حول قضايا عدة، وهو حالنا أحياناً مع دول أخرى في الأميركتين، وحتى مع أقرب حلفائنا»، كما قال.
الحظر الاقتصادي
وبمعزل عن العلاقات الدبلوماسية، ما زال هناك عقبات كبيرة تقف في طريق تطبيع العلاقات بين البلدين، يقع في مقدّمها الحظر الاقتصادي والمالي الكامل الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا منذ العام 1962، إلى جانب بعض الملفات الشائكة الأخرى، مثل القاعدة العسكرية في غوانتانامو شرق كوبا التي تتمركز فيها القوات الأميركية منذ 1903، ومسألة التعويضات المتبادلة التي يطالب بها البلدان.
بيد أن المحللين يتوقعون الآن أن تبادر واشنطن إلى تسريع خطوات رفع الحظر الاقتصادي عن كوبا ـ والذي كانت بادرت قبل أشهر لتخفيفه ـ بعد الإشارات الإيجابية التي انطوت عليها القمة الثنائية، والتي يفترض أن «تساعد في التعجيل بإنهاء الحظر الذي أنهك الاقتصاد الكوبي على مدى عقود، وجعله رهين ما يتلقاه من مساعدات من الدول الحليفة لكوبا»، حسب قولهم.
وكان أوباما قد أقرّ بأن عزل كوبا اقتصادياً وسياسياً لم يكن مجدياً، مؤكداً أنه لا يمكن مواصلة نفس السياسة القديمة تجاهها، و«توقع نتائج مختلفة»؟!.
وفي المقابل، رأى البعض أن واشنطن ربما تسعى لاستثمار هذا الأمر، وتوظيفه لفكّ الارتباط الاقتصادي بين موسكو وهافانا، في إطار لعبة المصالح والحاجات السياسية التي يفرضها تنامي الصراع بين واشنطن وموسكو في غير مكان من العالم.
ويرى الخبراء أن رفع الحصار الأميركي المفروض منذ أكثر من نصف قرن على كوبا، أو تخفيفه على الأقل، سينعكس حتماً على الاقتصاد الكوبي، وسيؤدي إلى ارتفاع كبير لحجم التبادل التجاري بين البلدين، وتدفق مزيد من السيـــاح الأميركيين على المناطق الكوبية. وكان لافتاً، في هذا الصدد، إعلان وزير التجارة الكوبي رودريغو مالمييركا أن بلاده تحتاج الى 2,5 بليون دولار من الاستثمارات الأجنبية سنوياً لتحفيز نموها، ودعم اقتصادها.
«القمة» وفنزويلا
وغير بعيد عن ذلك، جمع لقاءٌ آخر غير رسمي بين أوباما والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو خلال القمة ذاتها، علماً أن أوباما كان أصدر مرسوماً الشهر الماضي اعتبر فيه أن «فنزويلا تمثل تهديداً للأمن القومي الأميركي»، وهو ادعاء انتقدته العديد من حكومات أميركا اللاتينية.
وقد منع النزاع حول العقوبات الأميركية على فنزويلا صدور بيان ختامي للقمة، لكن أجواء تهدئة سادت بين واشنطن وكراكاس بعد اجتماع أوباما ومادورو، إذ أقرّت واشنطن بأن فنزويلا «لا تشكل تهديداً». أما مادورو فأبدى استعداده للحوار، قائلاً: «ثمة فرصة لتحسين العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة. تصريحات الرئيس أوباما قد تفتح نافذة لبدء حقبة جديدة من العلاقات التاريخية بين فنزويلا وبين الولايات المتحدة».
في الحوار الأخير الذي أجراه الصحافي الأميركي المعروف توماس فريدمان مع الرئيس أوباما لصحيفة «نيويورك تايمز»، يشير فريدمان إلى ما يسميّه «عقيدة أوباما»، التي باتت تتجّسد في التخلي عن السياسات الأميركية القديمة، التي كانت تفرض عزلة على بعض الدول (مثل بورما وكوبا وإيران)، وتحويلها إلى «سياسة الانخراط»، التي يمكنها أن «تخدم المصالح الأميركية أفضل بكثير مقارنة مع عقوبات وعزلة لا نهاية لهما».
وكما يقول أوباما، «إن أميركا، ونظراً لقوتها الماحقة، ينبغي أن تشعر بالثقة في النفس لركوب بعض المخاطر المدروسة من أجل فتح إمكانات جديدة» في العلاقات مع تلك الدول. ويضرب مثالاً على ذلك، كوبا، معتبراً أن اختبار ما إن كانت سياسة الانخراط ستفضي إلى نتيجة أفضل، لا ينطوي على أخطار كثيرة بالنسبة إلينا. «ذلك أنها بلد صغير جداً، وهي لا تهدد مصالحنا الأمنية الجوهرية، وبالتالي، (فليس هناك سبب) لعدم اختبار هذا الأمر. والشيء نفسه ينطبق على إيران»، على حد قوله، قبل أن يضيف قائلاً: «إذا تبين أن ذلك لا يفضي إلى نتائج أفضل، فيمكننا أن نقوم بتعديل سياساتنا» حينئذٍ.