لا تزال الأونروا حتى اليوم بمثابة «حبل السرَّة» الذي لم ينقطع بين القضية الفلسطينية والأمم المتحدة
ما كان للاجئين الفلسطينيين أن يحتجوا بكل هذه القوة على التقليصات في خدمات الأونروا، لولا أنهم أدركوا أن نقص التمويل يخفي وراءه سياسات لا تريد الخير للاجئين وقضيتهم.
ويزداد الشك بأهداف هذه التقليصات مع تفاقم أوضاع اللاجئين في مختلف مواقع عمليات الأونروا الخمس، في غزة حيث العدوان الذي لا تزال تداعياته ماثلة ومرشحة للتفاقم، وفي سورية الني نزح خارجها عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينين، واضطر مثلهم وأكثر لمغادرة مخيماتهم التي أصبحت ميادين للصراع، وفي لبنان اجتمعت هموم النازحين الفلسطينيين من سورية مع معاناة أشقائهم المقيمين في ظل إجحاف قانوني حرمهم من حقوق كثيرة في مقدمها حق العمل، إضافة إلى معاناة من نزح من الفلسطينيين إلى الأردن.
وما يعزز هذا الشك، أن الدول المانحة ترصد مليارات الدولارات لاستقبال اللاجئين الوافدين من المنطقة بمن فيهم الفلسطينيون، فيما تغلق جيوبها عندما يتعلق الأمر بتمكين اللاجئين الفلسطينيين من الصمود في مواقع لجوئهم كي يواصلوا سعيهم لتجسيد حق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم.
بدأت الأونروا عملها في صفوف اللاجئين الفلسطينيين بعد عامين من نكبتهم. وجاء في البند الخامس من قرار تأسيسها الرقم 302 (8/12/1949) التأكيد على ضرورة «استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين بغية تلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم، مع عدم الاخلال بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة الرقم 194...)، وهي الفقرة التي تتحدث عن وجوب السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم وإعادة توطينهم فيها مع حقهم في التعويض.
وتعتمد الاونروا في تمويل مهامها على مساعدات تقدمها دول مانحة وبنسب متفاوتة، وهي غير إلزامية، ولوحظ أن الولايات المتحدة كانت على الدوام من أكبر الدول المانحة مساهمة في ميزانية الأونروا. وهي (واشنطن) إلى جانب عدد من الدول الغربية المانحة شكلت عمليا الثقل المالي في هذه الموازنة وما يعكسه ذلك من تأثير على برامج الوكالة الإغاثية ربطا بموقف هذه الدول من قضية اللاجئين الفلسطينيين.
ولوحظ في الوقت نفسه أن عقد الخمسينيات الذي شهد بداية نشاط الأونروا كان حافلاً بمشاريع التوطين المطروحة من قبل واشنطن وحلفائها بالتنسيق مع إسرائيل، في سياق السعي لفك الارتباط ما بين قرار تأسيس الوكالة والقرار 194.
مثل تشكيل الوكالة وتمويلها التزاما دوليا صريحا بقضية اللاجئين الفلسطينيين، وهي لا تزال حتى اليوم بمثابة «حبل السرَّة» الذي لم ينقطع بين القضية الفلسطينية والأمم المتحدة، وهو الأمر الذي يزعج تل أبيب وحلفاءها.
ومع فشل مشاريع التوطين في سيناريوهاتها المختلفة، وانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة وبلورة برنامجها في إطار منظمة التحرير الائتلافية ، أخذت قضية اللاجئين موقعها الأساسي في البرنامج الوطني الفلسطيني. وبقدر ما مثل ذلك حصانة لقضية اللاجئين وحق عودتهم، بقدر ما صعد من المحاولات التي تستهدف شطب هذا الحق من التداول. وكان المدخل لتحقيق ذلك الدخول على خط الحل السياسي للصراع وفق معادلة تسوية تبدأ بفك الارتباط والتكامل ما بين الحقوق الفلسطينية، كتعويض للفشل في فك الارتباط بين قرار تأسيس الأونروا والقرار 194.
وقطعت واشنطن وتل أبيب شوطا على هذا المسار مع انطلاق مفاوضات التسوية عقب توقيع اتفاق أوسلو، وتم إقصاء قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى مسار بعيد عن جدول أعمال التفاوض الثنائي برعاية الولايات المتحدة حصرا.
وبذلك تم تهميش قضية اللاجئين، في الوقت الذي استدارت فيه الضغوط نحو الوكالة من زاوية إعادة جدولة مهامها وخدماتها بما ينسجم مع تحقيق ما فشل من محاولات التوطين والتشريد. ومنذ تلك الفترة أيضا تصدرت كل تقرير سنوي للأونروا مسألة العجز المالي نتيجة إحجام عدد من الدول المانحة عن تقديم التزاماتها أو قسما منها.
وأثر ذلك على الخدمات المقدمة من الأونروا إلى جمهور اللاجئين ومس الجوانب الصحية والتعليمية والاجتماعية على حد سواء، وشكل ضغطاً هائلاً على اللاجئين الفلسطينيين وخاصة في لبنان حيث هم محرومون من حقوقهم الإنسانية.
وفي عدد من مواقع عمليات الأونروا لا يبدو واضحاً حتى الآن فيما إذا ستستمر العملية التعليمية وتفتح المدارس أبوابها في العام الدراسي الجديد. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار العدد الهائل من الطلبة الذين ينتظرون عودتهم إلى مدارسهم فإننا سنكون أمام كارثة فعلية على الأصعدة كافة.
وتأتي هذه التقليصات المتزايدة في ظل تطورات عاصفة لا تزال تشهدها دول المنطقة وخاصة الدول التي تستضيف لاجئين فلسطينيين وتعمل في أراضيها الاونروا، ومن الواضح أن أوساطا دولية عدة تنظر إلى المآسي الناتجة عن الأزمات العربية المحتدمة باعتبارها مدخلا لوضع اللاجئين الفلسطينيين في حالة من اليأس مع تفاقم مشاكلهم الاجتماعية والإنسانية، ووضعهم أمام خيارات تتناقض مع تمسكهم بحق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها.
لذلك، فإن حركة اللاجئين اليوم أمام مهام استثنائية كما هي الظروف القائمة، لتصعد من فعاليتها في مواجهة هذه التقليصات ومخاطرها على حياة اللاجئ وصموده على طريق تجسيد حق عودته.
ومن المفترض أن يدرك المجتمع الدولي أن الايغال في الضغط على اللاجئ الفلسطيني سيؤدي إلى عواقب كارثية. إذ ليس من الممكن أن يبقى اللاجئون قيد الحرمان المتزايد والبؤس المتفاقم في ظل إجراءات الأونروا الأخيرة دون أن يعبر عن غضبه واحتجاجه على هذه الإجراءات.
الجمعية العامة للأمم المتحدة، صاحبة قرار إنشاء الأونروا، على أبواب انعقاد دورة اجتماعات جديدة في أيلول/ سبتمبر القادم، ومن المفترض أن تتصدر نقاشاتها الفلسطينية مسألة دعم الأونروا بما يتناسب مع الأوضاع الطارئة والصعبة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون، والتعامل مع ميزانية هذه الوكالة الدولية بكثير من المسؤولية الدولية ووضع الدول المانحة أمام التزاماتها وإيجاد آليات أكثر إلزاما بما يكفل إنجاز الاونروا لمهامها ودورها تجاه اللاجئين الفلسطينيين.
المسألة خطيرة ولا تقوم على الظن بالنوايا.. فالواقع الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون يؤكد أن الأمور إن تركت على عواهنها ستؤدي بهم إلى المزيد من المآسي والنكبات.. ونعتقد بأنهم حصدوا منها ما يزيد عن «حاجتهم»!

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف