- تصنيف المقال : القضية الفلسطينية في القانون الدولي
- تاريخ المقال : 2022-02-11
قراءة في تقرير منظمة العفو الدولية
أصدرت منظمة العفو الدولية "أمنيستي" تقريرا في 01/02/2022 بعنوان" نظام الفصل العنصري الإسرائيلي (الأبارتهايد) ضد الفلسطينيين"، حيث أكد هذا التقرير على أن إسرائيل ترتكب جريمة ضد الإنسانية وهي جريمة الفصل العنصري (الأبارتهايد)، وكان قد سبق هذا التقرير، تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" في 27 نيسان 2021، الذي أيضا أكد على أن إسرائيل ترتكب جريمتي الفصل العنصري والإضطهاد بحق الشعب الفلسطيني، أما على صعيد الأمم المتحدة وأجهزتها، فقد تم الإشارة إلى إرتكاب إسرائيل لجريمة الفصل العنصري في تقرير غولدستون عام 2009، وقرار محكمة العدل الدولية عام 2004 في قضية الجدار العازل، بينما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار 3379 بتاريخ 10/11/1975 إعتبرت من خلاله أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية، لكن سرعان ما تم إلغاؤه من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرار46/86 بتاريخ 16/12/1991.
جاء تقرير منظمة العفو الدولية تحديدا بعد معركة سيف القدس في 18 أيار 2021، وما كان قد سبقه من هبة القدس في نيسان 2021، كردة فعل على مخطط إسرائيل في تهجير أهالي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، حيث إلتفتت المنظمة إلى إنخراط الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته وفئاته في هذه المعركة، وإلتحم مجددا بدءا من غزة، فالضفة الغربية، فالقدس، فأبناء أراضي 1948، فالجاليات الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين في كافة المخيمات، الذين رفضوا التوسع في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية والتي تشكل جريمة حرب في القانون الدولي، وتحديدا في القدس، وتهجير أهالي حي الشيخ جراح، أو هدم بيوتهم، بعد أن كان مخطط إسرائيل طرد أهالي حي الشيخ جراح وإستبدالهم بمستوطنين يهود إسرائيليين، وأكدوا على راهنية برنامج النضال الوطني الجامع لكافة أبناء الشعب الفلسطيني.
ومما أثار الرأي العام العالمي هو رد القوات الإسرائيلية بالقوة المفرطة والإعتداءات على المتظاهرين السلميين في القدس المحتلة، ورميهم بالرصاص المطاطي، وإعتقال العشرات من الفلسطينيين، وإلقاء القنابل اليدوية داخل المسجد الأقصى، ومنع الهلال الأحمر الفلسطيني من إسعاف المصابين الفلسطينيين، بينما لم تعتقل السلطات الإسرائيلية الأمنية المحرضين الإسرائيليين اليهود، الذين خرجوا في مظاهرات ضد العرب والفلسطينيين، رافعين شعارات تحريضية مثل "الموت للعرب"، "سنعيد النكبة مرة ثانية"...
وما إن إندلعت صواريخ المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة، شنت إسرائيل حربا على الفلسطينيين في قطاع غزة، وأطلقت صواريخ على المدنيين بصورة عشوائية لمدة 11 يوما، زادت من خلالها الكارثة الإنسانية التي كان يعيشها قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض عليها. لم تفرق الصواريخ الإسرائيلية بين المدنيين والأبراج السكنية وبين الصحفيين، بل كانت حربا إنتقامية عشوائية بحق الشعب الفلسطيني.
وقد زاد الطين بلة، إتهام مؤسسات ومنظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية مدافعة عن حق الشعب الفلسطيني بالإرهاب، بعد أن طالبت هذه المنظمات الحقوقية من المجتمع الدولي تصنيف النظام الإسرائيلي بالفصل العنصري، إستنادا للوثائق والأدلة ومن خلال عمليات الرصد والتوثيق التي تقوم بها، مع العلم أن هذه المنظمات تعمل مع المنظمات الدولية والعديد من اللجان الحقوقية والإجتماعية في الأمم المتحدة.
تناول التقرير العديد من الإنتهاكات القانونية التي تمثل جريمة الفصل العنصري الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني لكنه إنحصر نسبيا بالإنتهاكات التي حدثت عام 2021، على عكس تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي تناولت جريمة الفصل العنصري بطريقة أكثر تفصيلية من منظمة العفو الدولية، حيث أشار التقرير إلى تعمد قمع الفلسطينيين والهيمنة عليهم على كامل التراب الفلسطيني، بغرض منفعة المستوطنين اليهود على حساب الفلسطينيين، وإعتبار الفلسطينيين أنهم يشكلون خطرا على اليهود، من خلال ترسيخ الهوية اليهودية في المؤسسات الرسمية الإسرائيلية، التي يغيب عنها دستور إسرائيلي مكتوب يكفل الحق في المساواة الكاملة بين الأديان والأعراق، حيث أشار التقرير أيضا إلى منع عودة آلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم وتشجيع عودة اليهود إستنادا لقانون المواطنة عام 1952، وقانون القومية اليهودية عام 2018.
كما أشار التقرير أيضا إلى شرذمة الأراضي الفلسطينية والتفرقة القانونية بينها، من خلال ممارسة هدم مئات القرى الفلسطينية عام 1948، خصوصا أن 90% من أراضي 1948 كانت مملوكة من الفلسطينيين، وممارسة التطهير العرقي، ووضع قوانين قاسية بحق الفلسطينين في أراضي 1967 تجعلهم تحت خط الفقر، بينما يحصل المستوطنون اليهود على الإمتيازات وتوسيع المستوطنات، وخضوع الضفة الغربية للإحتلال الإسرائيلي وحصار غزة، والسيطرة على الموارد الطبيعية، ووجوب إستحصال على أذونات عسكرية للعبور من منطقة لمنطقة، وحرمان الفلسطينيين من الحصول على جنسية، إضافة للحكم العسكري والأوامر العسكرية التي تقوم بإعتقال مئات الشباب دون تهمة أو محاكمة.
أهم ما جاء في التقرير هي التوصيات التي صدرت عن منظمة العفو الدولية التي دعت إلى مقاطعة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وإلى تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته الكاملة، إضافة للسلطة الفلسطينية والشركات الأجنبية التي تتعامل مع الشركات الداعمة للمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، بإعتبار أن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي يتم تغذيته بآلية مؤسساتية ممنهجة لعزل الفلسطينين عن اليهود، ومنع الفلسطينيين من المطالبة بحقوقهم الوطنية.
فيما دعت منظمة العفو الدولية إلى تفكيك نظام الفصل العنصري الإسرائيلي بحق الفلسطينيين جميعهم، بما فيهم اللاجئين، وتقديم تعويضات كاملة لإنتهاك حقوقهم الإنسانية، ولعدم تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وطالبت المجتمع الدولي بعدم الإكتفاء بالإدانات لأنها بقيت شكلية، وعدم إتخاذ خطوات إجرائية سمح لإسرائيل إرتكاب جريمة الفصل العنصري بشكل واضح ومتزايد عبر الزمن، وذلك عن طريق المحكمة الجنائية الدولية بمساعدة المجلس الأمن عبر إنشاء محكمة دولية خاصة لجريمة الفصل العنصري المرتكبة على أراضي 1948، بإعتبار أن المحكمة الجنائية الدولية لا تسري ولايتها على أراضي 1948.
بينما ناشدت منظمة العفو الدولية حظر الدول بمد إسرائيل بالسلاح أو القيام بأي عمل تدريبي عسكري أو أمني يدعم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، لاسيما الدول العربية التي طبعت مؤخرا معه، وعقدت إتفاقيات أمنية وعسكرية معها، وطالبت السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل بإعتبار أن التنسيق الأمني يدعم هذه الجريمة، كما أشارت أن هناك مسؤولية تقع على الشركات التي تتعامل مع المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية التي تساهم في تعزيز نظام الفصل العنصري، ويجب تنفيذ حظر تام على بضائع المستوطنات الإسرائيلية، مع مواصلة رصد حالات إنتهاك حقوق الإنسان وتوثيقها من خلال المنظمات الحقوقية.
الدائرة القانونية
في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
11/02/2022