- تصنيف المقال : تقارير
- تاريخ المقال : 2022-04-06
يبدو أنه مرت الأيام التي استهل فيها النقاش على البناء في شرقي القدس نشرات الأخبار وهز منظومة العلاقات بين إسرائيل والإدارة الأميركية. ولكن على الأرض القدس تواصل التغير، أحياء يهودية يتم بناؤها أو يتم التخطيط لبنائها خلف الخط الأخضر، جبل أبو غنيم وجفعات همتوس وعطروت ورمات شلومو وغيرها. الى جانب ذلك تواصل جمعيات المستوطنين جهودها لتهويد سلوان والشيخ جراح وجبل المكبر ورأس العامود. في هذه الأحياء وأحياء عربية أخرى يواصل السكان العرب مواجهة سياسة تخطيط غير محتملة.
بدرجة كبيرة، هذه السيناريوهات تشكل عاصمة إسرائيل مثلما تشكل أيضاً إسرائيل كلها، بدرجة لا تقل عن القمة الفاخرة التي عقدت في الأسبوع الماضي في النقب بمشاركة شخصيات رفيعة من دول عربية، هناك حقيقة أنه في هذا اليوم ايضا مثلما في كل يوم في السنوات العشر الأخيرة استيقظ المقدسيون على واقع فيه يحوم خطر الهدم أو الطرد فوق رؤوسهم وهو يهدد حياتهم ويدفع المدينة الى اليأس والعنف. إقامة الأحياء اليهودية وجهود تهويد الأحياء العربية تحول كل مستقبل تسوية سياسية الى أمر غير ممكن.
الوضع في القدس
للوهلة الاولى مشروع البناء في عطروت لا يهدد أي أحد. المشروع الذي يشمل 9 آلاف وحدة سكنية والذي سيقام سيحتل مكان المطار المهمل في شمال القدس. لن يتم اخلاء أي مواطن مقدسي من بيته، وهذه حتى ليست ارضا خاصة فلسطينية مثل معظم المناطق في شرقي المدينة. ولكن الحديث يدور عن الحي اليهودي الأكبر الذي سيبنى وراء الخط الأخضر في القدس منذ التسعينيات. إضافة الى ذلك، الحي المخصص للجمهور الأصولي يخطط لإقامته في قلب الفضاء الفلسطيني لشمال المدينة، بين كفر عقب وقلنديا وبيت حنينا. إقامته ليست فقط ستحرم الفلسطينيين من الحلم بإعادة تشغيل المطار مجددا تحت علم فلسطين، بل ستحول كل مهمة تقسيم القدس الى أمر غير ممكن.
يبدو أنه ليس عبثا استخدمت الادارة الاميركية الضغوط على اسرائيل من اجل عدم المصادقة على هذه الخطة. في هذه الاثناء هذه الخطة عالقة، على الاقل بشكل مؤقت، في اللجنة القطرية للتخطيط والبناء. ليس بسبب ضغط دولي، على الأقل بصورة رسمية، بل لأن اللجنة وافقت على موقف وزارة حماية البيئة ووزارة الصحة بأنه توجد حاجة الى تقرير «مسح الأثر البيئي» قبل إعطاء المصادقة.
حي بيت صفافا، يعرف كل من يعيش فيه ومن يقوم بزيارته بأنه يعاني من نقص كبير في الأراضي للبناء والتوسع وتخفيف الاكتظاظ. والآن بالذات، قربها تدفع بلدية القدس قدما مع القيم العام في وزارة العدل اقامة حي باسم «جفعات هشكيد» للسكان اليهود. الحي موجود خلف الخط الاخضر، ومخطط لاقامته في منطقة مفتوحة مساحتها 38 دونما فوق ناحل رفائيم وبارك همسيلا، بين حي الظهرة في بيت صفافا وشارع دافيد بنفنستي. حسب الخطة ستبنى في المكان 473 وحدة سكنية، ومدرسة أساسية وكنيس ورياض أطفال.
اذا كانت جفعات هشكيد تغلق بيت صفافا من الشمال فان الإمكانية الكامنة لتوسعها نحو الجنوب يتم إغلاقها على يد حي مستقبلي آخر وهو جفعات همتوس. منذ سنوات كثيرة واسرائيل تدفع قدما باقامة حي كبير على التلة، التي في التسعينيات كانت توجد عليها كرفانات لمهاجرين جدد. ولكن اذا كانت هذه بيوت مؤقتة فإن إسرائيل الآن معنية ببيوت دائمة، في الحقيقة جزء منها مخصص لسكان بيت صفافا، لكن أغلبية المساحة الساحقة مخصصة لسكان جدد يهود. في نظر المجتمع الدولي فان إقامة جفعات همتوس هي «سجاد احمر»، عمل سيصعب جدا أي إمكانية لتقسيم القدس في المستقبل. ولكن يبدو أنه في السنوات الأخيرة هذا الأحمر بهت قليلا، وبعد سلسلة تجميدات وتعويقات بسبب ضغوط مصدرها وراء البحار، بدأت مؤخرا أعمال بنى تحتية وحفريات لانقاذ الآثار في المكان، قبل بناء المرحلة الأولى للحي التي تشمل 1275 وحدة سكنية. إضافة الى ذلك، جميع الوحدات التي تعرضها وزارة الإسكان في عملية شقة مع تخفيض في القدس، هي في جفعات همتوس. إغلاق القرعة ونشر أسماء الفائزين سيحول البناء في المكان بعد فترة طويلة من التأخير الى حقيقة واقعة.
احيانا يبدو أن النضال في الشيخ جراح دائما كان هنا. هذا غير دقيق، لكن ايضا غير خاطئ كليا، على الاقل اذا تتبعنا جذور نزاعات الاراضي هذه. في الجزء الغربي للحي، أم هارون، كان يعيش يهود حتى العام 1948. بعد الحرب قام القيم العام عن املاك العدو في الاردن بتأجير المبنى المتروك لفلسطينيين فقراء (لاجئون من المناطق التي احتلتها اسرائيل في الحرب)، الذين اصبحوا مستأجرين محميين. في العام 1967، بعد حرب الأيام الستة وتوحيد القدس، ورث القيم العام في إسرائيل هذه العقارات. رسميا لم يتغير أي شيء، وواصل القيم تأجيرها. ولكن مع مرور السنين بدأت جمعيات يمينية في البحث عن ورثة العقارات، وساعدتهم قانونيا في استرجاعها. قال السكان من ناحيتهم بأنهم يعيشون في بيوت ايجار محمي، ولا يمكن اخلاؤهم، ايضا لا يوجد لديهم أي مكان ليذهبوا اليه. ولكن في حالات كثيرة رفضت المحكمة ادعاءاتهم، والمستأجرون اصبحوا متعلقين برغبة اصحابها ورغبة القيم العام في مواصلة تأجير البيوت لهم.
حتى الآن تم إخلاء عائلة واحدة من الحي والمستوطنون دخلوا الى بيت آخر بعد موت المستأجرين. ولكن سيف الإخلاء مسلط على نحو 15 عائلة أخرى، منها عائلة سالم التي تعيش في المكان منذ العام 1950. بيتها اشتُري من قبل عضو في مجلس بلدية القدس، يونتان يوسيف، من القائمة اليمينية «القدس موحدة»، الذي طالب بالإخلاء، الأمر الذي رفع نسبة التوتر في المكان. في شباط أمرت محكمة الصلح في القدس بتجميد إخلاء العائلة، وهذا الإخلاء لا يتوقع أن يحدث على الأقل حتى انتهاء شهر رمضان.
في شرق الشيخ جراح، توجد منطقة تسمى كرم الجاعوني، الذي فيه وضع مشابه ولا يقل تعقيداً عن ذلك. هناك كانت توجد مناطق خالية اشتريت في نهاية القرن التاسع عشر من قبل اللجان اليهودية، الأشكنازية والسفاردية للقدس، في الخمسينيات استوطنت فيها عائلات فلسطينية لاجئة. البيوت بنتها حكومة الأردن والأمم المتحدة واللاجئون حصلوا على حق السكن فيها مقابل مبلغ رمزي.
في التسعينيات اشترت جمعية اليمين نحلات شمعون الأرض في المنطقة من اللجان اليهودية. الأرض تمت إعادتها للجان استنادا الى قانون ترتيبات الإدارة والقضاء الذي يمكن اليهود من استعادة ممتلكاتهم المتروكة من العام 1948 (القانون لا يمكن عائلات اللاجئين الفلسطينية من الحصول على ممتلكاتها قبل 1948 لأن هذه الممتلكات تم تحويلها للدولة استنادا لقانون آخر وهو قانون أملاك الغائبين). الآن يوجد نحو 30 عائلة تتكون من 200 شخص يمكن أن يتم إخلاؤها من بيوتها في السنوات القريبة القادمة.
في هذه الأثناء يبدو أن المحكمة العليا أعطت مهلة لسكان كرم الجاعوني. قرر القضاة مؤخرا أن يواصل السكان في عدد من البيوت المعدة للإخلاء العيش فيها الى حين استكمال إجراءات تسوية الأرض في المكان واستيضاح الحقوق على الأرض. ولكن عندما سيتم اتخاذ قرار يتوقع أن يؤثر ذلك على عائلات اخرى في المنطقة.
ثلاث مناطق مختلفة لكنها متجاورة تشكل بؤرة الخلاف في قرية سلوان. الأولى هي وادي يتسول، هناك تعمل البلدية على هدم بيوت 100 عائلة. السبب هو أن المخطط الهيكلي الأخير للحي الذي تمت المصادقة عليه في 1977 يخصص المكان كمنطقة عامة مفتوحة، ومثلما في الكثير من الأحياء العربية في القدس ايضا هناك يوجد فصل بين احتياجات السكان وبين التخطيط، العائلات بنت في معظمها بيوتها بدون ترخيص. في الـ 15 سنة الأخيرة يحاول السكان الدفع قدما بخطة تغير تخصيص الأرض في الحي ولكن حتى الآن بدون نجاح. التطور الأخير في القضية حتى الآن كان في تشرين الثاني الماضي، في حينه رفضت المحكمة اللوائية في القدس التماساً قدمته 58 عائلة ضد هدم بيوتها. مع ذلك، حتى الآن تستمر المفاوضات بين السكان والبلدية في محاولة لايجاد خطة تكون مقبولة على الطرفين.
ايضا بيوت حي البستان مستهدفة من قبل البلدية، في هذه الحالة لغرض إقامة متنزه أثري – سياحي باسم «حديقة الملك»، كجزء من الحديقة الوطنية «مدينة داود»، الذي تديره جمعية العاد اليمينية. الآن مئة عائلة تعيش في الحي الذي في معظمه مهدد بالهدم. بدأ هؤلاء السكان يتصلون مع البلدية، في إطار ذلك قدموا خطة أعدها المهندس المعماري يوسف جبارين، والتي تتضمن هدم الحي وإعادة البناء على 60 في المئة من مساحته، والمساحة المتبقية تخصص للمتنزه. مؤخرا رفضت البلدية خطة السكان واقترحت نقل المستأجرين الى عدد من المباني القليلة التي ستقام على مساحة اصغر بكثير من الحي الاصلي، 20 في المئة منه. المفاوضات من اجل العثور على خطة اخلاء – بناء متفق عليها مستمرة.
الحي الثالث المهدد بالخطر هو بطن الهوى الذي يوجد في مركز القرية وفيه تعيش عشرات العائلات. هذا الحي بني على ارض كانت بملكية وقف يهودي في السابق، الذي اقيم في نهاية القرن التاسع عشر لاسكان عائلات مهاجرين يهود من اليمن. بسبب اشتداد الوضع الأمني في فترة الثورة العربية أمرت حكومة الانتداب في 1938 المهاجرين بمغادرة الحي. البيوت هدمت، ومع مرور الوقت اشترى فلسطينيون الأرض وقاموا ببناء بيوتهم عليها، وبأثر رجعي قالوا إنهم لم يعرفوا أن الملكية لم تكن في ايدي البائع.
كل شيء بقي هادئا الى أن وافقت المحكمة المركزية في القدس في العام 2001 على طلب أعضاء عطيرت كوهنيم بأن يصبحوا أمناء على الوقف. بعد سنة حرر القيم العام الأرض ونقلها الى الأمناء الجدد وبهذا عرض سبعين عائلة لخطر الإخلاء.
القصة وصلت الى المحكمة، وفي السنة الماضية رفضت قاضية المحكمة العليا، دفنه براك ايرز التماسا مبدئيا للفلسطينيين ضد الوقف. في المقابل، وافقت محكمة الصلح في القدس على التماس عطيرت كوهنيم ضد العائلات وأمرت بإخلائها. ولكن قرار المحكمة العليا بخصوص الشيخ جراح يمكن أن يؤثر ايضا على السكان في هذه المنطقة.
قبل أسبوعين دخل أعضاء عطيرت كوهنيم الى مبنى فندق البتراء قرب شارع يافا. في هذه المرحلة احتلوا فقط قسما من الفندق كجزء من نضال قانوني لأعضاء الجمعية اليمينية لاحتلال كل الفندق. هذا إضافة الى محاولة وضع اليد ايضا على فندق «امبريال» المجاور. دخول المستوطنين الى المكان اصبح ممكن بعد نضال قانوني متعرج استمر 18 سنة بين البطريركية اليونانية، التي كانت صاحبة الفنادق ومنذ العام 2005 وهي تتنكر لصفقة البيع، وبين شركات وهمية تسيطر عليها عطيرت كوهنيم. يصعب المبالغة بدرجة اهمية الحدث في نظر رؤساء الكنائس في القدس. من ناحيتهم الحديث يدور عن كارثة حقيقية ستؤدي الى تغيير طابع الحي المسيحي في البلدة القديمة. التهديد كبير من ناحيتهم، الى درجة أن جميع رؤساء الكنائس في المدينة توحدوا بصورة غير مميزة كليا للقدس، للقيام بعدة مبادرات احتجاج ضد حكومة اسرائيل. «احتلال فندق البتراء من قبل الجمعية المتطرفة عطيرت كوهنيم يشكل تهديدا على استمرار وجود الحي المسيحي، والوجود الهادئ للمجموعات المختلفة في القدس»، كتب في البيان الذي نشره أول أمس رؤساء الكنائس.
ليس الوقف وليس السكان اليهود الذين هربوا وحتى ليس متنزه جديد هي التي تهدد سكان جبل المكبر. في هذه الحالة عشرات البيوت يتهددها خطر الهدم بسبب شارع. أي رغبة البلدية في توسيع احد الشوارع القائمة وهو الشارع الاميركي الذي يربط جبل المكبر والشيخ سعد. مؤخرا بدأ سكان الحي في التظاهر بشكل دائم امام مبنى البلدية احتجاجا على الخطة. وفي غضون ذلك هذه الخطة لم تتم المصادقة عليها بعد نهائيا.
خلافا لجيرانهم، فان سكان العيسوية حصلوا على انباء سارة مع نجمة صغيرة. بلدية القدس دفعت قدما وصادقت على خطة هيكلية جديدة للحي، الذي معظم البيوت فيه بنيت بدون تراخيص. الخطة يمكن أن تسمح لعدد كبير من السكان بالحصول على ترخيص بأثر رجعي لبيوتهم. ولكن رغم المصادقة إلا أن الكثير من السكان يشعرون بأن احتمالية الحصول على رخص البناء المأمولة ما زالت ضعيفة. وماذا بشأن توسيع الحي المكتظ؟ خطة كهذه غير موجودة. الخطة التي توجد هي الاعلان عن حديقة وطنية قريبة، لكن هذه الخطة ما زالت عالقة حتى الآن.
رسميا قرية الولجة الفلسطينية توجد خارج حدود بلدية القدس. ولكن جزءا منها مساحته 80 دونما والذي يعيش فيه نحو ألف شخص، تم ضمه للعاصمة، ومن يعيش هناك معرض ايضا لعدد كبير من تهديدات مقدسية، بالاساس خطر الهدم لعدد من البيوت. في السنوات الاخيرة هدمت الدولة 30 بيتا في القرية، و50 بيت آخر توجد لها اوامر هدم معلقة. مؤخرا قدم السكان التماس حول الامر وطالبوا بأن تقوم اللجنة اللوائية للتخطيط وبلدية القدس بمناقشة المخطط الهيكلي الذي أعدوه للقرية. في الجلسة التي عقدت في الاسبوع الماضي في المحكمة العليا وافقت الدولة على تجميد الهدم لنصف سنة من اجل اعطاء فرصة للدفع قدما بالمخطط الهيكلي.
الولجة هي حالة متطرفة للاضطهاد التخطيطي في القدس. رغم أن نصف القرية تم ضمه للقدس في 1967 إلا أن الدولة لم تكلف نفسها في أي يوم عناء وضع خطة هيكلية للحي، لذلك لا يوجد أي إمكانية للبناء فيه بصورة قانونية. في محيطه بالضبط لا توجد مثل هذه المشكلة. على التلال المجاورة أقيمت على مر السنين حي غيلو وهار غيلو وأحياء اخرى. وعندما بنيت هذه المستوطنات فان سكان الولجة تم تقييدهم. القرية أحيطت بجدار الفصل والأراضي الزراعية والسلاسل الحجرية الفاخرة فيها اعلن عنها كحديقة وطنية ومشهد ثقافي من الجدير حمايته.
من بلدية القدس جاءنا الرد التالي: «في السنوات الاخيرة نقود عملية تاريخية للدفع قدما ببناء قانوني ومنظم في شرقي القدس، وذلك بعد اكثر من خمسين سنة للاهمال وعدم المعالجة. ضمن امور أخرى، رئيس البلدية يقود مشاريع للتجديد البلدي والبناء – الاخلاء، بتعاون وحوار مع السكان والقادة. فقط مؤخرا اتفق مع سكان حي بشير الذي يوجد على مدخل جبل المكبر على خطوة مشتركة للتجديد البلدي.
«ايضا في السنة الأخيرة تم الدفع قدما بخطط هيكلية مفصلة، غير مسبوقة في حجمها، لأحياء العيسوية ورأس العامود. وفي السنوات القريبة القادمة سيتم الدفع قدما بخطط مشابهة في احياء اخرى. وبخصوص رخص البناء تم اعطاء في الثلاث سنوات الأخيرة 424 رخصة بناء لمشاريع في أحياء في شرقي القدس. هذا مقابل 212 رخصة بناء أعطيت في 2017 و186 رخصة أعطيت في 2018. بفضل المصادقة على الخطة الرئيسية وخطط هيكلية جديدة في الأحياء العربية، يتوقع أن يرتفع عدد الرخص في السنوات القريبة القادمة بصورة دراماتيكية».
عن «هآرتس»
بدرجة كبيرة، هذه السيناريوهات تشكل عاصمة إسرائيل مثلما تشكل أيضاً إسرائيل كلها، بدرجة لا تقل عن القمة الفاخرة التي عقدت في الأسبوع الماضي في النقب بمشاركة شخصيات رفيعة من دول عربية، هناك حقيقة أنه في هذا اليوم ايضا مثلما في كل يوم في السنوات العشر الأخيرة استيقظ المقدسيون على واقع فيه يحوم خطر الهدم أو الطرد فوق رؤوسهم وهو يهدد حياتهم ويدفع المدينة الى اليأس والعنف. إقامة الأحياء اليهودية وجهود تهويد الأحياء العربية تحول كل مستقبل تسوية سياسية الى أمر غير ممكن.
الوضع في القدس
للوهلة الاولى مشروع البناء في عطروت لا يهدد أي أحد. المشروع الذي يشمل 9 آلاف وحدة سكنية والذي سيقام سيحتل مكان المطار المهمل في شمال القدس. لن يتم اخلاء أي مواطن مقدسي من بيته، وهذه حتى ليست ارضا خاصة فلسطينية مثل معظم المناطق في شرقي المدينة. ولكن الحديث يدور عن الحي اليهودي الأكبر الذي سيبنى وراء الخط الأخضر في القدس منذ التسعينيات. إضافة الى ذلك، الحي المخصص للجمهور الأصولي يخطط لإقامته في قلب الفضاء الفلسطيني لشمال المدينة، بين كفر عقب وقلنديا وبيت حنينا. إقامته ليست فقط ستحرم الفلسطينيين من الحلم بإعادة تشغيل المطار مجددا تحت علم فلسطين، بل ستحول كل مهمة تقسيم القدس الى أمر غير ممكن.
يبدو أنه ليس عبثا استخدمت الادارة الاميركية الضغوط على اسرائيل من اجل عدم المصادقة على هذه الخطة. في هذه الاثناء هذه الخطة عالقة، على الاقل بشكل مؤقت، في اللجنة القطرية للتخطيط والبناء. ليس بسبب ضغط دولي، على الأقل بصورة رسمية، بل لأن اللجنة وافقت على موقف وزارة حماية البيئة ووزارة الصحة بأنه توجد حاجة الى تقرير «مسح الأثر البيئي» قبل إعطاء المصادقة.
حي بيت صفافا، يعرف كل من يعيش فيه ومن يقوم بزيارته بأنه يعاني من نقص كبير في الأراضي للبناء والتوسع وتخفيف الاكتظاظ. والآن بالذات، قربها تدفع بلدية القدس قدما مع القيم العام في وزارة العدل اقامة حي باسم «جفعات هشكيد» للسكان اليهود. الحي موجود خلف الخط الاخضر، ومخطط لاقامته في منطقة مفتوحة مساحتها 38 دونما فوق ناحل رفائيم وبارك همسيلا، بين حي الظهرة في بيت صفافا وشارع دافيد بنفنستي. حسب الخطة ستبنى في المكان 473 وحدة سكنية، ومدرسة أساسية وكنيس ورياض أطفال.
اذا كانت جفعات هشكيد تغلق بيت صفافا من الشمال فان الإمكانية الكامنة لتوسعها نحو الجنوب يتم إغلاقها على يد حي مستقبلي آخر وهو جفعات همتوس. منذ سنوات كثيرة واسرائيل تدفع قدما باقامة حي كبير على التلة، التي في التسعينيات كانت توجد عليها كرفانات لمهاجرين جدد. ولكن اذا كانت هذه بيوت مؤقتة فإن إسرائيل الآن معنية ببيوت دائمة، في الحقيقة جزء منها مخصص لسكان بيت صفافا، لكن أغلبية المساحة الساحقة مخصصة لسكان جدد يهود. في نظر المجتمع الدولي فان إقامة جفعات همتوس هي «سجاد احمر»، عمل سيصعب جدا أي إمكانية لتقسيم القدس في المستقبل. ولكن يبدو أنه في السنوات الأخيرة هذا الأحمر بهت قليلا، وبعد سلسلة تجميدات وتعويقات بسبب ضغوط مصدرها وراء البحار، بدأت مؤخرا أعمال بنى تحتية وحفريات لانقاذ الآثار في المكان، قبل بناء المرحلة الأولى للحي التي تشمل 1275 وحدة سكنية. إضافة الى ذلك، جميع الوحدات التي تعرضها وزارة الإسكان في عملية شقة مع تخفيض في القدس، هي في جفعات همتوس. إغلاق القرعة ونشر أسماء الفائزين سيحول البناء في المكان بعد فترة طويلة من التأخير الى حقيقة واقعة.
احيانا يبدو أن النضال في الشيخ جراح دائما كان هنا. هذا غير دقيق، لكن ايضا غير خاطئ كليا، على الاقل اذا تتبعنا جذور نزاعات الاراضي هذه. في الجزء الغربي للحي، أم هارون، كان يعيش يهود حتى العام 1948. بعد الحرب قام القيم العام عن املاك العدو في الاردن بتأجير المبنى المتروك لفلسطينيين فقراء (لاجئون من المناطق التي احتلتها اسرائيل في الحرب)، الذين اصبحوا مستأجرين محميين. في العام 1967، بعد حرب الأيام الستة وتوحيد القدس، ورث القيم العام في إسرائيل هذه العقارات. رسميا لم يتغير أي شيء، وواصل القيم تأجيرها. ولكن مع مرور السنين بدأت جمعيات يمينية في البحث عن ورثة العقارات، وساعدتهم قانونيا في استرجاعها. قال السكان من ناحيتهم بأنهم يعيشون في بيوت ايجار محمي، ولا يمكن اخلاؤهم، ايضا لا يوجد لديهم أي مكان ليذهبوا اليه. ولكن في حالات كثيرة رفضت المحكمة ادعاءاتهم، والمستأجرون اصبحوا متعلقين برغبة اصحابها ورغبة القيم العام في مواصلة تأجير البيوت لهم.
حتى الآن تم إخلاء عائلة واحدة من الحي والمستوطنون دخلوا الى بيت آخر بعد موت المستأجرين. ولكن سيف الإخلاء مسلط على نحو 15 عائلة أخرى، منها عائلة سالم التي تعيش في المكان منذ العام 1950. بيتها اشتُري من قبل عضو في مجلس بلدية القدس، يونتان يوسيف، من القائمة اليمينية «القدس موحدة»، الذي طالب بالإخلاء، الأمر الذي رفع نسبة التوتر في المكان. في شباط أمرت محكمة الصلح في القدس بتجميد إخلاء العائلة، وهذا الإخلاء لا يتوقع أن يحدث على الأقل حتى انتهاء شهر رمضان.
في شرق الشيخ جراح، توجد منطقة تسمى كرم الجاعوني، الذي فيه وضع مشابه ولا يقل تعقيداً عن ذلك. هناك كانت توجد مناطق خالية اشتريت في نهاية القرن التاسع عشر من قبل اللجان اليهودية، الأشكنازية والسفاردية للقدس، في الخمسينيات استوطنت فيها عائلات فلسطينية لاجئة. البيوت بنتها حكومة الأردن والأمم المتحدة واللاجئون حصلوا على حق السكن فيها مقابل مبلغ رمزي.
في التسعينيات اشترت جمعية اليمين نحلات شمعون الأرض في المنطقة من اللجان اليهودية. الأرض تمت إعادتها للجان استنادا الى قانون ترتيبات الإدارة والقضاء الذي يمكن اليهود من استعادة ممتلكاتهم المتروكة من العام 1948 (القانون لا يمكن عائلات اللاجئين الفلسطينية من الحصول على ممتلكاتها قبل 1948 لأن هذه الممتلكات تم تحويلها للدولة استنادا لقانون آخر وهو قانون أملاك الغائبين). الآن يوجد نحو 30 عائلة تتكون من 200 شخص يمكن أن يتم إخلاؤها من بيوتها في السنوات القريبة القادمة.
في هذه الأثناء يبدو أن المحكمة العليا أعطت مهلة لسكان كرم الجاعوني. قرر القضاة مؤخرا أن يواصل السكان في عدد من البيوت المعدة للإخلاء العيش فيها الى حين استكمال إجراءات تسوية الأرض في المكان واستيضاح الحقوق على الأرض. ولكن عندما سيتم اتخاذ قرار يتوقع أن يؤثر ذلك على عائلات اخرى في المنطقة.
ثلاث مناطق مختلفة لكنها متجاورة تشكل بؤرة الخلاف في قرية سلوان. الأولى هي وادي يتسول، هناك تعمل البلدية على هدم بيوت 100 عائلة. السبب هو أن المخطط الهيكلي الأخير للحي الذي تمت المصادقة عليه في 1977 يخصص المكان كمنطقة عامة مفتوحة، ومثلما في الكثير من الأحياء العربية في القدس ايضا هناك يوجد فصل بين احتياجات السكان وبين التخطيط، العائلات بنت في معظمها بيوتها بدون ترخيص. في الـ 15 سنة الأخيرة يحاول السكان الدفع قدما بخطة تغير تخصيص الأرض في الحي ولكن حتى الآن بدون نجاح. التطور الأخير في القضية حتى الآن كان في تشرين الثاني الماضي، في حينه رفضت المحكمة اللوائية في القدس التماساً قدمته 58 عائلة ضد هدم بيوتها. مع ذلك، حتى الآن تستمر المفاوضات بين السكان والبلدية في محاولة لايجاد خطة تكون مقبولة على الطرفين.
ايضا بيوت حي البستان مستهدفة من قبل البلدية، في هذه الحالة لغرض إقامة متنزه أثري – سياحي باسم «حديقة الملك»، كجزء من الحديقة الوطنية «مدينة داود»، الذي تديره جمعية العاد اليمينية. الآن مئة عائلة تعيش في الحي الذي في معظمه مهدد بالهدم. بدأ هؤلاء السكان يتصلون مع البلدية، في إطار ذلك قدموا خطة أعدها المهندس المعماري يوسف جبارين، والتي تتضمن هدم الحي وإعادة البناء على 60 في المئة من مساحته، والمساحة المتبقية تخصص للمتنزه. مؤخرا رفضت البلدية خطة السكان واقترحت نقل المستأجرين الى عدد من المباني القليلة التي ستقام على مساحة اصغر بكثير من الحي الاصلي، 20 في المئة منه. المفاوضات من اجل العثور على خطة اخلاء – بناء متفق عليها مستمرة.
الحي الثالث المهدد بالخطر هو بطن الهوى الذي يوجد في مركز القرية وفيه تعيش عشرات العائلات. هذا الحي بني على ارض كانت بملكية وقف يهودي في السابق، الذي اقيم في نهاية القرن التاسع عشر لاسكان عائلات مهاجرين يهود من اليمن. بسبب اشتداد الوضع الأمني في فترة الثورة العربية أمرت حكومة الانتداب في 1938 المهاجرين بمغادرة الحي. البيوت هدمت، ومع مرور الوقت اشترى فلسطينيون الأرض وقاموا ببناء بيوتهم عليها، وبأثر رجعي قالوا إنهم لم يعرفوا أن الملكية لم تكن في ايدي البائع.
كل شيء بقي هادئا الى أن وافقت المحكمة المركزية في القدس في العام 2001 على طلب أعضاء عطيرت كوهنيم بأن يصبحوا أمناء على الوقف. بعد سنة حرر القيم العام الأرض ونقلها الى الأمناء الجدد وبهذا عرض سبعين عائلة لخطر الإخلاء.
القصة وصلت الى المحكمة، وفي السنة الماضية رفضت قاضية المحكمة العليا، دفنه براك ايرز التماسا مبدئيا للفلسطينيين ضد الوقف. في المقابل، وافقت محكمة الصلح في القدس على التماس عطيرت كوهنيم ضد العائلات وأمرت بإخلائها. ولكن قرار المحكمة العليا بخصوص الشيخ جراح يمكن أن يؤثر ايضا على السكان في هذه المنطقة.
قبل أسبوعين دخل أعضاء عطيرت كوهنيم الى مبنى فندق البتراء قرب شارع يافا. في هذه المرحلة احتلوا فقط قسما من الفندق كجزء من نضال قانوني لأعضاء الجمعية اليمينية لاحتلال كل الفندق. هذا إضافة الى محاولة وضع اليد ايضا على فندق «امبريال» المجاور. دخول المستوطنين الى المكان اصبح ممكن بعد نضال قانوني متعرج استمر 18 سنة بين البطريركية اليونانية، التي كانت صاحبة الفنادق ومنذ العام 2005 وهي تتنكر لصفقة البيع، وبين شركات وهمية تسيطر عليها عطيرت كوهنيم. يصعب المبالغة بدرجة اهمية الحدث في نظر رؤساء الكنائس في القدس. من ناحيتهم الحديث يدور عن كارثة حقيقية ستؤدي الى تغيير طابع الحي المسيحي في البلدة القديمة. التهديد كبير من ناحيتهم، الى درجة أن جميع رؤساء الكنائس في المدينة توحدوا بصورة غير مميزة كليا للقدس، للقيام بعدة مبادرات احتجاج ضد حكومة اسرائيل. «احتلال فندق البتراء من قبل الجمعية المتطرفة عطيرت كوهنيم يشكل تهديدا على استمرار وجود الحي المسيحي، والوجود الهادئ للمجموعات المختلفة في القدس»، كتب في البيان الذي نشره أول أمس رؤساء الكنائس.
ليس الوقف وليس السكان اليهود الذين هربوا وحتى ليس متنزه جديد هي التي تهدد سكان جبل المكبر. في هذه الحالة عشرات البيوت يتهددها خطر الهدم بسبب شارع. أي رغبة البلدية في توسيع احد الشوارع القائمة وهو الشارع الاميركي الذي يربط جبل المكبر والشيخ سعد. مؤخرا بدأ سكان الحي في التظاهر بشكل دائم امام مبنى البلدية احتجاجا على الخطة. وفي غضون ذلك هذه الخطة لم تتم المصادقة عليها بعد نهائيا.
خلافا لجيرانهم، فان سكان العيسوية حصلوا على انباء سارة مع نجمة صغيرة. بلدية القدس دفعت قدما وصادقت على خطة هيكلية جديدة للحي، الذي معظم البيوت فيه بنيت بدون تراخيص. الخطة يمكن أن تسمح لعدد كبير من السكان بالحصول على ترخيص بأثر رجعي لبيوتهم. ولكن رغم المصادقة إلا أن الكثير من السكان يشعرون بأن احتمالية الحصول على رخص البناء المأمولة ما زالت ضعيفة. وماذا بشأن توسيع الحي المكتظ؟ خطة كهذه غير موجودة. الخطة التي توجد هي الاعلان عن حديقة وطنية قريبة، لكن هذه الخطة ما زالت عالقة حتى الآن.
رسميا قرية الولجة الفلسطينية توجد خارج حدود بلدية القدس. ولكن جزءا منها مساحته 80 دونما والذي يعيش فيه نحو ألف شخص، تم ضمه للعاصمة، ومن يعيش هناك معرض ايضا لعدد كبير من تهديدات مقدسية، بالاساس خطر الهدم لعدد من البيوت. في السنوات الاخيرة هدمت الدولة 30 بيتا في القرية، و50 بيت آخر توجد لها اوامر هدم معلقة. مؤخرا قدم السكان التماس حول الامر وطالبوا بأن تقوم اللجنة اللوائية للتخطيط وبلدية القدس بمناقشة المخطط الهيكلي الذي أعدوه للقرية. في الجلسة التي عقدت في الاسبوع الماضي في المحكمة العليا وافقت الدولة على تجميد الهدم لنصف سنة من اجل اعطاء فرصة للدفع قدما بالمخطط الهيكلي.
الولجة هي حالة متطرفة للاضطهاد التخطيطي في القدس. رغم أن نصف القرية تم ضمه للقدس في 1967 إلا أن الدولة لم تكلف نفسها في أي يوم عناء وضع خطة هيكلية للحي، لذلك لا يوجد أي إمكانية للبناء فيه بصورة قانونية. في محيطه بالضبط لا توجد مثل هذه المشكلة. على التلال المجاورة أقيمت على مر السنين حي غيلو وهار غيلو وأحياء اخرى. وعندما بنيت هذه المستوطنات فان سكان الولجة تم تقييدهم. القرية أحيطت بجدار الفصل والأراضي الزراعية والسلاسل الحجرية الفاخرة فيها اعلن عنها كحديقة وطنية ومشهد ثقافي من الجدير حمايته.
من بلدية القدس جاءنا الرد التالي: «في السنوات الاخيرة نقود عملية تاريخية للدفع قدما ببناء قانوني ومنظم في شرقي القدس، وذلك بعد اكثر من خمسين سنة للاهمال وعدم المعالجة. ضمن امور أخرى، رئيس البلدية يقود مشاريع للتجديد البلدي والبناء – الاخلاء، بتعاون وحوار مع السكان والقادة. فقط مؤخرا اتفق مع سكان حي بشير الذي يوجد على مدخل جبل المكبر على خطوة مشتركة للتجديد البلدي.
«ايضا في السنة الأخيرة تم الدفع قدما بخطط هيكلية مفصلة، غير مسبوقة في حجمها، لأحياء العيسوية ورأس العامود. وفي السنوات القريبة القادمة سيتم الدفع قدما بخطط مشابهة في احياء اخرى. وبخصوص رخص البناء تم اعطاء في الثلاث سنوات الأخيرة 424 رخصة بناء لمشاريع في أحياء في شرقي القدس. هذا مقابل 212 رخصة بناء أعطيت في 2017 و186 رخصة أعطيت في 2018. بفضل المصادقة على الخطة الرئيسية وخطط هيكلية جديدة في الأحياء العربية، يتوقع أن يرتفع عدد الرخص في السنوات القريبة القادمة بصورة دراماتيكية».
عن «هآرتس»