- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2015-05-06
■إن سمو «فكرة الاصلاح»، تبقى قائمة على الرغم من غياب البرامج التي توحّد الكتلة التاريخية، وتتركها لغليان «أيديولوجي» بمرجعياته المذهبية الدينية القروسطية والاقطاعية المنافسة بالعودة.. القهقرية بالتاريخ... أو المبالغة في «القُطرية»، بالابتعاد نهائياً عما يهمُّ الكتلة التاريخية.. بسببٍ من غياب مؤسسات راسخة للمجتمع المدني العربي ...
■إن الأفكار الحداثية ذاتها، هي كما معظم الأشياء تخضع لقانون الكون المتمثل بالحركة .. فلا شيء يخضع للسكون.. وتخضع للمراجعة باستمرار... وتحت ظلال الحركة ذاتها، مثلما الفرق بين التفكير من داخل «البنية ذاتها .. والتفكير من خارجها» بين مَنْ يفكر من داخل بنيته.. وبين من يستشرق..!
■ إن أية مراجعة نقدية للبنية العروبية ينبغي أن تكون في سياق التحولات التاريخية... التي شهدها الوطن العربي، وفي سياق لحظة انبثاق هذا الفكر.. وتطوراته اللاحقة، تترافق معه قراءة سليمة للبناء الفوقي الذي يحكمه.. والظروف التي شكلته، وحالة البناء التحتي.. وما يحيط به عموماً، وتأثير الصراع الدولي فيه.. وموازين القوى الدولية.. في سياقات الخلخلة الدولية والانتقال من نظام عالمي إلى آخر... وسياقات حركة التحرر الوطني العالمية، والكفاح المحتدم والتخلص من الاستعمار والاستعمار الجديد.. خاصةً من ربيبته في المنطقة.. العدو الصهيوني والاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية..
قارن بين حركات التحرر الوطني التي اشتعلت في القارات الثلاث على امتداد القرن العشرين، في آسيا، وإفريقيا، وأميركا اللاتينية ومآلاتها، التي ما زالت تفعل فعلها كتجارب ناجحة، ففي أميركا الجنوبية بنيت مؤسسات المجتمع المدني بنبضات تاريخية كبيرة.. أما أزمة الاصلاح العربي.. فمردها الى الأزمة بين الأنظمة العربية والشرق أوسطية وبين حركة الشعوب نحو الحرية والكرامة، التنمية المستدامة، المواطنة والعدالة الاجتماعية، الدولة المدنية الديمقراطية.. بديلاً عن الاستبداد المزمن، والاقتصاد الريعي التابع...
■ مشهد تدمير ليبيا وتمزيقها إرباً.. بواسطة «حلف الناتو».. وتدمير العراق بـِ «حلف بغداد» جديد.. ومشاريع تفتيته.. وما يجري في اليمن، وما يجري في سوريا.. كحالة انتقامية قد لاحت فرصتها.. منذ بالحرب الباردة.. فرصة تاريخية بدت «مثالية».. كما كانت المقدمات القاسية بما سميت بـ«نكسة حزيران /يونيو 1967»، وفقاً للتغيرات البنيوية السالبة التي أحدثها وجود النفط ومساراته وحركة نقله.. باعتباره معطىً موضوعي، وتأثيره في مسيرة العمل العربي، بل وأسباب حروب المنطقة المتعددة بأسرها، وبما يتطلب قراءة نقدية جديدة لمفهوم الأمة... ولعموم العناصر التي صنعتها.. ونقلها من رومانسية الفكرة.. إلى إنزالها على أرض الواقع.. بالنقد والتحليل والتأصيل..، والعودة لقانون «الاستجابة والتحدي..» لرفع رايات الإصلاح والنهضة.. والتخلص من ربقة «الاستعصاء والانسداد.. والزمن الدائري»، العربية المزمنة؛ والحركة للخلف لا نحو الأمام.. نحو جديد التاريخ الانساني، للعرب شعوباً ومجتمعات ودولاً، يودعون قرناً وراء قرن في قديم التاريخ، تحت سيف أنظمة الإستبداد والفساد، وفتاوي العصور الوسطى، والبيات الشتوي الذي طال واستطال..» وفقاً لاستخلاصات حواتمة التاريخية..
■ حواتمة بعد كتّابيه « اليسار العربي _ رؤيا النهوض الكبير _ نقد وتوقعات» الطبعة الأولى 2009، ثلاثة عشر طبعة، و«الأزمات العربية في عين العاصفة» الطبعة الأولى 2012- سبع طبعات.. ومن واقع الإدراك بتميزه بالوعي بالتاريخ، كتعريف متميّز لمفهوم الثقافة باعتبارها الوعيّ بالتاريخ أولاً، يأتي كتابه «رحلة في الذاكرة».. مع أهل الذاكرة التاريخية، ليكشف عن رؤية مفاهيمية في الممارسة، في الحاضر والقادم.. هي مجدداً «الوفاء النقدي للتاريخ..» ذاته..، نتساءل مجدداً: أين يقف المشروع النهضوي العربي الآن..؟!
أ) المشروع النهضوي العربي الأول؛ طبيعة القوى التي نهضت به؛ أرادت الخلاص من المفهوم الريعي والإقطاعي العثماني للإقتصاد الزراعي، بالالتحاق بالرأسمال العالمي، أي الاقتصاد الامبريالي، وكان لها صيغة التابع أو الوسيط، وقد أسهم ذلك في انهيار النُويات الصناعية المحلية، نتيجة عدم القدرة على المنافسة، وعدم وجود فرص العمل والإنتاج، وغياب طبقة أرباب العمل، مع بقاء المفهوم الاقطاعي لإدارة عموم مناحي الحياة، وعليه اضطلعت الطبقة الوسطى بقيادة المشروع النهضوي، وكان لها اسقاطاتها على المشروع، ففرضت تقاليدها واعتباراتها وأنماط سلوكها على المشروع ذاته..
تمثلت تشكيلاتها من أكاديميين، ومن عالم التجارة وكبار الملاك، ومثقفين وأطباء ومشايخ، جاء موقعها في السلّم الإجتماعي ليجعلها عرضةً للمراوحة، فهي منسجمة المصالح، تقليدية الثقافة، ترفض الاستعمار، وتُساومه سراً «مكماهون »– المندوب السامي بالقاهرة – لمساعدتها على نيل الاستقلال.. (!)
ب) بعد الحرب العالمية الثانية شهدت المرحلة أحزابا قومية ضمت شباباً صغار السن، من مختلف مكونات النسيج الاجتماعي العربي، بدأت تربط بين المطالب الوطنية بالاستقلال والنهوض العربي، ومبدأ العدل الاجتماعي، مكنّها استقطاب طبقات واصطفافات شعوب، لكنها بقيت أسيرة واقعها الرومانسي، بيد أن نضالها ضد الاستعمار دفعها إلى رفض منظومة قيمه المعلنة، وبات تبني الديمقراطية مؤامرة، بسبب الإحتدام مع الغرب صانع الكيان الصهيوني في خاصرة النظام العربي، وحتى مطلع الستينيات من القرن الماضي، مع الأخذ بمفهوم من العدالة الإجتماعية، حيث جرى ضرب الإقطاع وتوزيع الأراضي، وبروز الشعارات «الأرض لِمنْ يفلحها..» والإصلاح الزراعي، وذلك بشكلٍ بارز في مصر وسوريا والعراق والجزائر، وبقيت شعارات الوحدة والحرية معلقةً في الهواء، بعد تجربة الوحدة والإنفصال.. كما عن واقع التطبيق..
جـ) شهدت هذه المرحلة.. مرحلة انتقال لمراكز القوى العالمية.. قُطبان عالميان بأنياب نووية.. والمواجهة بين الشرق والغرب – صانع الكيان الصهيوني– «صراع ايديولوجي بالغ الإحتدام» وسباق تسلّح وصل إلى الفضاء الخارجي.. ليعود التساؤل: هل كان ثمة مشروع نهضوي عربي واضح الأهداف والبرامج؟! وهل يوجد جواب قطعي ممثلاً في برنامج نهضوي عربي واضح الأهداف...؟!
د) تحت ظلال «الرعب النووي» والقوة العسكرية... مع مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي.. حقق السوفييت إخترافات هامة بنيوية هامة، تمثلت في إفشال العدوان الثلاثي على مصر الناصرية، تأميم قناة السويس، مصانع الصلب في حلوان، السد العالي في مصر «هبة النيل»؛ وضرب الإقطاع والإصلاح الزراعي، وذلك وفقاً للسياقات النظرية في تلك المرحلة، وبرزت «دول عدم الانحياز»، والوحدة بين سوريا ومصر، وتغيرات هامة وطنية في العراق واليمن، وإنفجار الثورة المسلحة في الجزائر وطن المليون ونصف شهيد، وثورة اليمن الجنوبي، وحصلت تونس على إستقلالها وطردت الاستعمار الفرنسي من قاعدة بنزرت، ودعمت مصر بجيشها ثورة اليمن الشمالي ضد الإمامية وآل حميد الدين... وإمامات الشعوذة.. والتخلف...
مع حلول هزيمة حزيران/ يونيو التي سُميت بالنكسة، بدأ العد التنازلي للمفهوم القديم للنهضة.. ومع صعود لهبب الثورة الفلسطينية باحتلال كامل فلسطين التاريخية... كما في طبيعة الصراع مع الصهيونية.. وبداية تقهقر المشروع النهضوي العربي؛ توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، وإتفاقيات اوسلو مع القيادة المتنفذة في منظمة التحرير، ووادي عربة مع الأردن، وفتُحت ممثليات مع الكيان الصهيوني سراً وعلانية.. بعد إندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الكبرى رداً على التحولات، بداية مرحلة الاعتماد على الذات الوطنية الفلسطينية، وغياب ملموس للعيان في موضوعة الدور العربي الجامع لاستعادة فلسطين، ومقاومة فلسطينية لهذا الحال، فضلاً عن مقاومة لبنانية باسلة.. في مواجهة التوسعية الصهيونية وعمليات هيمنتها على المنطقة..
هـ) حواتمة في كتابيه: «اليسار العربي– رؤيا النهوض الكبير– نقد وتوقعات»، و«الأزمات العربية في عين العاصفة»، الذي جاء بعد الأزمة المالية العالمية في النظام الإقتصادي العالمي، وما جّرته معها من خسائر بالمال والودائع العربية المستثَمرة في الغرب الأمريكي وبأرقام فلكية، وفي تحليل موثق وبالأرقام للواقع العربي المرير، والإنصياع لوصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي بدأت مع مطلع حقبة السبعينيات من القرن الماضي.. هي نكبات في حياة الشعوب العربية بدلاً من استكمال المرحلة الثانية من الإستقلال..
نُلخص:ــــ وكثيراً ما ساعدت تقلبات الأيام والأزمان، إلى هيمنة الطغاة، وإلى احترابات الأخويات الدينية واستثارتها واستعادتها، بأبعادها المذهبية، وعلى رسم صورة جديدة مشوهّة للمواطنة والمواطن، بل إلى تقديس الرموز الطبقية الريعية، الرؤوس المتحكمة بالقضاء والقدر، وفي أقدار مجتمعاتها، فتوهب من ولاها، وتذبح من تعتقد – ضميرياً- بعدم ولاءه.. ما يدفع الناس الى الاعتزال والبلاهة –كما جرى مع الحجاج والإعرابي في الصحراء -، بل تتحكم أيضا بما في الرؤوس في غربة وهجرة معنوية باطنية إما إلى صفوف المظلومين، وتحضير الذات لتقبل أقسى الظروف.. أّو التقيّة وتعظيم روح الانفصام والإغتراب في الوطن، أو النهايات الفاجعة.. المعروفة في جزّ المعارضات.. أو الإغتراب جسدا وروحا خارج أوطانها..
كثيرون دفعوا أرواحهم مبكرين، اختاروا السبيل الشاق الصعب.. وكثيرون ارتقوا بأحزابهم للتجاور مع الحاكمية.. وفي الإطار الحاكم.. دون أن يكشفوا جذور إنتمائهم المرضوض أصلاً.. تحت سنابك الطغاة.. بالإنحناء المخزي لتأثير جاذبية السلطوية الطاغية، في خضّم الصراعات الإيدولوجية العنيفة، ثم انقلابها واندحارها والأحرى انتحارها.. بالمعنى الثقافي الوطني.. في ظروف إنقطاع وانفصام مؤلمة.. إما فقد القدرة على النقد والتحليل.. أو سلك اتجاها شكلياً.. ولكن مترنحاً، وعندما تنحل الرابطة «الأخوية »، يتسع الخواء.. والفراغ الفكري والإجتماعي، بعد انتفاعه من مؤسستها الرسمية الراعية والعاطية.. وفي قفص المؤسسة الحاكمة، علاقات قهرية دورية تنغمر فيها أسماء أولى مع المؤسسة السلطوية الراعية لمثقفين وبمزاج تدميري، ودون شعور بالذنب، وحين تحين فرصة البترودولار في الإستقطاب الخفي بين «الربح والخسارة »، يغلق تاريخه في «الطلائع الأدبية والمثقفة»، وتَطمر الأنقاض ملفات الأرشيف السري، وتضيع الحقائق الملموسة.. وتتلوى كالأفاعي.. وتتلون كالحرباء.. بحسب لون التربة، وتذهب مع اضبارات الموتى.. ويعاد إنتاج سنوات عجاف.. دون استشفاء.. وهكذا دواليك زمن دائري جديد.. يصطبغ بالموت والتدمير والدماء...
و) البترودولار يأتي عن طريق مذهب الإخوان، منظروه السياسيون.. يحشدون له الحماية الحزبية، و«الإخوان»، هيجان انفصامي على الحضارات وعلى الذات العربية والعصر ومفاهيمه، في كسب وتسليع صنمي لثقافات جديدة باسم «مذهب»، ويختلط الحابل بالنابل، وبيع مالا يباع بالرخيص.. حينها يعاد مساومة التاريخ القديم للروح المسالمة مع مرضها وسقمها وبؤسها.. ولكن مع المتروبول المالي العالمي.. فلا مسؤولية ولا ضمير..
نتساءل اليوم عن العراق البلد الأثرى والأغنى في العالم كله.. لحظة إجتياح «داعش» للموصل وسهل نينوى.. هل يُعقل إفلاس خزينته. كما أعلن رئيس وزرائه..؟ هل مّر عام والعراق ليس فيه جوع !!
كيف لا نأسف لمجزرة معسكر سبيكر 1700 شاب ..؟ونعود لنطلب المواساة من حفاري القبور الجماعية الجديدة ومن مشعلي الحرائق.. أم نبقى في صدمة وذهول... وكيّ للوعي.. وهل أحد.. لم يكن يعلم بما يدور..! وهل «داعش» منتج شيطاني قادم من الفضاء.. أم هم بين ظهرانينا في كل مكان... بماذا تختلف عن «بلاك ووتر»؟!.. أنها تتكلم بالعربية وتدعي الإسلام.. أليس هذا هو مجتمع الاستخبارات الخارجية الأميركية وبالبترودولار العربي..!؟
منذ أيام في (20/4/ 2015) كشفت المكسيك عن وجود معسكر لـِ«داعش» بالقرب من حدودها مع الولايات المتحدة..
ز) أزمنة ضائعة لأجيال مبدعة عراقية، مغطاة بتراب متراكم، وقطع الرؤوس.. والقطائع التاريخية المميتة، الروح العراقية المتمردة في حطام كأسٍ من اللهب، تحتسيها أجيال وعلى سبيل المثال.. سيفتقد العراق والعرب قصائد بدر شاكر السياب المغيبة «خطاب إلى يزيد..» و«المجاعة» ومطولته «بين الروح والجسد»، كما ستفتقد جيكور إلى تمثاله، ولمطولات الجواهري، وكذلك خمريات حافظ جميل، ورشدي العامل، وعبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة وعشرات الكبار الكبار، لصالح هوية جديدة تسبي النساء.. وتلحق رائحة النفط كوحش يلحق رائحة الدم.. حيث حلت وسارت، وتدمر الثور الآشوري المجنح، مذهب نفطي كوزموبوليتي.. وهويات عابرة للحدود تتغذى من الهجين اللغوي.. باسم الدين.. والراية السوداء، وأقوام تتنفس هواء المدن المزدحمة.. ولغات تنبثق.. نخبها الدموي يتناوله الناهبون، في زمن ضائع بوعيه المصدوم.. فنأخذ معنا إلى الصلاة.. وجوه المصابين بسوء التغذية.. ونكثر من الدعاء.. في بلاد لا تعرف من المسير سوى القهقري..
رهانات نقدية.. وخلاصات..
يعيش عالمنا المعاصر ثورة هائلة في نقل المعلومات، ذلك بفضل التقانة الحديثة لنقل المعلومات والحصول عليها بسرعة فائقة، ولم يعد بالإمكان وضع القيود والحواجز على حركة الفكر والثقافة، بل إن حركة إمريكا الجنوبية على وسائل الإتصال الإجتماعي إبان عدوان «إسرائيل» على قطاع غزة والمعنون بـ«الجرف الصامد» كانت منظمة ودقيقة وواعية ومؤثرة.. أكثر من أي مكان آخر.. ولم تقيدها اللغة.. بالاستعانة بالصورة واللقطة .. وصور الأطفال.. والبوستر، منتجات أثيرية ومعلومات سيالة وعابرة لحدود الدول والمجتمعات.. وهذا كله إما أن يستثمر في أوانه.. أو مراكماته تجعل الواقع أكثر تعقيداً وتشابكاً والتباساً.. فكيف تتلاقى الأفكار إيجاباَ.. وتتلاقح!
هنا نعود أيضا إلى حواتمة الباحث دهراً عن الحداثة العربية.. وقد جاءت التحولات الحداثية لتشكل تحولاً هاماً من بنية ثقافية إلى أخرى، فالحداثة بوصفها خطاباً فلسفياً محطماً للأصنام التي تسربت إلى التاريخ، وإزالة الصبغة السحرية عن العالم، عبر منعطف ثقافي يقف بين عصرين؛ ما قبل الحداثة... والعصر الذي يؤدي إلى الحداثة.. الذي وصفه ماكس فيبر: أحد مفكري الحداثة «الشرخ الكبير بين عالمين؛ عالم الأسطورة، وعالم إزاحة الأسطورة»..
ويرى حواتمة في المثقف النقدي البنيوي، بأن هذا الطراز من المثقفين يولدون في مرحلة التحول والتغيير.. والعبور من العقل التراثي إلى العقل الحداثي، أمثال فولتير وبيدرو.. وكتاب ومفكرين وعلماء وفلاسفة..
إن فعل الحداثة قد خلقته المدينة بما تمثل من نزوع للإنسجام مع الآخر، وتبادل المواقع لإنتاج خطاب يقف بالضد من الأحادية المنغلقة على نفسها، وهي حقبة تاريخية لها محدداتها الزمنية القّيمية، تتحدد من كونها مساراً ثلاثياً متشابكاً، أساسه الرؤية التقنية للعالم، التي تشكلت منذ القرن السادس عشر، وسمحت بتبلور المفهوم العلمي للعالم والنظرة التجريبية الطبيعية، وخلفية العلوم الدقيقة التي إرتبطت بها الثورة الصناعية ـــ التكنولوجية التي غيرت شكل العالم خلال القرون اللاحقة...
كما في الثورات السياسية والدستورية التي أنهت الإستبداد السياسي ــــ الديني، في تحالف الكنيسة والدولة في العصور الوسطى، واستبداله بمرجعية الإدارة الذاتية الحرة... والتعاقد المدني المحدد لشرعية السلطة ونظام الحكم، والفلسفة العقلانية الذاتية، التي أرسلت القطيعة مع التقاليد الفلسفية الوسيطة، وأناطت مسار التأمل والمعرفة بالذات المفكرة..
إن مسار الحداثة اصطدام بالمؤسسة الدينية معرفياً وايديولوجياً، على الرغم أنه ليس هناك ما تحويه يطالب بالخروج على الدين، فهي ذاتها قد إرتبطت بالإصلاح الديني بالغرب، حين يؤكد ماكس فيبر بأن الأخلاق والعقيدة البروتستانتية المسيحية هي التي خلقت المجتمع الرأسمالي المتطور؛ الذي يرتكز على العقلانية ويتقاطع مع السلطة الكاريزومية والسلطة التقليدية؛ التي تعتمد على الإنفعالات والعادات والتقاليد والولاءات الشخصية والعشائرية والأسرية والقبلية، لأن السلطة العقلانية هي رمز للتقدم والتحضير والكفاءة والعلم والعدالة والمساواة.
إن حداثة المجتمع المدني يقابلها المفهوم التجريدي للدولة، ويرى ماركس أن الدولة المجردة المتعالية على الطبقات الاجتماعية، تعد من السّمات المميزة للحداثة السياسية، فهي تحيل على الفكر والقّيم، وفي معانيها السلبية تحيل على الواقع المعاش، إنفصام المجتمع بين فكر مُستنير عقلاني وديمقراطي وواقع استلابي اقصائي، مأساوي..
في كتابه «رحلة في الذاكرة..»، يبحث حواتمه في عمق وحلول الأزمات العربية المزمنة.. ثم يبحث في «زلازل الانتفاضات والثورات..»، ويرى أنها «تكشف المستور، أزمات إثنية (قومية عرقية)،دينية طائفية مذهبية دموية ومدمرة، فكر وتعليم ديني ينتمي إلى فتاوي عصور القرون الوسطى، عصور الحروب الطائفية والإثنية .. وكل هذا يجتاح العالمين العربي والمسلم دون حلول حتى يومنا»،... نتساءل هنا؛ هل يستطيع العربي العيش في ظل نظام ديمقراطي.. وأن يجعل من رواسب تاريخه نسياً منسياً؟! كيف تتطور مفاهيم المواطنة والعدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص، ورغم ذلك هل تظل الأحقاد كامنة، تنتقل من كواليس الميراث الثقافي والنفسي والاجتماعي السلبي، مع الجينات الوراثية العربية وحمضها النووي، ويأخذها جيل عن جيل.. أم نعمل على اندثارها بالمشاريع والبرامج الديمقراطية.. وتشقُّ سبيلها.. لماذا لفظة «الديمقراطية» ليست أكثر من بهار على مائدة السلطات السائدة الجديدة.. وبعدها تقام السلخانات في الهواء الطلق..(!).. وعودة لرواسب التاريخ..(!) حداثة تسلب القداسة عن الأشخاص في دعوتها للمساواة، وتنظر إلى جميع أبناء البشر بعين واحدة من الناحية المعرفية والمساواة، وبها إنهارت الأحكام الميتافزيقية والقوانين الشمولية القديمة لما وراء الطبيعة، التي لديّها إجابات جاهزة على كل سؤال قبل الموت والميلاد و... ما بعدهما..
إن النظرة التاريخية للأديان وأحكامها وتعاليمها، ينبغي أن ينظر لها في مقطعها التاريخي الخاص بمكانها وزمانها وأوضاعها الثقافية والحضارية الخاصة..
يحتاج التغيير والإصلاح والصلاح الى ثقافة بديلة، وإلى برامج ملموسة، إلى حداثة التسامح والإختلاف..إلى التعدد وحداثة المشاركة السياسية؛ فالفعل التعاقدي هو فعل مؤسس للدولة الحديثة.. وفعل مؤسس للمجتمع المدني.. وهذه مفاهيم أنوارية سابقة للحداثة.. ومقدمةً لها.. نضجت مجتمعات الحداثة بها.. أو التغيير القهقري القروسطي..!!
في الغرب.. لقد استبقت الثورات الثقافية وأفكارها الأنوارية التغيير الحداثي، وكذلك في أميركا الجنوبية والتغييرات الثورية الديمقراطية المعاصرة، في حين.. أن العرب في نظامهم الرسمي «يقولون مالا يفعلون...» بدءاً من الإدعاء بتجفيف الينابيع الاجتماعية للمجموعات المسلحة الإرهابية، عن طريق فك ارتباطها بمجتمعاتها وبيئتها الحاضنة، الأمر الذي لا مهرب منه من أجل تحجيم قدرتها على الانتشار والبقاء.. وللأسف لم نسمع الرسمي عن السبيّ للنساء الأيزيديات والآشوريات، وعن تحطيم الأديرة والكنائس..، ألم يسبق هذا ذاك في القاهرة والإسكندرية!.. و«الساكت عن الحق شيطان أخرس..»...
إن المعركة الثقافية الفكرية، ونسف المنطلقات «الفكرية» لهذه المجموعات، في تهافتها وقشريتها لتعاليم الإسلام الذي تزعم النطق به، والتمثيل الصحيح له، تستدعي شبكة واسعة من الفاعليات الرسمية والشعبية، بدءاً من كيف نمت؟ وبأية بيئة فكرية وثقافية تهيأت لها!، أما قيامها بهذه «السخرة» السياسية هو مقابل عطاء مالي دائم.. إن بيئتنا المتراكمة هي من أنتجتها.. ويرى حواتمة ذلك في نظام التعليمي المتخلف المنغُلق الأحادي وغير العلمي، المغلق على النصوص واليقينيات، وثقافة الهوامش ومختصرات الشروح، وبما يستدعي الإصلاح الديني، وإعادة منظومة تربوية ــــ تعليمية، تكرّس قيم التفكير الحر، والنقد والإجتهاد، والنسبية في التفكير، والموضوعية في الأحكام...، وقيّم الحوار، والتسامح والإنفتاح على الآخر وثقافاته، والنظرة العقلية التنويرية في تاريخ الإسلام المقموع...
إن إعادة إصلاح وتأهيل مؤسسات الإسلام الرسمية، وتسخير الكفاءات العلمية الدينية المتنورة في دور الإفتاء والمجالس العلمية، وإدخال المناهج العلمية في التربية والتعليم، هو في سياق إصلاح الحقل الديني من الشعوذات، عبر برنامج تنويري يمر في كافة وسائل الإعلام المكتوب والمقروء والمسموع والبصري، يشارك به ذوي الاختصاص في أول الأولويات... من الزوايا المظلمة إلى أشعة الشمس الساطعة.. لنتساءل ما هو الجمال؟ هل يمكن تحديده إن لم نحدد أولاً.. ما هو القبيح..(!)
· الكتاب: رحلة في الذاكرة
· قضايا ثورات التحرر الوطني العربية الحراكات والأدوار في مسار النضال.. الأزمات.. ثورات عربية
· تأليف: نايف حواتمة
· الطبعة الأولى تشرين ثاني (نوفمبر) 2014
· الطبعة الخامسة ابريل 2015 دار الثقافة الجديدة، مصر/ القاهرة
· 194 صفحة من القطع الوسط ــ أربعة فصول