- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2015-05-13
يتباهى اللاجئون الفلسطينيون في مخيمي البداوي والبارد، بقدرتهم على الحفاظ على مستوى متقدم من العلاقة الجيدة مع الجوار اللبناني على الرغم من كل ما شهدته تلك العلاقة من منعطفات إبان الحرب الأهلية، وما رافقها من حروب على مدى السنوات الماضية، وآخرها المواجهة المسلحة التي شهدها مخيم البارد سنة 2007 بين الجيش اللبناني وتنظيم «فتح الإسلام».
لكن على الرغم من إظهار المودة والسعي إلى تعميقها من خلال سياسة النأي بالنفس، لا يُخفي اللاجئون خيبة أملهم من الخسائر المتتالية التي مُنيت بها قضيتهم المركزية، لجهة انخفاض مستوى الدعم الشعبي والاهتمام الرسمي بها من قبل محيطهم، خصوصاً أن ذاكرتهم تحفظ موقفاً شهيراً لابن الشمال وزير خارجية لبنان الأسبق حميد فرنجية عندما أعلن خلال استقبال طلائع اللاجئين عن تقاسم الشعب اللبناني لقمة الخبز معهم.
يجمع اللاجئون على أن أحداً لا يمكنه تقديم قراءة موضوعية عن دور الفلسطينيين في الشمال، لأن هناك الكثير ممن استفادوا من هذا الدور سياسياً وعسكرياً، وإن كان هناك من يضع المسؤولية على قيادات بعض التنظيمات التي سمحت لنفسها «الانغماس في تلك الحرب، وتحويل بوصلة البندقية الفلسطينية بهدف تحقيق مصالح شخصية، كان لها الضرر الكبير على مجمل اللاجئين».
ربما تكون طرابلس على وجه الخصوص من بين أكثر المدن اللبنانية التي تفاعلت مع هذه القضية وحضنتها على نحو وصل الأمر إلى اعتبار المدينة امتداداً استراتيجياً للمخيمين، قبل معركة العام 1983 التي تُعرَف باسم «أبو عمار» (الرئيس الراحل ياسر عرفات)، حيث انقلبت المعادلة مع خروج فصائل «منظمة التحرير» من المدينة وتراجع دور الأحزاب الوطنية لحساب قوى سياسية ومرجعيات طائفية، لم تعِر للقضية الفلسطينية أي اهتمام بسبب تعاظم الخلافات السياسية الداخلية من جهة، ونظراً لتصنيف البعض للفلسطينيين سياسياً، وتحديداً بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان. إلا أن اللاجئين الفلسطينيين وفي نظرتهم إلى المدينة يؤكدون أن طرابلس لم تخذلهم، بل كانت إلى جانبهم وتكبّدت خسائر كبيرة، شأنها شأن بقية مناطق الشمال من عكار مروراً بالمنية ووصولاً إلى الضنية، حيث سقط منهم عشرات الشهداء والأسرى تحت الراية الفلسطينية ومن بينهم عميد الأسرى ابن المنية يحيى سكاف، وهم يعتبرون أنفسهم دفعوا في تلك المرحلة مع معظم مناطق الشمال ضريبة تلك الصراعات السياسية، والتي أثّرت تدريجياً على وجودهم إلى أن بدأ ينحسر بشكل كبير في طرابلس وبقية الأقضية، لدرجة جعلتهم في السنوات الأخيرة يتقوقعون داخل مخيماتهم، وما كان لذلك من تداعيات سلبية سياسياً واقتصادياً.
فعلى المستوى السياسي، فإن الدور الفلسطيني لم يقتصر خلال الحرب الأهلية على الدور العسكري في الشمال، بل كان لهذا التواجد العسكري مفاعيل سياسية، حيث كان للقرار الفلسطيني تأثير كبير، وتعاظم ذلك التأثير مع لجوء الرئيس الراحل أبو عمار إلى المدينة في الثمانينيات، ودعمه بعد ذلك لـ «حركة التوحيد الإسلامي» بعد خروجه منها، قبل أن يأتي الوجود السوري ويلغي ذلك الدور ويصادر القرار الفلسطيني، الذي تراجع عسكرياً وسياسياً إلى داخل المخيمات، وبات غير مؤثر، لا بل على العكس بات يتأثر بالسياسة اللبنانية بشكل مباشر، وربما تكون تجربة مخيم البارد خير دليل على ذلك، حيث دفع المخيم ثمناً غالياً من تلك الصراعات والانقسامات السياسية اللبنانية، إضافة إلى الأزمة السورية والتي جعلت مخيم البداوي تحت المجهر الأمني، بسبب موقعه المتاخم لخطوط التماس بين التبانة وجبل محسن، وهو ما يسجّل إيجاباً في خانة الفصائل التي استطاعت إبعاد النيران المشتعلة حولها، عنها وعدم سماحها بزج المخيم في تلك المواجهات على الرغم من وجود محاولات من ذلك القبيل، كانت تطل برأسها من باب اتهام المخيم بتقديم العون العسكري إلى هذا الطرف أو ذاك.
انحسار اقتصادي
أما على الصعيد الاقتصادي فقد كان الفلسطينيون شركاء حقيقيين في تفعيل الحركة الاقتصادية في المدينة وأريافها، وتمكّنوا من إنشاء مؤسسات ضخمة بمشاركة لبنانيين، ما زال بعضها، فضلاً عن دور مخيم البارد، حيث كان سوقاً يجمع كل أبناء عكار وبقية المناطق، وكان يدرّ على الفلسطينيين مداخيل مالية كبيرة، قبل أن ينتهي دوره مع الحرب التي شهدها وقبله دور تجار فلسطينيين كثر كانوا تركوا المدينة أو أنهوا تجارتهم فيه. ولا ننسى في هذا الاطار الاموال التي كانت تدفع من قبل «منظمة التحرير الفلسطينية» للمنضوين من الطرابلسيين والشماليين في صفوفها.
ويبقى الفلسطينيون المنشغلون بهمومهم المعيشية والاقتصادية الصعبة والتي تتفاقم يوماً بعد يوم، بسبب تقليص «الأونروا» خدماتها وعدم الاسراع في إعمار مخيم البارد، ومعالجة كل التداعيات السلبية التي خلفتها تلك الحرب، يأملون بطي تلك الصفحة وإعادة فتح علاقات مع محيطهم تمكنهم من كسر عزلتهم وتجاوز المحطات الصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة عموماً، والحدّ من الحروب التي تشن عليهم إعلامياً. ومعظمها من خلفيات لا يرى فيها البعض إلا أنها عنصرية ومبنية على مواقف نابعة أساساً من الحرب الأهلية. والأهم من ذلك العمل على بناء الجسور من أجل عودة تفعيل الحراك الشعبي في المدينة، الذي كان دائماً سباقاً في التظاهر والتحرك دعماً لهذه القضية وهو اليوم يمكن القول إنه في سبات عميق.
«الجميع خاسر»
يقول مسؤول «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في الشمال» أركان بدر: «الجميع كان خاسرا في هذه الحرب وأكثرهم على الاطلاق الشعب الفلسطيني في لبنان، الذي انعكست عليه الحرب والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة باشكال مضاعفة، وبات الاكثر تضررا من نتائجها وتشعباتها المختلفة، وهو امر يمكن تلمسه اليوم على اكثر من صعيد». ويتابع: «أما على صعيد مخيمات الشمال ومدى تأثرها بالحرب، فهي كبقية مخيمات شعبنا في لبنان كانت تعيش تجربة رائدة مع محيطها اللبناني، ولم نكن نلمس أن هناك مشكلة في علاقة الشعبين بعضهما ببعض، إلا أن طبيعة الحرب وتعدد أطرافها، قادت إلى محاولة البعض جر المخيمات في المراحل الأخيرة، حيث عاشت مخيمات الشمال مرحلة سوداء من تاريخها، لكنها أيضا لم تؤثر على طبيعة العلاقات الإيجابية بين الشعبين، برغم محاولة الكثير من العابثين جر المخيم إلى صراعات هي في الأصل داخلية لبنانية، وآخرها ما حصل في البارد بين مجموعة ما يسمى بحركة فتح الاسلام والجيش اللبناني الشقيق حيث دفع المخيم ثمنا باهظاً».
بدوره رأى أمين سر «حركة فتح» في الشمال أبو جهاد فياض :»ان مخيماتنا في لبنان هي عنوان العودة إلى فلسطين ولهذا تستهدفها المؤامرات حيث دمر نهر البارد ومن حين لآخر نجد الهجمات الإعلامية على مخيماتنا في بيروت والبداوي وخاصة مخيم عين الحلوة». ويتابع: «الفلسطينيون في المخيمات محاصرون فقد حرموا من حقوقهم المدنية والانسانية، وحرموا من حق العمل والتملك ما يضطرهم للسفر طلباً للحياة الكريمة، بعدما تخلى المجتمع الدولي عن واجباته تجاه المخيمات، وهذا ما يتجلى في عملية التاخير الحاصل في إعادة إعمار نهر البارد، الأمر الذي يضاعف على القيادة الفلسطينية عملية الحفاظ على هذه المخيمات وعدم تورط سكانها بـ «أتون الصراعات الداخلية».
ويقول :»لقد كنا وما زلنا في محافظة الشمال نعتبر انفسنا في بيئة حاضنة لنا، وما شهده لبنان من حرب دفع الجميع ثمنها، وربما نكون نحن اكبر الخاسرين لان قضيتنا تراجع الاهتمام بها ولم تعد الاولوية».
66 ألف لاجئ
من جهته يرى عضو الجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان سمير لوباني (ابو جابر) ان «شهر العسل مع الدولة اللبنانية انتهى مع بداية الحرب الاهلية، لتبدأ المعاناة اذ حرم الفلسطيني من كل الحقوق المدنية والاجتماعية ومن حق العمل والتملك وهذا ما زاد من معاناته وتفاقم الازمة وتنكيل الاجهزة الامنية به وخاصة ما كان يعرف بـ«المكتب الثاني» حيث منع الفلسطنيون من ابداء الرأي ومورست سياسة الاغلاق عليهم في لبنان».
ويقول: «يسكن في مخيمات الشمال ومع تجمعات فلسطينية في مدينتين طرابلس والميناء 66 ألف فلسطيني يعيشون في ظروف صعبة وقاسية دفعت البعض منهم للهجرة. وبعد هزيمة حزيران سنة 1967، وبروز المقاومة الفلسطينية وصمودها وانتصارها في معركة الكرامة، احتل الفلسطيني موقع الصدارة في المقاومة وانخرط اللبنانييون في المقاومة وهذا ما يدل على أن أكثر من 30 في المئة من شهداء منطقة الشمال هم لبنانيون».
ويضيف : «لقد ساهم الوجود الفلسطيني في الشمال في حماية القرى والبلدات المسيحية، لأنهم كانوا يدركون أن ذلك يضر بقضيتهم ويفقدهم المصداقية». ويتابع: «بعد حرب المخيمات في بيروت والجنوب ونزوح أكثر من ستة آلاف فلسطيني إلى منطقة الشمال وتوزعهم على مخيمي نهر البارد والبداوي، ومن ثم معركة مخيم نهر البارد ودخول فتح الاسلام وتدمير المخيم، وضعف التقديمات على مستوى الدولة والأونروا والدول المانحة ومنظمة التحرير، والتعامل الأمني مع الفلسطينيين على مستوى الاعمار في مخيم البارد، فضلا عن نزوح السوريين من المخيمات، كل هذه الأمور مع غياب التنسيق مع اللبنانيين برأيي تجعل العلاقة الفلسطينية ـ اللبنانية غير متينة وتحتاج إلى جهد مضاعف».
عمر ابراهيم