شهدت المناضلة انتصار الوزير "أم جهاد" على ضرورة قيام كل صاحب تجربة نضالية بتوثيقها لحفظها كجزء من ذاكرة وتاريخ فلسطين وشعبها وثورتها، ولتكون متكأً للأجيال القادمة من شباب فلسطين وأطفالها، بقولها: على الجميع أن يؤرخ للثورة وتاريخ فلسطين، فهناك الكثير من المناضلين الذين ضحوا بأنفسهم من أجل الوطن والتحرر يحتاجون لمن يخلّد ذكراهم، وهناك مَن هم على قيد الحياة ممن عاشوا تجارب في غاية الأهمية لا بد من توثيقها وإصدارها في كتب تخلّد تجاربهم.

جاء ذلك خلال حفل إطلاق كتاب "رفقة عمر" (مذكرات انتصار الوزير "أم جهاد")، الصادر حديثاً عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وذلك في قاعة المنتدى بمتحف ياسر عرفات، في مدينة البيرة، مساء أمس، بحضور نخبة من أعضاء اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح وقيادات في فصائل العمل الوطني، وعدد كبير من رموز الثقافة والإعلام ومن المهتمين.

وقصّت الوزير العديد من الحكايات النادرة التي اشتمل عليها الكتاب، خاصة عن "أمير الشهداء" خليل الوزير "أبو جهاد"، منذ كان طفلاً في الرملة، فيافعاً وشاباً في قطاع غزة، ومن ثم انتقاله إلى مصر، وتجربته وإياها في الكويت والجزائر وسورية وبيروت، مروراً بانضمامه ومن ثم انسحابه من حركة الإخوان المسلمين، بعد أن اكتشف أنهم لن يتبنوا الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، ومن هنا بدأت بوادر خلايا مقاتلة انطلقت من قطاع غزة، ودوره في انطلاقة حركة فتح، ولقائه الأول مع ياسر عرفات حين أجرى معه حواراً صحافياً في غزة، وليس انتهاءً باستشهاده.

ومن الحكايات النادرة التي قصّتها "أم جهاد" على الحضور: في العام 1954، كان خليل مسؤولاً عن مجلة مدرسة فلسطين الثانوية، وفي ذلك العام نفذت إسرائيل مجزرة بقصف قطاع غزة بقذائف المورتر (الهاون)، التي سقطت في ساحة للمركبات العمومية بجانب دار سينما السامر في القطاع، وفي توقيت تزامن مع خروج رواد السينما بعد مشاهدة أحد الأفلام، فارتقى شهداء وأُصيب الكثير، وكان خليل مصادفة في الساحة، فتوجه إلى بقالة مجاورة لطلب الإسعاف للجرحى، فطالت القذائف البقالة، واستشهد صاحبها، فيما تناثرت شظاياها من كل الجهات حوله، وكُتب له أن ينجو وقتها.

وشددت الوزير على أهمية تدوين الرواية الفلسطينية في مواجهة رواية الاحتلال، كما أكدت ضرورة تخليد ذكرى الشهداء في كل مرحلة من مراحل تاريخ الشعب الفلسطيني، وبطولاته كذلك، ومنها هذه المرحلة التي تشهد كل يوم تقريباً ارتقاء شهود وسقوط جرحى برصاص الاحتلال والمستوطنين، وكان من بينهم القامة الإعلامية والنسوية الفلسطينية الصحافية الحرّة شيرين أبو عاقلة.

وكان الروائي يحيى يخلف، قد شدد على أهمية كتاب "رفقة عمر"، باعتباره جزءاً من تاريخ نضالي كُتب بالدم من أجل الحرية، واصفاً إياه بالكتاب الجامع وطنياً وإنسانياً عن المؤلفة ورفيق دربها زوجها الشهيد خليل الوزير وعن ياسر عرفات وحركة فتح والعمل الوطني، وفلسطين ما قبل النكبة، وغزة في مراحل لم توثق من قبل، وتجربة العمل النضالي في مواقع عربية عدّة، بحيث كان الطرح عميقاً وسلساً في آن.

وأضاف يخلف: أجابت الوزير في كتابها هذا عن أسئلة ما زالت مفتوحة حول تأسيس الثورة و"فتح"، وكيف أصبحت واحدة من أهم ثورات حركات التحرر في العالم، وهو كتاب مرجعي فيما يتعلق بتأريخ الثورة والانطلاقة، ويوثق لمسيرة كفاحية ونضالية أسطورية، كما أنه يسد ثغرة في المكتبة الفلسطينية والعربية بما يتعلق بالمراحل الزمنية التي وثقها، خاصة تاريخ الثورة وتاريخ حركة فتح الذي لم يكتب بعد.

وأشار يخلف، في كلمته ممثلاً عن مؤسسة ياسر عرفات إلى أن صدور هذه الكتاب للمناضلة انتصار الوزير يكتسب أهميته أيضاً لكونه يقدم تجربة تاريخية، ويجيب عن أسئلة حول الفكرة والبدايات وكيف التقى أبو جهاد وياسر عرفات، وحكايات الكثير من المناضلين، مشيراً إلى أن صاحبة الكتاب هي من أسست أول خلية نسائية في حركة فتح، وهي من كُلفت إدارة الحركة حين تم اعتقال غالبية قيادات الحركة.

بدوره قدّم الباحث والأكاديمي د. أحمد جميل عزم مداخلة حول الكتاب بعنوان "صناعة المعنى والاستحضار من أجل المستقبل"، فالوزير، ومن خلال الكتاب، تشدد على أهمية التفكير فيما حدث معنا سابقاً للاستفادة منه استراتيجياً في التخطيط المستقبلي، وكذلك التركيز على أهمية التوثيق وحفظ الذاكرة للأجيال المقبلة.

وكان عزم كشف عن أن فكرة تنفيذ هذا الكتاب تداعب مخيلة انتصار الوزير منذ أربعين عاماً، أي ما بعد اجتياح بيروت، فخرج الكتاب، وإن ركز على هذه الأعوام الأربعين، ليغطي ثمانين عاماً بحيث تبدأ من توجهها إلى الرملة من غزة في العام 1946، حين كانت في سن الخامسة، وكيف التقت بابن عمها خليل الوزير، مختصرة تلك البداية بعبارة "مش متذكر من الرملة إلا خليل"، كما وثقت للحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في فلسطين ما قبل النكبة، والتحولات ما بعدها.

وخلص عزم إلى أن الوزير اعتمدت على خمسة محاور أساسية في كتابها نبني عليها هي: الفكر التحرري والبناء التنظيمي، وآليات الاتصال والإعلام والتشبيك الثورية، والبعد الاقتصادي التنموي في إطار تحرري، والمجتمع والأسرة الفلسطينية، والبرنامج السياسي.

وختم عزم بأن الوزير صاغت الكتاب بلغة سلسة وعمق، بحيث يستحق أن يتحول إلى عمل درامي رفيع المستوى لما يحويه من حكايات نادرة حميمة ما بين الكوميديا والمأساة، وبما فيها من شخصيات واقعية ولكنها ذات طبيعة درامية أيضاً.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف