استخدمت تل أبيب قضية الأسرى ورقة ابتزاز في وجه الحالة الفلسطينية، والكارثة أن المفاوض الفلسطيني سهل لها هذه المهمة
مع تغَّول سياسة إسرائيل التوسعية وتصعيد عدوانها، تفاقمت معاناة الفلسطينيين في معازلهم.. تلك «الكبيرة» الموزعة في أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.. وتلك القلاع محكمة الإغلاق على عذابات آلاف الرجال والنساء والأطفال خلف أسوار المعتقلات وفي زنازينها.
وفيما تبادل المعزولون في أرضهم والمخطوفون منها حملات التضامن والإسناد، يتضح من جردة حساب بسيطة أن الذي يعيش تحت سطوة الجلاد أعزلا إلا من إرادته وصموده كان له الباع الأطول في مد يد العون لعموم الحالة الفلسطينية وجهد في مساعدتها لتتجاوز أخطائها وخطاياها وأبرزها الانقسام الذي تفاقم و«صارت لد يدان ورجلان» كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني.
المؤسف أنه في الوقت الذي فشل فيه الجلاد الإسرائيلي في منع الجهود التوحيدية للأسرى، تمكنت الخندقة الجهوية والمصالح الفئوية في الحالة الفلسطينية من إفشال هذه الجهود.
لا شك في أن قضية الأسرى والمعتقلين تحتل موقعاً أساسياً في اهتمام المجتمع الفلسطيني، وتتصل بها مباشرة كل أسرة تقع في مدى إجراءات الاحتلال العدوانية. وتمتد حملات التضامن مع الأسرى مع امتداد وجود الشعب الفلسطيني في تجمعاته المتعددة داخل فلسطين وخارجها. وتحظى هذه القضية بأهمية بالغة في البرنامج الوطني الفلسطيني التحرري، وتنشط لنصرة الأسرى قوى سياسية ومنظمات حقوقية واجتماعية كما واكب الشعب الفلسطيني نضالات الحركة الأسيرة في محطاتها المختلفة والتي أبرزت السمات المتقدمة التي تتمتع بها مكونات هذه الحركة في تصديها لإجراءات سلطات السجون التعسفية وصمود مناضليها تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي وحملات القمع الجماعي وإجراءات العزل الفردي ومنع الأسرى من أبسط حقوقهم الإنسانية والاجتماعية.
لقد سعت سلطات الاحتلال في سياق محاولاتها تفتيت وحدة الحركة الفلسطينية الأسيرة إلى نقل تجليات الانقسام الفلسطيني إلى داخل السجون والمعتقلات ولجأت إلى تصنيف المعتقلين وفق انتماءاتهم الجهوية وحاولت إثارة النعرات فيما بينهم. لكن ماتوصل إليه ممثلو القوى الفلسطينية الرئيسية (فتح والجبهتان الديمقراطية والشعبية وحماس والجهاد)، من اتفاق حول وثيقة تؤسس لإنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة قطع الطريق على هذه المحاولات.
لقد استخدم العدو الإسرائيلي قضية الأسرى ورقة ابتزاز في وجه الحالة الفلسطينية السياسية والشعبية. والكارثة أن المفاوض الفلسطيني سهل له هذه المهمة عندما وافق على العودة إلى طاولة المفاوضات وفق ما سمى بـ«تفاهمات كيري» والتي وضعت قضية الأسرى في مهب مقايضة مشروطة بتنفيذ الاعتبارات والمصالح التوسعية والأمنية الإسرائيلية.
ونتذكر كيف حاولت تل أبيب تكريس معادلة «الاستيطان مقابل الأسرى» في سياق تنفيذ مراحل إطلاق سراح قدامى الأسرى وربط إطلاق كل دفعة منهم بموافقة المفاوض الفلسطيني على أحد شروطها في التسوية؛ مراهنة على توليد ضغط شعبي على المفاوض الفلسطيني كي «يمرر» هذه الشروط ربطا بحساسية قضية الأسرى وتلهف ذويهم لإطلاق سراحهم.
وفيما أطلقت ثلاث دفعات من الأسرى القدامى، امتنعت تل أبيب عن إطلاق الدفعة الرابعة واشترطت لتنفيذ ذلك عودة الجانب الفلسطيني عن مسعاه بالتوجه إلى الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
لقد جاء الاعتراف الأممي بدولة فلسطين في خريف العام 2012، ليضع قضية الأسرى ـ إلى جانب قضايا أساسية أخرى ـ أمام مرحلة جديدة فتحت الطريق لوضع هذه القضية وغيرها برسم المجتمع الدولي، على اعتبار أن هذا الاعتراف وضع فلسطين مباشرة على عتبة الانتساب إلى العديد من الاتفاقيات والمؤسسات والمعاهدات الدولية من بينها اتفاقيات جنيف الأربع التي تكفل التعامل مع الأسرى الفلسطينيين كأسرى حرب تم اختطافهم من قبل الدولة القائمة بالاحتلال. ويمكن ذلك من مساءلة سلطات الاحتلال حول إجراءاتها بحقهم ربطا بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
لذلك، جاء التأكيد على أن تدويل قضية الأسرى مسألة ملحة كي تضع المجتمع الدولي ومؤسساته القانونية والحقوقية أمام مسؤولياتهم تجاه قضية الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
في يوم الأسير الفلسطيني، وفي كل يوم، ينبغي أن تنظر الحالة الفلسطينية وبخاصة طرفي الانقسام في فتح وحماس بمسؤولية أكبر تجاه حالة التردي التي تنحدر إليها الأوضاع الفلسطينية والبدء بإعادة الاعتبار إلى المسعى الذي بذله الأسرى الفلسطينيون إلى جانب القوى والفصائل والشخصيات الفلسطينية الحريصة على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وهو ما يفرض عليهما تجاوز سياسات الخندقة الجهوية والمحاصصة الفئوية وتغليب المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وتنفيذ قرا رات الحوارات الوطنية الشاملة التي وضعت آليات عملية ممكنة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، بما يعزز مصادر قوة الحالة الفلسطينية ويمكنها من العودة إلى مواقع المبادرة ويزيد من قدرتها على مواجهة الاحتلال ومقارعته في مؤسسات الأمم المتحدة ووضع الاحتلال قيد المساءلة الدولية في ملفات الاستيطان والأسرى والعدوان المتكرر على الشعب الفلسطيني وممتلكاته.
كما تمكن استعادة الوحدة من تعزيز القدرة عل إطلاق المقاومة الشعبية الفلسطينية في وجه الاحتلال، وإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني التحرري وضمان الشراكة السياسية في إدارة مصالح الشعب الفلسطيني في سياق النضال من أجل تجسيد حقوقه في العودة والاستقلال.
بذلك تكون الحالة الفلسطينية قدمت بعض «رد الجميل» لما قدمته وتقدمه الحركة الأسيرة الفلسطينية على جبهتي مواجهة سلطات السجون، وجبهة تحمل هموم الوضع الفلسطيني العام وأزماته المتفاقمة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف