سلوك قوات الجيش الإسرائيلي التي وصلت لتعزيز الشرطة في مواجهة عملية إطلاق النار في تل ابيب ذكّرت الكثير من ضباط الجيش بالمواجهة مع موجة العمليات في 2015. في حينه فإن ضخ القوات العسكرية الى المدينة كان يكتنفه سلسلة مشكلات أدت الى تعريض الحياة للخطر حقاً. حسب اقوال هذه المصادر الرفيعة في الجيش وفي الشرطة التي تحدثت مع "هآرتس" فان المشاهد تكررت ايضا في يوم الخميس الماضي.

في تشرين الاول 2015 شهدت اسرائيل موجة "ارهاب" كانت مختلفة بخصائصها عن ما واجهته منظومة الامن حتى تلك الفترة. لقد حل محل رؤساء منظمات الارهاب وقوائم المطلوبين في تلك الفترة شباب فلسطينيون من الضفة ومن شرقي القدس لم يكونوا معروفين للأجهزة الأمنية، ولم يكونوا مدعومين من قبل تنظيمات ارهابية ولم يتعرضوا لدعاية متطرفة في المساجد، ونفذوا العمليات بواسطة اسلحة مما كان يتوفر لديهم مثل سكاكين المطبخ والمقصات، وبواسطة سياراتهم الخاصة.
ايضا في حينه، مثلما هي الحال الآن، تقرر تعزيز الشرطة بمئات جنود الجيش الاسرائيلي من وحدات خاصة بحيث يتجولون في الشوارع في محاولة لإحباط تنفيذ عمليات، كخطوة سريعة لاعادة الشعور بالأمن في اوساط المواطنين.
في 22 تشرين الاول 2015، في اطار هذه النشاطات، كان جنديان من وحدة مختارة ينويان الصعود في حافلة في القدس في مهمة حماية. في تلك الفترة لاحظا شخصاً مشبوهاً وهو ينزل من الحافلة. وبعد نقاش فيما بينهم تولد لديهم الشك بأن هذا الشخص هو مخرب. احد الجنود اطلق النار عليه، ونتيجة لاطلاق النار قتل على الفور. فقط بعد فحص أولي تبين أن الامر يتعلق بمواطن اسرائيلي اسمه سمحا حودادتوف، وهو مهاجر من جورجيا، خدم في الناحل الاصولي وعانى من اعاقة في الكلام.
هذا الحادث عاد الى ذاكرة جميع الضباط الكبار في الجيش الإسرائيلي الذين خدموا في تلك الفترة، عندما شاهدوا في الايام الاخيرة سلوكاً غير مسؤول، حسب رأيهم، لقوات الشرطة والجيش الاسرائيلي والشاباك في شوارع تل ابيب اثناء مطاردة المخرب الذي نفذ العملية.
"حقيقة أننا أنهينا هذه الحادثة بدون قتلى بنيران قواتنا هذا من حسن الحظ وليس أي شيء آخر"، قال للصحيفة مصدر امني رفيع شارك في النشاطات في تل ابيب. "لا أحد يعرف ما الذي يحدث هناك. جنود ومواطنون كانوا يركضون وهم يحملون السلاح الى بيوت السكان. وقد كانوا يركضون وهم مسلحون وراء مدني بين الازقة دون أن يعرف أحد عن الآخر. هذا كان اهانة من ناحية تنفيذية ومن كل ناحية اخرى".
بعد بضعة اشهر على اطلاق النار على حودادتوف نفذ "المخرب" نشأت ملحم عملية إطلاق النار في ديزنغوف في تل ابيب. ايضا في حينه بدأ يركض في شوارع تل ابيب رجال امن مسلحون بصورة عرضت للخطر حياة المواطنين. بعد هذه الاحداث بدأ عمل طاقم مشترك لجميع الجهات الامنية بقيادة قسم العمليات في الجيش الاسرائيلي، الذي كان من شأنه صياغة اجراءات واضحة لربط قوات الشرطة والجيش بالمجال المدني.
تم تحديد التعليمات طبقاً لقانون الصلاحيات في حدث طوارئ مدني ومساعدة الجيش الاسرائيلي في حماية المواطنين. حسب القانون في اسرائيل فان الحدث الذي يجري داخل اراضي اسرائيل وفيه يكون مطلوب تدخل الجيش سيكون ذلك تحت المسؤولية القيادية لضابط الشرطة الاعلى في المنطقة، قائد لواء أو قائد المنطقة. فقط في ظروف محددة وفي حالة أن الشرطة لا تستطيع تنفيذ المهمة مثلما في احداث الكوارث الطبيعية والحرب فان المستوى السياسي مخول بنقل المسؤولية الى جهة عسكرية. ولكن عملية مثل التي حدثت في تل ابيب لا تحتاج مثل هذه الخطوة المتطرفة، لذلك فان المهمة كانت تحت مسؤولية لواء تل ابيب في الشرطة. حيث قائد اللواء وقائد المنطقة هما قادة الحدث. "لقد تم وضع قواعد عمل واضحة في حالات كهذه"، قال مصدر امني سابق كان عضوا في الطاقم الذي تم تشكيله لوضع قواعد العمل. "هناك تقسيم منظم وواضح للوظائف، الامر الذي لم يكن في هذه الحادثة".
يدعي الآن ضباط كبار في شرطة اسرائيل وفي الجيش الاسرائيلي بأن كمية قوات الجيش والشاباك والشرطة التي وصلت الى ساحة العملية كانت كبيرة الى درجة غير ضرورية وبصورة صعبت على النشاطات. تم استدعاء جنود من وحدات خاصة الى المكان وصلوا مباشرة الى ساحة العملية، خلافا للاجراءات التي تقول إنه يجب استدعاء القوات التي هي ليست جزءا من الشرطة الى نقطة استعداد بعيدة، واعطاء المشاركين احاطة حول الحادثة، وأن يضاف الى كل قوة خارجية ضابط شرطة يعمل كرجل اتصال مع القيادة التي تدير الحدث.
"هم لا يمكنهم أن يكونوا مستقلين على الارض"، قال المصدر نفسه. "يجب اعطاء تعليمات لهم وارسالهم لتنفيذ مهمة واضحة. يجب الحرص على أن يكون لديهم زي عسكري وعلامات تشخيص معروفة للجميع، هناك اجراءات ربط واضحة. ما الذي كان سيحدث لو وصل الى ساحة العملية جندي معه سلاح مع قذيفة؟ هل يمكن الاعتماد على مقاتل دورية يعتقد أنه كان يدخل الى مستودع أن لا يقرر اطلاق قذيفة؟ ما حدث في تل ابيب هو حدث يجب على شخص أن يقوم بالتحقيق فيه، لأننا ما نزال في ذروة الارهاب هذه ويمكن أن يكون هناك حادث مشابه بعد ساعة".
وصف مصدر عسكري كبير شارك في ادارة الحدث في تل ابيب الخطر في وضع فيه يقوم اشخاص مسلحون بملابس مدنية بالبحث عن مطلوب مسلح بملابس مدنية. "في هذه المنطقة يعيش جزء من الجنود الشباب في الخدمة الدائمة من الجيش والشاباك الذين يذهبون للدراسة"، قال المصدر. "خلال دقائق مئات الجنود في الخدمة الدائمة والجنود الذين يعيشون في المنطقة خرجوا من بيوتهم بملابس مدنية وهم يحملون السلاح وبدأوا يركضون في الساحات من اجل اطلاق النار على المخرب. حتى ذلك الوقت لم يعرف أي أحد كيف كان شكل المخرب. الجميع بحثوا عن شخص بملابس مدنية ويحمل مسدسا في الوقت الذي فيه في تلك المنطقة كان يتجول مئات الاشخاص الذين يستجيبون لهذا الوصف. لم يكن يجب أن يكون الامر هكذا. لا يمكن أن يكون هناك حدث كهذا بدون سيطرة من القيادة".
الخطأ في التشخيص ليس هو الخطر الوحيد. "الحديث هنا يدور عن مواطنين واطفال يوجدون في المنطقة. تعالوا نتخيل وضعا يشخص فيه الجنود مخرباً يقف في منتصف شارع ديزنغوف، ماذا سيحدث عندها؟ سيطلقون النار في الشارع؟ من الذي سيطلق النار؟ كم شخصا سيطلق النار؟ ماذا سيطلقون؟ لا أحد يعرف من يطلق على من، وهذا الحدث يمكن أن ينتهي بعشرات القتلى والمصابين"، قال ضابط سابق في الشرطة كان مشاركا في كتابة برامج عملياتية مشتركة للشرطة والجيش.
الانتقاد في الجيش الاسرائيلي موجه، من بين جهات اخرى، الى المستوى السياسي الذي ضغط على تعزيز قوات الشرطة والشاباك في محاولة البث للجمهور بأن الحدث تحت السيطرة. وحسب اقوال جهات عليا في شرطة اسرائيل فانه ليس الشرطة هي التي طلبت التعزيز من الجنود لصالح ملاحقة المخرب. في الساحة كان هناك مئات رجال الشرطة وجنود وحدة حرس الحدود الخاصة ووحدات شرطة خاصة اخرى، بمساعدة جنود حرس الحدود الذين يعرفون التصرف عملياً في المجال المدني. هدف التعزيز حسب هذه المصادر كان اظهار حضور زائد وليس القاء القبض على المخرب.
"بدلا من ملاحقة المخرب نشأ وضع انتقل فيه جل الاهتمام الى محاولة السيطرة على القوات التي تدفقت الى هناك"، قال ضابط كبير في الشرطة. "جنود بدون تجربة في المجال المدني عملوا هناك مع ضباطهم الذين هم في جيل لا يزيد على 24 – 25 سنة، والذين هم انفسهم ليست لديهم تجربة. قرار التعزيز، كم وكيف، يجب أن يبقى في يد شرطة اسرائيل. ومحظور أن تكون هناك اعتبارات اخرى اثناء النشاطات العملياتية، وبالتأكيد اثناء محاولة القاء القبض على مخرب مسلح كان يركض في مركز المدينة".
"المخرب لم يتم القاء القبض عليه خلال دقائق، وكان واضحا أن الحدث سيستمر طوال الليل وربما سيستمر لايام"، قال للصحيفة ضابط رفيع في جهاز الامن قاد عمليات كبيرة لاحباط تنفيذ عمليات ارهابية داخل اسرائيل وخارجها. "كان يجب في لحظة معينة تجميد الوضع واعطاء الاوامر لجميع الاطر بأن يرتدوا الزي الرسمي ووضع علامات فارقة. قبعة الشرطة غير كافية، حتى المخرب يمكنه شراءها من البسطة. يجب أن تكون هناك تعليمات واضحة بأن من لا يرتدي الزي العسكري يجب عليه مغادرة المنطقة. وكل رجال الامن الذين صادف تواجدهم هناك كان يجب ببساطة أن يقال لهم أن يعودوا الى البيوت".
ضابط في وحدة خاصة ويعمل بصورة سرية في المجال المدني تطرق للتغطية الاعلامية للحدث التي أدت الى انتقادات. حسب اقواله فان الذنب في كشف المقاتلين ليس هو ذنب المراسلين. "لا يمكن القاء المسؤولية على مراسل بعينه. يُحضرون الى هناك وحدات خاصة ومستعربين وجنوداً، الذين اذا كشفنا عن هويتهم يمكن أن تكون هناك مشكلة، لا أحد قال لهم أن يأتوا وهم يضعون الاقنعة على وجوههم أو يحاولوا اخفاء وجوههم بطريقة معينة. الجميع الآن ينتقدون وسائل الاعلام، وربما يوجد في ذلك الكثير من الحق. ولكن عندما تصل الى منطقة في مركز تل ابيب فأنت تعرف أن كل ولد عمره 13 سنة يمكنه التصوير والتنزيل في "تك توك". المسؤولية هي مسؤوليتك، عندما تُدخل الى هناك جنوداً يكون محظورا كشفهم".
التعاون بين الاجهزة الامنية في اسرائيل، لا سيما بين الجيش والشرطة، هو موضوع طرح اكثر من مرة في تقارير مراقب الدولة. في جميع التقارير التي فحصت احداث كان مطلوباً من الجهتين العمل معاً، مثل كارثة الحريق في الكرمل والاستعداد لكارثة طبيعية أو خروقات كبيرة للنظام، تم توجيه الانتقاد بسبب عدم التنسيق بينهما. في التقرير الذي فحص سلوك جهاز الانقاذ في كارثة الكرمل كتب أنه "لم نجد أن الشرطة والجيش قد نفذا تقديراً مشتركاً للوضع لكل الاجهزة المشاركة في معالجة الحدث". ايضا في موضوع وسائل الاعلام في الوقت الحقيقي بين القوات المختلفة كانت هناك اخطاء. والمراقب اشار الى متخذي القرارات بأنه يجب على الفور اقامة "منظومة راديو وطنية مشتركة وموحدة لجميع جهات الطوارئ والانتقاذ، التي تسمح بالاتصال المستمر بين الاجهزة في حالة الطوارئ وفي حالة كارثة عامة، دون الاعتماد على منظومات اتصال شركات الهواتف المحمولة. ولكن حتى الآن هذا الدرس لم يطبق".
"كان من الصعب جداً فهم من يوجد في منطقة الحدث، وكم هي الساحات وما هو الوضع على الارض"، قال للصحيفة مصدر طبي كبير كان في ساحة الحدث. "كان هناك الكثير من التقارير التي لم تكن صحيحة، والكثير من الشائعات ولم يكن بالامكان معرفة ما هو صحيح وما هو غير صحيح. الجهات الطبية ببساطة ركضت بين نداء ونداء ولم يتم اطلاعها على التحديثات ازاء جميع القوات التي عملت. هذا كان حدثاً غير بسيط بالمطلق، ويجب علينا الفهم بأن هذا يمكن أن يكلفنا حياة البشر. في هذا الوضع كان من الصعب جدا الوصول الى المصابين في وقت حاسم وإنقاذهم".
في الجيش الإسرائيلي وفي الشرطة ينوون تشكيل طاقم مشترك بحيث يفحص سلوك القوات وأداء القيادة العليا في الحدث. ضمن أمور اخرى تقرر إعادة فحص أي القوات يمكنها الوصول الى حدث أمني في الساحة المدنية، وهل يمكن السماح للجنود بالعمل بصورة عملياتية في منطقة مدنية مأهولة، وكيف يمكن جسر الفجوة بين قدرة جندي تم اعداده لمواجهة عدو في ميدان معركة ووضع سيعمل فيه امام مخرب في محيط مدني.

عن "هآرتس"

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف