- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2015-08-24
الاصلاح الديمقراطي والبرنامج الوطني الموحّد والموحّد، هو السبيل إلى إنهاء فوضى النظام السياسي الفلسطيني ومعالجة أزماته.
الحديث عن النظام السياسي الفلسطيني، يكتسب أهميته من كون النظام هو البوتقة المعنية بتنظيم الحالة الفلسطينية، في إطار مشروعها الوطني الموحد، من أجل تحقيق أهدافها النضالية، في التحرر والخلاص من الاحتلال والاستيطان، وضمان عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية بحدود الرابع من حزيران (يونيو) 67.
يصعب علينا توصيف النظام السياسي الفلسطيني توصيفاً بحد ذاته، لأنه نظام يتمظهر بأكثر من مظهر، ولكل مظهر أبعاده السياسية، والتزاماته السياسية وآليات عمل هيئاته التشريعية والتنفيذية والإدارية.
• يتمظهر النظام السياسي الفلسطيني على شاكلة دولة، تحتل مقعداً مراقباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومعترف بحدودها، وبعاصمتها، وبحقها في الاستقلال. لها رئيس، ولها علم، ونشيد وطني، وسلك دبلوماسي، وطورت أخيراً جواز سفرها، ليحمل اسم دولة فلسطين بعدما كان يحمل اسم السلطة الفلسطينية. بالمقابل تفتقر هذه الدولة إلى حكومة، ورئيس للحكومة، كما تفتقر إلى مجلس نواب [أي للسلطتين التشريعية والتنفيذية]. هذه الدولة تفتقر إلى الاستقلال، وهي تحت سلطة الاحتلال، وحدودها وأرضها ينتهكها الاستيطان، وعاصمتها خارج إطار أية سيطرة فلسطينية، إدارية أو سياسية، فضلاً عن كونها معلنة من قبل الجانب الآخر، جزءاً من العاصمة الموحدة للكيان الإسرائيلي. هذه الدولة لم تنجز حتى الآن اجراءات انتمائها إلى المجتمع الدولي، فما زالت هناك مؤسسات دولية لم يتم الانتساب إليها، فضلاً عن أن هذه الدولة لم تفعل تنسيبها إلى المؤسسات الدولية الأخرى، كمحكمة الجنايات الدولية، حيث مازالت تكتفي برفع الملفات إلى المحكمة وابلاغها بالجرائم الإسرائيلية دون الانتقال إلى تقديم الشكوى، والمطالبة بمحاسبة مسؤولي دولة إسرائيل على ما يرتكبونه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني [الاستيطان، الأسرى، الحرب على غزة وحصارها، جريمة حرق عائلة دوابشة..الخ].
وبالتالي، كخلاصة سريعة. النظام السياسي الفلسطيني يأخذ هنا مظهر «الدولة»، لكنها دولة مع وقف التنفيذ، خاصة بما يتعلق بإعلان سيادتها على كل شبر من أرضها، وتدويل القضية عبر نقل الأمر إلى مؤسسات الأمم المتحدة [مجلس الأمن، الجمعية العامة، محكمة الجنايات الدولية، محكمة لاهاي]، والإعلان عن حرب الاستقلال للخلاص من الاحتلال والاستيطان.
* * *
• يتمظهر النظام السياسي الفلسطيني، من زاوية أخرى، باعتباره طرفاً في اتفاق أوسلو، وملحقاته، ويأخذ شكل الإدارة الذاتية، تحت عنوان «السلطة الفلسطينية». وهي مرتبة أدنى بكثير من مرتبة الدولة، مفتوحة على كل الاحتمالات، احتمال التحول إلى دولة، أو احتمال تحويل الحل المؤقت [أي الإدارة الذاتية] إلى حل دائم، أو احتمال الحل الكونفدرالي، إما مع إسرائيل، أو مع الأردن، أو مع الطرفين معاً. لهذه الإدارة [السلطة] رئيس، هو نفسه «رئيس الدولة»، وحكومة، ووزير خارجية، تتداخل مسؤولياته بطرق عشوائية مع مسؤوليات وزير خارجية الدولة [من حيث مرجعية السلك الدبلوماسي الفلسطيني]. للسلطة أجهزتها المختلفة، لكنها تعيش سلسلة من التعقيدات بفعل أمرين: مزاحمة حماس لها في غزة من موقع انقسامي، ومضايفة الاحتلال لها، من موقع الهيمنة والتطبيق الأحادي للاتفاقات والبروتوكولات. مسؤولياتها متفاوتة بين منطقة (أ) ومنطقة (ب) وتغيب عن منطقة (ج). عاصمتها الفعلية هي رام الله، دون اسقاط القدس من النشيد الوطني. وكل ما يدور في رام الله ينبئ بأنه يتم تحضيرها لتكون في نهاية المطاف هي العاصمة. ترتبط بعملية تفاوضية مع الجانب الإسرائيلي، وفق اتفاق نص على خمس سنوات كسقف أعلى لحسم قضايا الحل الدائم، وها نحن ندخل العام الثاني والعشرين دون أي حسم ودون أي أفق يبشر بالحسم. سلطة تراوح مكانها، تعاني أزمة مالية، واقتصادية، وإدارية، وسياسية وتفاوضية، ما ينعكس على الواقع الاجتماعي أزمة متعددة المظاهر والتداعيات. سلطة بيروقراطية تدمن على المفاوضات حلاً وحيداً للنزاع مع الإسرائيلي وشعارها «الحياة مفاوضات»، لكنها مفاوضات ذات سقف ينخفض أكثر فأكثر، كلما أوغلت في المفاوضات، كلما انخفض السقف، وأصاب الأفق المزيد من الانسداد.
* * *
التمظهر الآخر، هو العودة إلى الجذور باعتباره نظاماً سياسياً لحركة تحرر وطني، لشعب تحت الاحتلال وفي مواجهة الاستيطان، يتوحد تحت سقف جبهته الوطنية الموحدة، ممثلة في م.ت.ف ممثله الشرعي والوحيد، صاحبة البرنامج النضالي الموحّد والموحّد، والذي تم تحيينه في وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى) في 26/6/2006 في مدينة غزة. مشكلة هذا النظام أنه يفتقر إلى «النظام». فهيئاته مشلولة (المجلس الوطني بشكل خاص) وما يعمل منها، افرغ من مضمونه، ويجري تعطيل قراراته بتوجيه من «المطبخ» الذي أحلّ نفسه محل اللجنة التنفيذية، والمجلس المركزي، وأحلّ توجهاته السياسية بديلاً لقرارات الهيئات، يرسم استراتيجية العمل الوطني خارج مبادئ الشراكة الوطنية، وخارج مبادئ التوافق الوطني. التجربة الأخيرة، تتمثل في تعليق قرارات المجلس المركزي في آذار (مارس) الماضي، والعودة إلى نغمة استئناف المفاوضات، عبر تجاوزات غير محدودة، منها اللقاء بين صائب عريقات وسيلفان شالوم في عمان من خلف ظهر الهيئات، والرهان على المشروع الفرنسي والتحرك الأوروبي لطرح صيغة أخرى، ليس فيها جديد، لاستئناف المفاوضات. منها أيضاً، ادخال تعديل على الحكومة الحالية، بينما ينص القرار الوطني بتشكيل حكومة وطنية تمثل الطيف السياسي الفلسطيني كله وبرضا الأطراف جميعها.
قد نستفيض هنا وهناك، في شرح مساوئ النظام السياسي الفلسطيني وثغراته وفوضاه، ما يوفر المناخ المناسب لسياسة التفرد، والاستفراد، لتفرض نفسها بديلاً للهيئات وبديلاً للشراكة الوطنية وبديلاً لسياسات التوافق الوطني.
ما يتطلب إدخال اصلاحات واسعة على هذا النظام، بعنوانين:
• الأول: إعادة بناء المؤسسات على أسس ديمقراطية بالانتخاب وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل [مجلس وطني، تشريعي، بلديات، مؤسسات نقابية ومهنية ومؤسسات مجتمع مدني...] وبحيث تستمد هذه المؤسسات سلطتها من سلطة صندوق الاقتراع خارج نظام المحاصصة والكوتا البائد. وبما يضع حداً للاستفراد والتفرد، ويفتح باب المساءلة القانونية والديمقراطية.
• الثاني تحيين البرنامج الوطني الفلسطيني الموحّد والموحّد كما أقرته الحوارات والمؤسسات الوطنية [وثيقة الوفاق الوطني وقرارات المجلس المركزي في آذار (مارس) الماضي]. برنامج يشكل سلاحاً بيد كل الشعب، ومؤسساته، تصونه سياسة الشراكة الوطنية والحد من التفرد والاستفراد.■