- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2015-07-14
قرأت ما كُتب عن ندوة مركز نيسان للدراسات حول عنوان “ اليسار الاردني الى أين “، تحدث خلالها عدد من الحزبيين اليساريين الملتزمين، الذي كان من المفترض أن تقتصر الندوة على أوراق عملهم ومداخلاتهم، وأن تعطى ندوة أخرى لأولئك الذين كانوا مع اليسار وتركوه، لتكون عنوان مداخلاتهم “ لماذا تركت اليسار “ ويقولوا ما يشاؤون عن تركهم لألتزامهم السابق الذي كان مكلفاً في أن يبقوا في اليسار ومع اليسار، فتركوا اليسار وغردوا خارج أحزابه تحت يافظات متعددة عناوينها مختلفة قد تكون ايجابية وعقلانية، مثل الوسط الاجتماعي، أو الاشتراكية الديمقراطية، أو أي عنوان أخر يحمل مضموناً بنكهة يسارية، أو مفردات يسارية ولكنه ليس يسارياً بالتأكيد، بالمعنى الحقيقي الفكري والتقليدي للكلمة، فهم ليسوا يساريين ولم يعودوا، ولو رغبوا أن يكونوا يساريين لعادوا الى صفوف أحزابهم، بعد الانفراج والترخيص وغياب الكلفة التي كانت ملازمة سابقاً للالتزام الحزبي قبل الترخيص والانفراج عام 1989، فالذين يتباهون باليسار، يتباهون بماضيهم وتضحياتهم حينما كانوا في صفوف اليسار، ولكنهم لم يعودوا كذلك، وتخلوا عنه لأن أثمان بقاء الالتزام به باهظة وكلفته عالية، ولذلك لم يبق في صفوفه الا أولئك الذين واصلوا القبض على الجمر، وقبلوا الافقار، وتحملوا وعائلاتهم الحرمان من المواقع والوظائف وفرص الصعود، أما الذين تخلوا عن يساريتهم فقد وصلوا الى ما وصلوا اليه من مواقع ووظائف ومكانة بيرقراطية لائقة، فالعامل الشخصي مهم لأنه يعكس المصلحة الشخصية والذاتية، والانسان الذي يعرف مصلحته ويدركها ويتصرف على أساسها هو الانسان الواعي، والوعي هنا ليس له علاقة بالمصالح العامة أو بالتفاني، فالانحياز للمصالح العامة يحتاج ليس فقط للوعي، فالوعي متوفر ولكنه يحتاج لقرار الانحياز نحو خيار ربط المصالح الذاتية الانانية مع مصلحة المجموع حيث يرى الانسان الحزبي الملتزم أن مصلحته ومستقبله وأسرته مرتبط بالكل أو بالجميع أو على الاقل بالاغلبية، بين الناس .
لقد قدمت احدى أبرز رموز اليسار الحزبي الملتزم عبلة أبو علبة نموذجاً لذلك، فقد عُرض عليها أن تكون وزيرة وأن تكون عضواً في الاعيان، ولكنها لم تستجب للعروض التي قدمت لها، ليس لأنها متطرفة، بل لأن خيارها لم يكن ذاتياً فردياً أنانياً، بل هو خيار حزبها وقراره لأن له الاولوية عندها، بينما خيار مشاركتها في الانتخابات البرلمانية التزمت به لأنه موقف حزبها، وموقف الاحزاب اليسارية والقومية، وشاركت في الانتخابات رغم ادراكها أن قانون الانتخاب غير ايجابي ولا يلبي تطلعات تياري اليسار والقومي وموقفهما، وأنها لا تضمن النجاح ولكن المشاركة حق وواجب واحتكاك في الجمهور ومعه ويؤدي الى توسيع دائرة الحوار مع الناس، ولذلك يجب أن يبقى التقدير راسخاً لدينا جميعاً الذين كنا ولم تعد حزبيين ملتزمين، نحو الذين بقوا وواصلوا طريقهم وخيارهم المكلف، فالحزبيين يتصفون بعاملين هامين أولهما انهم يؤمنون بالعمل الجماعي ويتمسكون به ويخضعون لقرارات الحزب وتوجهات مؤسساته بينما الانسان غير الحزبي فالقرار يعود له وحده وهو صاحب القرار بشأن عناوين الحياة، وثانيهما أن الحزبيين يؤمنون بالعمل التطوعي وينشطون من خلاله، ويتم ذلك على حساب مصالحهم الشخصية وأوقات عائلاتهم، ولهذا علينا احترامهم وتقديرهم مهما اتسعت دائرة الخلاف أو التباين مع الحزبيين أو مع رؤيتهم .
لقد أخذ أحد الزملاء على الشيوعيين أنهم من كبار السن، مع أن ذلك يُسجل لهم لا عليهم، فأعمارهم تدلل على مدى صلابة انحيازهم واستمرارية خيارهم مع الحزب ورؤيته مهما تعرضوا لمعيقات، وواجهو قسوة الحياة، وضغوط الحاجة مترافقة مع اغراءات التغيير، ويأخد البعض على اليساريين والقوميين اخفاقاتهم رغم تضحياتهم وصمودهم في مواجهة معطيات سلبية غير ايجابية واجهتهم، ولذلك أرى أن بقاء التزامهم مع أحزابهم عامل قوة وانحياز ايجابي لصالحهم ويسجل حصيلته لهم، الامر الذي يتطلب اسنادهم وتقدير خياراتهم الحزبية، فهم يعانون أكثر منا، بعد أن واجه اليساريون الهزيمة بسبب نتائج الحرب الباردة، مثلما واجه القوميون الاخفاق بسبب خطيئة الاجتياح العراقي للكويت، والذي أدى الى الحرب على العراق وتدميره وحصاره وسقوط نظامه واستشهاد رئيسه الراحل صدام حسين.
لقد قدم اليساريون والقوميون تضحيات كبيرة، وخاضوا المعارك على مختلق أشكالها وألوانها طوال المرحلة الماضية في عهد الاحكام العرفية على المستوى الوطني وفي حالة الحرب الباردة على المستوى القومي والدولي، وخلال تلك المرحلة، كانوا أقوى وأشد صلابة، ولكن نتائج الحرب الباردة ونتائج حرب الخليج، دمرت أعصابهم وصلابتهم فعانوا من نتائج الهزيمة والاخفاق ولا زالوا، ولكن عزيمتهم وخيارهم اليوم يسير بالاتجاه الاقوى وحضورهم بدأ يأخذ طريقه بين صفوف شعبنا، مستفدين من تجاربهم الداخلية الماضية، والمستقبل لهم لأن قوى الشد العكسي لن تستطيع مواصلة الهيمنة والتسلط بعد انفجار ثورة الربيع العربي، وتنظيمات التيار الاسلامي سيكون مألها الفشل لأنها لا تستجيب لقيم العصر وحقوق الانسان واحترام التعددية والاقرار بوجود الاخر .