مع تصاعد التوتر بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا، تزداد مخاوف أوروبا من لجوء موسكو إلى تحويل الغاز إلى "سلاح"، لذلك تسعى الولايات المتحدة للبحث عن مصادر بديلة للطاقة لحلفائها الأوروبيين، قد تغنيهم عن اللجوء لروسيا، وتطمئن مخاوفهم.

ويمثل الغاز الروسي أكثر من 40% من واردات الغاز الأوروبية، وقد تؤدي عقوبات غربية، أو إجراءات مضادة روسية، إلى زيادة أكبر في تعرفة الطاقة لملايين الأسر، في وقت تشهد فيه الأسعار بالفعل ارتفاعاً قياسياً في أوروبا.

تحديات

ولكن طريق البيت الأبيض ليس مفروشاً بالورود، إذ قال الأربعاء، إنه يواجه "تحديات" في العثور على مصادر بديلة لإمدادات الطاقة إلى أوروبا، لكنه أضاف أنه سيواصل المحادثات مع شركات ودول.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي للصحافيين، عندما سئلت عن تقارير بأن الصناعة ليس لديها طاقة فائضة تذكر لتقديم إمدادات الطاقة المطلوبة، "لا شك أن هناك تحديات لوجستية، خصوصاً في نقل الغاز الطبيعي".

وأضافت أن "ذلك جزء من مناقشاتنا مع الكثير من الشركات والدول.. لكن هذه المحادثات مستمرة ونحن لا ننوي الفشل".

العمل مع الدول المصدرة

ووفق صحيفة "نيويورك تايمز"، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الثلاثاء، أنها تعمل مع الدول المصدرة للغاز والنفط الخام من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا، من أجل تعزيز الإمدادات إلى أوروبا في الأسابيع المقبلة، في إطار الجهود التي تستهدف الحد من التهديد بإمكانية قيام روسيا بقطع شحنات الغاز على خلفية الصراع مع أوكرانيا.

وأجرى الرئيس الأميركي، محادثات مع القادة الأوروبيين، في ظل زيادة المخاوف من حدوث غزو روسي لأوكرانيا، رغم النفي الروسي لإمكانية حدوث هذا الأمر، وذلك وسط حذر في أوساط الزعماء الأوروبيين بشأن الإعلان عن المدى الذي يمكن أن يصلوا إليه في فرض عقوبات قاسية على موسكو، إذا قامت بغزو أوكرانيا.

وتوخت ألمانيا، على وجه التحديد، الحذر بقوة في هذا السياق، وعارضت علناً عقوبات مقترحة على منع روسيا من استخدام نظام "سويفت" المصرفي، كما رفضت إرسال أي شحنات أسلحة أو معدات قتالية لأوكرانيا، في وقت أغلقت مؤخراً العديد من محطاتها النووية، ما زاد من اعتمادها على واردات الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء.

هل اختار بوتين الشتاء؟

ونقلت "نيويورك تايمز" عن العديد من المسؤولين الأوروبيين قولهم إنهم يتشككون في أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عمد إلى تأجيج الأزمة الحالية في منتصف فصل الشتاء، وفقاً لحسابات بأن استفادته منها يمكن أن تصل إلى حدودها القصوى، إذا تمكن من التهديد بوقف مبيعات الوقود الروسي إلى أوروبا.

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أنه في العام الماضي، أمدت روسيا أوروبا بنحو 128 مليار متر مكعب من الغاز، وتدفقت نحو ثلث هذه الكمية عبر خط أنابيب يمر عبر أوكرانيا.

ولفتت الصحيفة، إلى أن روسيا قللت من هذا التدفق خلال الشتاء الحالي، كما أن جهودها لفتح خط الأنابيب "نورد ستريم 2"، الذي يربط سيبيريا بألمانيا، من شأنها أن توجه مسار الوقود حول أوكرانيا، ما يزيد من اعتماد أوروبا على الإمدادات الروسية.

طمأنة الحلفاء

ووصف مسؤولون في إدارة بايدن مبادرة الحصول على الطاقة من مصادر بديلة بأنها "إجراء جوهري" لطمأنة الحلفاء على أنهم سيكونون قادرين على تجاوز أي قطع لإمدادات الغاز من جانب روسيا، وفقاً لما نقلته الصحيفة.

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن الحلفاء الأوروبيين، بمجرد طمأنتهم بشأن إمدادات الطاقة، سيكونون أكثر استعداداً لفصل المؤسسات المالية الروسية عن النظام المصرفي الدولي، والمشاركة في فرض ضوابط التصدير الأميركية المحتملة، التي ستحظر على المصنعين الروس الحصول على أشباه الموصلات، وغيرها من الأجزاء الأساسية التي تقوم على تصاميم أميركية.

وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية للصحافيين عبر اتصال هاتفي، صباح الثلاثاء: "إننا نتوقع أن نكون جاهزين لضمان إمدادات بديلة تغطي الجزء الأكبر من النقص المحتمل".

وأضاف: "إذا قررت روسيا تسليح إمداداتها من الغاز الطبيعي والنفط الخام، فلن يمر الأمر من دون تداعيات على الاقتصاد الروسي".

وأكد: "تذكروا أن هذا (روسيا) اقتصاد ريعي، ما يعني أنه يحتاج إلى عائدات النفط والغاز على الأقل بنفس القدر الذي تحتاج به أوروبا إلى إمدادات الطاقة"، حسب ما نقلته "نيويورك تايمز".

ورفض المسؤول الإفصاح عن الدول التي تتعاون في هذا الجهد، لكن بعض المصادر واضحة، بما فيها المملكة العربية السعودية، بحسب الصحيفة الأميركية.

أكبر مصدر للغاز

وتأتي الزيارة التي يعتزم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني القيام بها إلى الولايات المتحدة الأميركية في صلب هذه المحادثات، خصوصاً أن الإمارة تمتلك احتياطات ضخمة من الغاز، وتعد أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم.

ووفق بيان للبيت الأبيض، سيستقبل الرئيس الأميركي الاثنين المقبل، أمير قطر في واشنطن، وسيتناول اللقاء "الأمن في منطقة الشرق الأوسط وتأمين استقرار الإمدادات العالمية للطاقة".

وبحسب مصدر مطلع لوكالة "رويترز"، فإن الزعيمان سيبحثان زيادة إمدادات الغاز القطرية لأوروبا في حال حدوث خلاف روسي أوكراني في محادثات الأسبوع المقبل.

وبحسب "نيويورك تايمز" قال المسؤول، الذي رفض الكشف عن هويته بموجب قواعد الإحاطة التي وضعتها الإدارة، إن هذا الجهد يتضمن زيادة "عدد قليل من الشحنات من موردين مختلفين"، ويمكن أن يشمل إرسال شحنات من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة ومنتجين آخرين.

وفي الإحاطة، رفض المسؤول الإفصاح عن الكمية التي يمكن تلبيتها من الاحتياجات الأوروبية عن طريق تحويل الوقود من مصادر أخرى.

تعويض الغاز الروسي

لكن هناك شكوكاً بشأن فاعلية تلك التحركات لتعويض الغاز الروسي، إذ أشار مصدر "رويترز"، إلى أن قطر لديها طاقة غاز فائضة قليلة لأوروبا، بعد بيع معظم الغاز مسبقاً بموجب عقود طويلة الأجل.

ولفت مصدر الوكالة المطلع، إلى أن الأمر سيناقَش خلال المحادثات بين الزعيمين، مضيفاً أنه "قد تكون الدوحة قادرة على المساعدة في حالة حدوث اضطراب عالمي كبير مثلما حدث في 2011 خلال (حادث) فوكوشيما" في إشارة إلى حادث المفاعل النووي الياباني.

ونبّه إلى أنه "ينبغي على الولايات المتحدة أو غيرها إقناع عملاء الغاز القطري للسماح بإعادة توجيه الغاز المخصص لهم إلى أوروبا كحل قصير الأمد"، أما في الأجل الطويل، فتتوقع قطر أن ترتفع صادراتها من الغاز الطبيعي المسال بشكل كبير. لكن المصدر قال إنه من أجل ضمان أمن الطاقة، "يجب على الاتحاد الأوروبي التفكير في الالتزام بعقود طويلة الأجل للغاز الطبيعي المسال لتجنب صدمات الإمدادات في المستقبل".

من جهته، أشار مدير معهد "بروجل" للأبحاث جونترام وولف لـ"فرانس برس"، إلى أن "هناك احتياطات"، لكنها لا تؤمّن الحاجات سوى "لبضعة أسابيع"، معتبراً أن "الاحتياطات ستنفد وسيكون إذاً من الصعب جداً تعويض واردات الغاز الروسي بنسبة 100% بغاز من قطر أو من دول منتجة أخرى".

وحدة التحالف

والاثنين، التقى الرئيس بايدن مجموعة من القادة الأوروبيين لمدة 80 دقيقة في محاولة للمحافظة على وحدة التحالف، فيما وجه تحذيراً إلى نظيره الروسي من مواجهة "عواقب وخيمة" إذا غزت بلاده أوكرانيا.

وفي مؤتمر صحافي، الأسبوع الماضي، تحدث الرئيس الأميركي عن الانقسامات داخل أوروبا بشأن ماهية الإجراءات التي يجب اتخاذها حيال روسيا، اعتماداً على نوع الإجراء الذي ستتخذه روسيا ضد أوكرانيا.

وبعد الإقرار بوجود خلافات بشأن طبيعة رد الفعل على ما أسماه "التوغل الطفيف"، شدد الرئيس الأميركي ومسؤولون في إدارته على الموقف الصارم للولايات المتحدة، وحذروا من أن أي عمل عدواني عبر الحدود الأوكرانية سيستتبع ردة فعل منسقة.

وتتهم أوكرانيا والدول الغربية روسيا بحشد عشرات آلاف الجنود على الحدود الأوكرانية بهدف شنّ غزو محتمل، وكذلك السعي لزعزعة استقرار جارتها الموالية للغرب، وتحذرها بشكل متواصل من "استخدام الغاز كسلاح". وتنفي موسكو تلك الاتهامات، وتؤكد أن الغاز الذي تبيعه لم ولن يستخدم كسلاح ضد أي أحد، في حين تقول إن القوات العسكرية قرب الحدود مع أوكرانيا، هي تحركات داخل الأراضي الروسية، وإنها لا تنوي غزو أوكرانيا.

وتطالب روسيا في الوقت نفسه، الغرب، وخصوصاً حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأميركية، بأخذ مخاوفها على محمل الجد، ورفض انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الـ"ناتو".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف