رام الله بعد تاريخ اليوم 22 مايو/ أيار أصبحت القيود الإسرائيلية الجديدة المتعلقة بزيارة الضفة الغربية نافذة وتهدف أساسا إلى حصار الضفة وتقييد دخول الأجانب (تحديدا الأكاديميين والطلبة) من خلال قائمة أحكام وتعليمات جديدة تتكون من 97 صفحة.
وتنص بعض القيود الجديدة التي تم فرضها وتشرف على تطبيقها الهيئة المدنية العسكرية الإسرائيلية COGAT وهي الجهة التي تدير الشؤون الأمنية في الضفة الغربية على أنه يسمح فقط لـ 150 طالبا أجنبيا بالدخول للأراضي الفلسطينية سنوياً بغرض التعليم ويشترط حصولهم على موافقة إسرائيلية مسبقة وخضوعهم للمقابلة في سفارات الاحتلال عند التقديم للحصول على الفيزا.
وحتى في حال الحصول على “فيزا” ليس من المضمون السماح للزائر بدخول الأراضي الفلسطينية، ويشترط لذلك خضوعه للتحقيق عند وصوله للمعابر او المطارات الإسرائيلية وبناء على التحقيق يتم اتخاذ القرار بالسماح أو رفض دخوله، كما يحق لسلطات الاحتلال طلب كفالة مالية قد تصل لـ 70 ألف شيكل (21 الف دولار) (أو أكثر) عند السماح بالدخول للأراضي الفلسطينية وهو ما يحق لسلطات الاحتلال مصادرتها إذا ما شعرت أن دافع الكفالة خالف شروط دخوله للضفة الغربية.
وحددت التعليمات تأشيرات التدريس، التي يجب ألا تتجاوز 100 تأشيرة. وهو ما يعني تقييد عدد المحاضرين لأدنى عدد، وذلك في خطوة للحد من اشتراك محاضرين أجانب في التظاهرات المناوئة للاحتلال في مناطق التماس.
وبحسب المعايير التي بدأت تطبق أمس يجب أن يكون المحاضِر أو الباحث “متميزاً” وحاصلاً على درجة الدكتوراة على الأقل. كما يجب أن يتقدم بطلب تأشيرة من القنصلية الإسرائيلية في بلاده قبل السفر إلى الضفة الغربية.
وسيكون بإمكان الوحدة التي تتبع جيش الاحتلال التحكم بالمحاضرين والطلبة الأجانب المسموح لهم بالتدريس والدراسة داخل الجامعات الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة، حيث ستُحدد أعدادهم، إضافة إلى تحديد التخصصات والمواضيع المسموح بتدريسها ودراستها. كما سيسمح لمؤسسات التعليم العالي الفلسطينية بتوظيف محاضرين من الخارج في حال استيفائهم المعايير المحددة التي وضعتها إسرائيل.
وبحسب التعليمات سيكون أمام الفلسطينيين من حملة الجنسيات الأخرى ملء استمارات تشمل معلومات وبيانات شخصية لجميع أقاربهم وأصدقائهم الذين يخططون لزيارتهم أو المكوث لديهم تشمل أرقام هوياتهم وأسماءهم، كما يجب عليهم ذكر أي أملاك لهم في الأراضي الفلسطينية او أي أملاك قد يورثونها في المستقبل دون إبداء أي أسباب لطلب مثل هذه المعلومات.
بخلاف ذلك، سيكون لوحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق ووزارة الدفاع الإسرائيلية سلطة تقييد المقررات الأكاديمية التي يدرسها الطلاب الأجانب، الذين سيحتاجون أيضاً لاجتياز مقابلةٍ في القنصلية الإسرائيلية ضمن خطوات طلب التأشيرة.في حين تطلب وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق إرفاق خطاب دعوةٍ رسمي من السلطة الفلسطينية مع طلبات التأشيرة، سواءً للطلاب أو المحاضرين.
وستكون تأشيرات المحاضرين والطلاب ساريةً لمدة عام، مع إمكانية التمديد. ويمكن للمحاضرين التدريس لمدة خمس سنواتٍ متتالية بحدٍّ أقصى، ولكن عليهم المغادرة إلى بلادهم لمدة تسعة أشهر بعد قضاء 27 شهراً في التدريس، وذلك امتثالاً للوائح الإسرائيلية.
وتنص التعليمات على تحديد مدة إقامة العلماء الأجانب في الضفة الغربية بخمس سنوات غير متتالية، مع الطلب بمغادرتهم لمدة تسعة أشهر على الأقل بعد أول 27 شهرًا لهم بالضفة الغربية، وقصر مدة إقامة طلاب الدكتوراة على خمس سنوات تراكمية، وأربع سنوات تراكمية كذلك لسواهم من الطلاب لإكمال شهاداتهم، مع مطالبة الطلاب بالخروج من المنطقة، خلال مدة الدراسة من أجل التقدم بطلب لتمديد التصريح بعد أول 27 شهرًا من الإقامة. بينما يمكن للطلاب الأجانب البقاء لأربع سنوات حتى يحصلوا على شهادات التخرج أو يكملوا أبحاث ما بعد الدكتوراة، ثم يتعيّن عليهم الرحيل بعدها.
يذكر أن هذه القيود وغيرها مفروضة فقط على المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية ولا تنطبق على الراغبين بزيارة المستوطنات الاسرائيلية في الضفة مثلا، والهدف منها هو المحافظة على التحكم بالسكان الفلسطينيين وتوسيع وتغذية قواعد البيانات الاستخبارية لدى الاحتلال بالمعلومات ومنع وصول متضامنين مع الشعب الفلسطيني أو مشاركتهم في الاحتجاجات ضد الاحتلال.

انتقادات وإدانات

وكانت القناة 12 الإسرائيلية قد نقلت يوم أمس الأول أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وجّهت تهديدًا لـ “إسرائيل” ستنفذه في حال دخلت القيود التي تنوي الأخيرة فرضها على دخول الطلبة والمحاضرين الأجانب إلى الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية.
وقالت القناة إن مسؤولين أمريكيين أرسلوا في الأيام الأخيرة رسائل حادّة إلى “إسرائيل” احتجاجًا على إجراءات جديدة بخصوص دخول وإقامة الأجانب في الضفة الغربية، الأمر الذي يعتبره الأمريكيون إجراءً ينتهك حرية التنقل للطلاب والمحاضرين الأمريكيين الذين يأتون إلى المنطقة.
وبحسب القناة فإن ثمة جهات في الإدارة الأمريكية توضح أنه إذا دخل هذا الإجراء حيّز التنفيذ في تموز/ يوليو، فسيتمثل الرد في تأخير وتأجيل برنامج الإعفاء من التأشيرة للإسرائيليين الذين يدخلون الولايات المتحدة.
وخلال اجتماع مجلس التعليم العالي الفلسطيني الأخير الذي عقد برئاسة وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور محمود أبو مويس، عبّر المجلس عن رفضه لقرار الاحتلال القاضي بتقييد التحاق الأكاديميين الأجانب بالعمل في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية.
وأكد المجلس أن هذا القرار هو استمرار لسياسة الاحتلال الرامية للتضييق على مؤسسات التعليم العالي ومنعها من الانفتاح على العالم لتطوير برامجها وخططها بما ينعكس على إثراء خبرات الأكاديميين ومعارف الطلبة، وتعزيز التبادل الأكاديمي عموماً.

رفض فلسطيني

بدورها رفضت جامعة بيرزيت إجراءات الاحتلال الإسرائيلي لدخول الأكاديميين الأجانب إلى الضفة، واعتبرتها “انتهاكا جديدا في إطار السياسة العنصرية بحق شعبنا، واعتداء على مؤسسات التعليم العالي في فلسطين”.
وأشارت إلى أن هذه القرارات تشكل تعديا على حق الجامعة في استقطاب الخبرات الأكاديمية الدولية، وسيضطر أعضاء هيئة التدريس والطلبة الحاليون إلى ترك البرامج الأكاديمية في الجامعة، وستعني الحيلولة دون تمكُّن الجامعة من تعيين موظفين جدد وإجراء بحوث علمية تعاونية وغيرها من عمليات التواصل والتبادل الأكاديمي.
ودعت الجامعة المؤسسات الأكاديمية ومنظمات حقوق الإنسان، إلى رفض هذه الإجراءات، مطالبة بمحاسبة الاحتلال على هذا الانتهاك الواضح للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، والحق في التعليم المنصوص عليه في المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) والمادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966).
بدورها حذرت منظمة “علماء في خطر” (منظمة شبه أكاديمية دولية)، في بيان لها قبل شهر تقريبا، من سريان تطبيق تعليمات الحكومة الإسرائيلية وطالبت بالتراجع عنها، معتبرة أنها تعبر عن قيود على العلماء والطلاب وتعرض حريتهم في التعليم للخطر.
وطالب بيان المنظمة بضرورة إسقاط التوجيه الذي يحدد حصة سنوية من أعضاء هيئة التدريس والطلاب الأجانب المسموح لهم بالدراسة، والبحث على المدى الطويل بمؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، مع قصر تصاريح البحث المستقل على الأفراد الحاصلين على درجة الدكتوراة، ممن تزيد أعمارهم عن 25 عامًا، وهو ما “يلغي بشكل تعسفي فرصة الطلاب الجامعيين والخريجين غير المنتسبين إلى مؤسسات معترف بها في الضفة الغربية، لإجراء بحث مستقل هناك”.
وفي تصريحات روبرت كوين، المدير التنفيذي لشبكة “علماء في خطر” قال إن الشبكة قلقة للغاية من أن القرار سيضر، بشكل كبير، بالمجتمع الأكاديمي الفلسطيني، حيث يُعرّض كل الباحثين العاملين حاليًا، في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، ممن يملكون تصاريح إقامة، إلى خطر إجبارهم على المغادرة وإلغاء أدوارهم، مما يؤدي إلى انهيار المشروعات البحثية التي يعمل بها مئات، إن لم يكن الآلاف من الطلاب المحليين والدوليين.
وتوقع كوين في تصريحات لمنصة الفنار للإعلام المتخصصة في شؤون التعليم أن تكافح الجامعات الفلسطينية لتوظيف أعضاء هيئة تدريس، وطلاب دوليين جدد، لملء هذه الوظائف عند شغورها، بموجب المتطلبات والقيود التي أدخلها التوجيه الإسرائيلي، مما يزيد من تعطيل وظائف التدريس والبحث.
واحتجت لجنة الحرية الأكاديمية لجمعية دراسات الشرق الأوسط الأمريكية (MESA) على التعليمات الجديدة عبر بيان موجه إلى الحكومة الإسرائيلية، معتبرة أن هذه السياسة تمنح الجيش الإسرائيلي سلطة أحادية الجانب لاختيار واستبعاد أعضاء هيئة التدريس، والباحثين الأكاديميين، والطلاب الدوليين الذين يرغبون في التدريس والدراسة وإجراء البحث في الجامعات الفلسطينية.
ورأت الجمعية في هذه الخطوة محاولة لعزل العلماء والطلاب الفلسطينيين عن المجتمع الأكاديمي الدولي، وشكلًا من أشكال الرقابة التي تهدف إلى تقييد حرية التعبير وتكوين الجمعيات للأكاديميين والطلاب الدوليين من خلال حرمانهم من الوصول إلى العلماء والطلاب الفلسطينيين والمشاركة معهم.

انتقادات أممية

وتعرضت دولة الاحتلال لانتقادات أممية لقيود فرضتها السلطات (الإسرائيلية) على دخول وإقامة الأكاديميين الأجانب بالضفة الغربية، حيث أكد خبراء حقوق إنسان تابعون للأمم المتحدة أن الإجراءات الجديدة لدخول وإقامة الأجانب في منطقة الضفة الغربية، والتي أقرتها إسرائيل قد يكون لها تأثير سلبي على التمتع بالحرية الأكاديمية في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وأوضح الخبراء في مذكرة أرسلت للسلطات (الإسرائيلية)، في 29 أبريل/ نيسان 2022، ولم يتم الرد عليها، أنه في شباط/ فبراير 2022، أصدر مكتب تنسيق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق توجيهًا جديدًا ينظم إجراءات التقديم للأجانب الذين يرغبون في الحصول على تصاريح للدخول والإقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة لغرض أكاديمي.
وأضاف الخبراء أن الجزء الثالث من التوجيه يحدد بشكل خاص عمليات إصدار التصاريح “لأغراض محددة”، بما في ذلك المحاضرين الأجانب والباحثين والطلاب في مجال التعليم العالي، ويمنح التوجيه مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق سلطة تقديرية واسعة للغاية لاختيار والحد من عدد الأكاديميين والطلاب الأجانب الذين يمكنهم الدراسة وإجراء البحوث في الجامعات الفلسطينية.
وأبدى الخبراء قلقهم الشديد من أن التوجيه هذا يمكن أن يقيد الحرية الأكاديمية، في انتهاك للحق في التعليم المعترف به في المادة 13 من الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي تعد (إسرائيل) دولة طرفا فيها.
ويسعى المجتمع الأكاديمي الفلسطيني إلى العمل لمواجهة الإجراء الإسرائيلي الجديد عبر ثلاثة خطوط، الأول: اجتذاب تضامن وضغط على إسرائيل من منظمات متعاطفة. والثاني: إجراء اتصالات دبلوماسية مع ممثلي دول أوروبية، والثالث: مسار قانوني لتفنيد القرار، ويتولى هذا الأمر مؤسسة عدالة الفلسطينية التي تنشط في المناطق الفلسطينية عام 1948.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف