- تصنيف المقال : دراسات
- تاريخ المقال : 2015-06-22
يحاول مجموعة من أرفع الباحثين، في مركز دراسات الأمن القومي - جامعة تل أبيب، تعقب العوامل الداخلية: الاجتماعية، الثقافية، والسياسية للصراع الداخلي الذي انفجر في العالم العربي والإسلامي مع بداية هذا القرن الحادي والعشرين، ويسترسل البحث في تعقب تسلسل هذا الانهيار وصولًا الى انهيار الدولة العثمانية، وما يرونه من "عجز حركات الإصلاح الإسلامية عن مواجهة تحديات العصرنة من خلال صيغة توازن بين الأصالة والمعاصرة"، ويعزو الباحثون - ربما بسبب جهلهم بطبيعة الدين ومضامينه ومقاصده العامة - المسألة الى الدين نفسه، وما يسمونه "المزج الالزامي بين الدين والدولة" وعدم وجود نص واضح يقرر ان "يعطى الله ما لله ويعطي لقيصر ما لقيصر".
ويتطرق البحث للعلاقة التاريخية بين الهوية العرقية/ القومية والهوية الدينية، وكذلك العيوب التي رافقت قيام الدولة الحديثة مع رحيل الاستعمار المباشر، لكن البحث يتغافل عن عمد دور القوى الاستعمارية في تجزئة العالم الإسلامي والعربي لصالح مخطط زرع إسرائيل، والتكوين القسري للدولة القطرية وفق حدود "سايكس بيكو" التي لم تراعِ التجانس الثقافي والاجتماعي والعرقي، وجعلت هذه الكيانات مهيأة تلقائيًا ومرتعًا لنشوب الصراعات عند توافر الظروف والشروط الملائمة، كما ويتغافل الباحثون عن التنافس بين القوى الدولية على النفوذ في العالم الاسلامي والدور الصهيوني في تأجيج هذه الصراعات.
ويتطرق البحث للعلاقة التاريخية بين الهوية العرقية/ القومية والهوية الدينية، وكذلك العيوب التي رافقت قيام الدولة الحديثة مع رحيل الاستعمار المباشر، لكن البحث يتغافل عن عمد دور القوى الاستعمارية في تجزئة العالم الإسلامي والعربي لصالح مخطط زرع إسرائيل، والتكوين القسري للدولة القطرية وفق حدود "سايكس بيكو" التي لم تراعِ التجانس الثقافي والاجتماعي والعرقي، وجعلت هذه الكيانات مهيأة تلقائيًا ومرتعًا لنشوب الصراعات عند توافر الظروف والشروط الملائمة، كما ويتغافل الباحثون عن التنافس بين القوى الدولية على النفوذ في العالم الاسلامي والدور الصهيوني في تأجيج هذه الصراعات.
المشاكل في الأداء (الاجتماعية السياسية) والتي يتسم بها جزء كبير من العالم العربي في بداية القرن الـ 21 ليست مقتصرة على هذا الجزء من العالم، ولكن لا شك أنها تتصف بالعنف في هذه المنطقة أكثر من أي مكان آخر في العالم، وبمفهوم معين يمثل هذا الانحطاط في ذات الدول العربية تسلسلًا تاريخيًا من انهيار الشرعية وحكم الامبراطورية العثمانية، والتي اعتبرها الكثيرون "رجل أوروبا المريض"، ويمكن تتبع آثارها إلى حين عجز حركات الإصلاح الإسلامية عن مواجهة تحديات العصرنة من خلال صيغة توازن بشكل مرضٍ بين التقاليد الثقافية وبين الحاجة إلى التغيير أو بين الأصالة والعصرنة.
فشل حركات الإصلاح في الإمبراطورية العثمانية في تحقيق هذا الهدف، خلق وأدام صراعات على الهوية التي تركت بصمة على كل واحدة من المناطق التي وقعت في الماضي تحت سلطانها، وخصوصًا أراضي البلقان وتركيا نفسها (وتكرر هذه الصراعات نفسها في جنوب آسيا)، ولكن أخطر نتائجها تلمس في مناطق الشرق الأوسط، والتي يقطنها العرب، ربما ينبع الأمر من العلاقات التاريخية الخاصة من نوعها بين الهوية العرقية/ القومية وبين الهوية الدينية في الحالة العربية، بينما اعتمد آخرون الإسلام أو فرض عليهم، والعرب هم من أنتجوا الإسلام.
ومهما كان السبب لذلك؛ فإن نتيجة أزمة الهوية هذه كانت بمثابة تفشي الحزبية والفئوية، وانعدام الصبر، والعنف، وانهيار دول مع الآثار السلبية على المنطقة وخارجها؛ هذه الأشكال من الصراعات المتعلقة بالهوية ليست فقط نتيجة ما يوصف بـ "الربيع العربي"، بل انها تمثل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الشرق الأوسط السياسي في العصر الحديث والمليء بالتفاصيل الصغيرة من التمييز والقمع العنيفيْن في بعض الأحيان بحق السكان المتميزين ببعد خاص مهم بطريقة ما عن الهوية المهيمنة للكيان السياسي.
وإلى ذلك؛ فليس من الدقة الزعم ان تواتر التمييز والقمع هما ناتج ملازم للأنظمة الاستبدادية فقط، ففي غالبية المنظومات السياسية التي أقيمت في الشرق الأوسط في القرن العشرين نزعت الأنظمة الاستبدادية الى التمييز والقمع وضرب الأقليات، إضافة لذلك فإن الضعف والتمزق في البنية الاجتماعية أدى الى العديد من المواجهات القطاعية الأكثر عنفًا (مثلما حدث في يوغسلافيا سابقًا)، ليس هناك سبب واحد لتفكك الدول في الشرق الأوسط، في الحالات المهمة والأكثر تمثيلًا كانت تلك التي نتجت عن الصراعات مع القوات الأجنبية و/ أو التدخلات الأجنبية مثلما حدث في العراق وفي ليبيا، وحتى في الإمبراطورية العثمانية نفسها، في حالات أخرى كانت تلك نتيجة العيوب الجوهرية في طريقة قيام الدولة، مثلما حدث في العراق، ومثلما زعم الكثيرون - في سوريا ولبنان (وكذلك باكستان) في حالة معينة كان السبب خطوات عصرنة الحكام أنفسهم - الذين آمنوا ان عليهم تقوية الاستقلال ورفع مستوى نماء دولتهم؛ الأمر الذي ضاعف فيها الغضب أو الأمل في أوساط جاليات محلية بعينها.
على سبيل المثال، العصرنة في إطار "الثورة البيضاء" التي قام بها الشاه الإيراني بداية ستينات القرن العشرين أدت إلى خلق معارضة إسلامية لسلطته، وقيل ان تطورًا مشابهًا حصل في مصر عقب جهود - رغم المترددين وهناك من سيقول لك عدم توفر النوايا الحسنة - من قبل أنور السادات وحسني مبارك طوال عقد في الاستجابة للضغوط الغربية لتبنى الليبرالية والديمقراطية، وفي كلا الحالتين أسهم الرد المعارض لتلك الجهود إلى تحطيم قوة الدولة، ومكنت القوى الإسلامية من التغلب على جهات أخرى عارضت النظام لفترة قصيرة في مصر، وعلى مدار وقت أطول وبشكل حقيقي في إيران (رغم ان حكم التاريخ النهائي لم يصدر بعد طبعًا).
معلومٌ أن الخصائص الباثولوجية (المرضية) الأهم لانعدام الشفافية فيما يخص الهوية تميز المجتمعات غير المتجانسة من الناحية الديموغرافية، بمعنى الأماكن التي فيها الهوية العرقية والدينية أو القبلية ما زالت قائمة وتتغلب على شعور أعم من الثقافة المدنية أو شعور المواطنة المشتركة؛ من هنا تنبع وحشية المواجهات في العراق وفي سوريا وليبيا ولبنان (في الماضي، وربما في المستقبل ثانية) وكذلك اليمن، هناك مشكلة عالمية شاملة وهي ان كل مجتمع غير متجانس يجب ان يواجه هذه المشكلة، ولكن في الوقت الحالي يبدو أنها تشكل تحديًا أكبر في مجتمعات ذات أغلبية مسلمة.
وليس فقط ان المزج الالزامي بين الدين والدولة يحظى بتفسير صريح أكثر في الاسلام منه في ديانات كبرى أخرى، ليس هناك أي نص يقرر ان تعطي الله ما لله وتعطي القيصر ما للقيصر أو أساس أيدلوجي لفكرة سيادة الفرد المتميزة عن سيادة الأمة، هذه الحقيقة تجعل العراقيل الماثلة أمام منفذي الاصلاحات أكثر تعقيدًا، فيجد هؤلاء أنفسهم في موقف دفاعي من الناحية الأيديولوجية، وحتى التبريرية، إذ ان عليهم القول ان الإصلاحات التي يدعون لها تتناسب إلى حد ما مع الإسلام، وأنها غير، وأنها ليست للتطبيق وليست شرعية، ولكنها مطلوبة فقط من الناحية الموضوعية دون أي علاقة لها أو ربط بالخطاب الإسلامي.
لم يكن من الممكن التوصل إلى حل مستقر للمواجهات التي تهز العالم العربي في هذه المرحلة دون تحديد جديد وأساسي للعلاقات بين الدين والمجتمع، والمجتمع والدولة، والدولة والفرد، بمعنى دون مسيرة داخلية معمقة لتوسيع تأثير الاصلاح والتفكير في منشأ الاصلاحات في الإسلام خلال القرنين الماضيين، فإن فرص أن يحدث ذلك في إطار جدول زمني حقيقي ما ليس صفرية فحسب، بل ليست واعدة، على أية حال إحداث تغيير أيديولوجي بمثل هذا الحجم هو أكبر من قدرة جهات خارجية مهما كانت النوايا حسنة.
فشل حركات الإصلاح في الإمبراطورية العثمانية في تحقيق هذا الهدف، خلق وأدام صراعات على الهوية التي تركت بصمة على كل واحدة من المناطق التي وقعت في الماضي تحت سلطانها، وخصوصًا أراضي البلقان وتركيا نفسها (وتكرر هذه الصراعات نفسها في جنوب آسيا)، ولكن أخطر نتائجها تلمس في مناطق الشرق الأوسط، والتي يقطنها العرب، ربما ينبع الأمر من العلاقات التاريخية الخاصة من نوعها بين الهوية العرقية/ القومية وبين الهوية الدينية في الحالة العربية، بينما اعتمد آخرون الإسلام أو فرض عليهم، والعرب هم من أنتجوا الإسلام.
ومهما كان السبب لذلك؛ فإن نتيجة أزمة الهوية هذه كانت بمثابة تفشي الحزبية والفئوية، وانعدام الصبر، والعنف، وانهيار دول مع الآثار السلبية على المنطقة وخارجها؛ هذه الأشكال من الصراعات المتعلقة بالهوية ليست فقط نتيجة ما يوصف بـ "الربيع العربي"، بل انها تمثل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الشرق الأوسط السياسي في العصر الحديث والمليء بالتفاصيل الصغيرة من التمييز والقمع العنيفيْن في بعض الأحيان بحق السكان المتميزين ببعد خاص مهم بطريقة ما عن الهوية المهيمنة للكيان السياسي.
وإلى ذلك؛ فليس من الدقة الزعم ان تواتر التمييز والقمع هما ناتج ملازم للأنظمة الاستبدادية فقط، ففي غالبية المنظومات السياسية التي أقيمت في الشرق الأوسط في القرن العشرين نزعت الأنظمة الاستبدادية الى التمييز والقمع وضرب الأقليات، إضافة لذلك فإن الضعف والتمزق في البنية الاجتماعية أدى الى العديد من المواجهات القطاعية الأكثر عنفًا (مثلما حدث في يوغسلافيا سابقًا)، ليس هناك سبب واحد لتفكك الدول في الشرق الأوسط، في الحالات المهمة والأكثر تمثيلًا كانت تلك التي نتجت عن الصراعات مع القوات الأجنبية و/ أو التدخلات الأجنبية مثلما حدث في العراق وفي ليبيا، وحتى في الإمبراطورية العثمانية نفسها، في حالات أخرى كانت تلك نتيجة العيوب الجوهرية في طريقة قيام الدولة، مثلما حدث في العراق، ومثلما زعم الكثيرون - في سوريا ولبنان (وكذلك باكستان) في حالة معينة كان السبب خطوات عصرنة الحكام أنفسهم - الذين آمنوا ان عليهم تقوية الاستقلال ورفع مستوى نماء دولتهم؛ الأمر الذي ضاعف فيها الغضب أو الأمل في أوساط جاليات محلية بعينها.
على سبيل المثال، العصرنة في إطار "الثورة البيضاء" التي قام بها الشاه الإيراني بداية ستينات القرن العشرين أدت إلى خلق معارضة إسلامية لسلطته، وقيل ان تطورًا مشابهًا حصل في مصر عقب جهود - رغم المترددين وهناك من سيقول لك عدم توفر النوايا الحسنة - من قبل أنور السادات وحسني مبارك طوال عقد في الاستجابة للضغوط الغربية لتبنى الليبرالية والديمقراطية، وفي كلا الحالتين أسهم الرد المعارض لتلك الجهود إلى تحطيم قوة الدولة، ومكنت القوى الإسلامية من التغلب على جهات أخرى عارضت النظام لفترة قصيرة في مصر، وعلى مدار وقت أطول وبشكل حقيقي في إيران (رغم ان حكم التاريخ النهائي لم يصدر بعد طبعًا).
معلومٌ أن الخصائص الباثولوجية (المرضية) الأهم لانعدام الشفافية فيما يخص الهوية تميز المجتمعات غير المتجانسة من الناحية الديموغرافية، بمعنى الأماكن التي فيها الهوية العرقية والدينية أو القبلية ما زالت قائمة وتتغلب على شعور أعم من الثقافة المدنية أو شعور المواطنة المشتركة؛ من هنا تنبع وحشية المواجهات في العراق وفي سوريا وليبيا ولبنان (في الماضي، وربما في المستقبل ثانية) وكذلك اليمن، هناك مشكلة عالمية شاملة وهي ان كل مجتمع غير متجانس يجب ان يواجه هذه المشكلة، ولكن في الوقت الحالي يبدو أنها تشكل تحديًا أكبر في مجتمعات ذات أغلبية مسلمة.
وليس فقط ان المزج الالزامي بين الدين والدولة يحظى بتفسير صريح أكثر في الاسلام منه في ديانات كبرى أخرى، ليس هناك أي نص يقرر ان تعطي الله ما لله وتعطي القيصر ما للقيصر أو أساس أيدلوجي لفكرة سيادة الفرد المتميزة عن سيادة الأمة، هذه الحقيقة تجعل العراقيل الماثلة أمام منفذي الاصلاحات أكثر تعقيدًا، فيجد هؤلاء أنفسهم في موقف دفاعي من الناحية الأيديولوجية، وحتى التبريرية، إذ ان عليهم القول ان الإصلاحات التي يدعون لها تتناسب إلى حد ما مع الإسلام، وأنها غير، وأنها ليست للتطبيق وليست شرعية، ولكنها مطلوبة فقط من الناحية الموضوعية دون أي علاقة لها أو ربط بالخطاب الإسلامي.
لم يكن من الممكن التوصل إلى حل مستقر للمواجهات التي تهز العالم العربي في هذه المرحلة دون تحديد جديد وأساسي للعلاقات بين الدين والمجتمع، والمجتمع والدولة، والدولة والفرد، بمعنى دون مسيرة داخلية معمقة لتوسيع تأثير الاصلاح والتفكير في منشأ الاصلاحات في الإسلام خلال القرنين الماضيين، فإن فرص أن يحدث ذلك في إطار جدول زمني حقيقي ما ليس صفرية فحسب، بل ليست واعدة، على أية حال إحداث تغيير أيديولوجي بمثل هذا الحجم هو أكبر من قدرة جهات خارجية مهما كانت النوايا حسنة.