تأتي المبادرات المطروحة في مجال القضية الفلسطينية في إطار محاولات تحريك هذه القضية وانتشالها من جمودها الراهن، وتبرز من بين هذه التحركات المبادرة الفرنسية الأخيرة ذات النقاط الثلاث التي طرحها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس على السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال لقائهما في القاهرة يوم السبت 20 من يونيو الحالي.
بالرغم من أي جهود إقليمية ودولية مبذولة يظل الدور المصري في القضية الفلسطينية دوراً محورياً لا غنى عنه رغم أي ظروف أو معوقات، وهو الأمر الذي أثبتته تطورات هذه القضية المركزية في جميع مراحلها، ويتميز الدور المصري بمميزات متفردة تكاد لا تنافسه فيها أي أدوار أخرى لها اهتمامات مختلفة بهذه القضية، ويمكن تحديد أهم مميزات الدور المصري المتفرد فيما يلي: -
1 - أن القضية الفلسطينية هي قضية أمن قومي مصري ومن ثم فإن التحرك المصري فيها ليس من قبيل البحث عن دور، أو استكمال تحركات إقليمية، أو تعاطف معنوي مع قضية شعب يبحث عن هوية، وإنما هو تحرك ينبع من معطيات حقيقية تفرض حتمية هذا التحرك.
2- أن مصر هي أكثر الدول التي تعاملت عن قرب مع هذه القضية، وقدمت العديد من التضحيات دون النظر إلى أي اعتبارات أو مصالح خاصة، بل يمكن القول إن مصر تعتبر من أكثر الأطراف إلماماً بتفاصيل هذه القضية المعقدة، كما شاركت بخبرائها في العديد من المفاوضات المتعلقة بالقضية ومن بينها ترتيبات اتفاق أوسلو.
3- أن مصر لم تسع في يوم من الأيام إلى أن تخلق لنفسها فصيلاً فلسطينياً موالياً لها، بل تعاملت مع القضية ككلٍ متكامل ووقفت على مسافة واحدة تجاه جميع الفصائل الفلسطينية.
4- أن مصر تتمتع بعلاقات متميزة مع جميع الأطراف المباشرة والمعنية بالقضية الفلسطينية، الأمر الذي أتاح لها حرية التحرك مع هذه الأطراف وتبادل الأفكار والرؤى لحل القضية.
بالتالي فإن هذه العوامل مجتمعة - وغيرها - وفرت لمصر مساحة كبيرة للتحرك، ومناخاً مواتياً لدور مؤثر لا يمكن تجاهله أو تخطيه أو محاولة إقصائه سواء عن عمد أو غير ذلك، وليس أدل على ذلك من أن المشروع الوحيد لإنهاء الانقسام الفلسطيني منذ عام 2007 وحتى الآن هو مشروع مصري تم بلورة بنوده بكل تفاصيله في القاهرة وذلك بالتوافق مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن وجميع القوى والفصائل الفلسطينية دون استثناء من الواضح تماما أن القضية الفلسطينية تمر حالياً بحالة من الجمود الشديد قد يكون غير مسبوق، بل إن أولويتها تتراجع بفعل القضايا الإقليمية الأخرى التي قفزت على السطح وفرضت نفسها كمحور اهتمام على المستويين الإقليمي والدولي، ويزداد الأمر صعوبة بتولي حكومة إسرائيلية جديدة مقاليد الحكم لا تؤمن بحل الدولتين إلا بالشكل الذي يتواءم مع مصالحها ويفرغ حل الدولتين من مضمونه، بل يضع عقبات مؤكدة أمام إمكان قيام دولة فلسطينية مستقلة.
وإذا كان الأمر يشير إلى عدم وجود أي دلائل في الأفق من شأنها تحريك القضية الفلسطينية، تبدو هنا أهمية الدور المصري وأهمية أن يعيد القضية إلى دائرة الضوء مرة أخري، فالوقت بالتأكيد ليس في مصلحة القضية، بالتالي ليس في مصلحة استقرار المنطقة في ظل استمرار سياسة الاستيطان الاسرائيلي المتسارعة في الضفة الغربية، وتهويد القدس، وتغريد قطاع غزة حتى الآن بعيداً عن سرب المشروع الوطني الفلسطيني.
في ضوء ما سبق تبدو أهمية بدء مصر - التي تستعيد دورها الإقليمي عن جدارة - القيام باتصالات تمهيدية مع كل الأطراف المعنية بالقضية للتوافق حول عاملين أساسيين، أولهما تحديد مرجعيات مقبولة للتفاوض حتى لا تسير المفاوضات في حلقة مفرغة، والثاني تحديد توقيت لاستئناف المفاوضات ضمن إطار زمني معقول، ويا حبذا لو بدأت مصر من الآن في الشروع في هذه الاتصالات التي - رغم صعوبتها - لابد أن تثمر عن تغيير في واقع الجمود الحالي.
إنني هنا وأنا أتناول طبيعة الدور المصري، لا أتحدث عن شرف المحاولة فهو أمر لم نعرفه ونحن نتعامل مع هذا الملف منذ عقود، وإنما أتحدث عن تحرك واع مرتبط بأهم القضايا المؤثرة على الأمن القومي المصري وهي القضية الفلسطينية، وأنا على يقين بأن هذا التحرك سوف يجد ترحيباً من أطراف عديدة تنتظر المبادأة والمبادرة المصرية حتى بالتنسيق مع بعض الأطراف الأخرى بما في ذلك المبادرة الفرنسية الأخيرة التي حرص وزير خارجيتها على التنسيق مع مصر أولاً، ويكفي أن نؤكد أن الدور المصري يكاد يكون الدور الوحيد المرحب به تماما من جانب الشعب الفلسطيني الذي يستحق في النهاية أن تكون له دولته المستقلة، ولا أشك لحظة أن مصر لن يألو لها جهد حتى ترى هذه الدولة الوليدة وهي تنعم بالاستقلال والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف