الناصرة ـ “القدس العربي”:

تزامنا مع الذكرى السنوية الرابعة والسبعين للمذبحة يعرض الإثنين فيلم “طنطورة” الوثائقي للمخرج الإسرائيلي ألون شفارتز ضمن ما يعرف بمهرجان تل أبيب لـ الأفلام الوثائقية 2022.

ويتوقع كثيرون أن يثير الفيلم الذي يكشف عن شهادات حول ارتكاب جنود وحدة “الكسندروني” مذبحة في قرية الطنطورة في 23 مايو/ أيار 1948 ضجة وردود فعل عاصفة.

وسبق أن أثار هذا الفيلم قبل شهور ضجة غداة عرضه في مهرجان ساندنس للأفلام السينمائية في الولايات المتحدة ومن ضمنها مقال طويل نشرته صحيفة “هآرتس” للمستشرق الإسرائيلي ماتي شطاينبيرغ (مفارقة الطنطورة: لماذا لا يتحدث الفلسطينيون عن “المذبحة”؟ 03.03.2022).

عادل مناع المختص بتاريخ فلسطين في الحقبة العثمانية والانتدابية يوضح أن شطاينبيرغ حددّ في السطر الأخير من مقالته أن هناك “مفارقة طنطورة” في كل المداولات حول دراسة تيدي كاتس عام 1998 في جامعة حيفا وحول فيلم شفارتس عن المذبحة في الطنطورة.

ويشير المؤرخ عادل مناع لادعاء شطاينبيرغ بأن التأريخ الفلسطيني الرسمي تعامل مع احتلال الطنطورة بصورة مخفّفة ولم يقّر بوقوع مذبحة وذلك بخلاف ما تؤكده جهات إسرائيلية أمثال تيدي كاتس وايلان بابيه وآدم راز أيضا التي أكدت بشكل قاطع ارتكاب مذبحة استنادا إلى شهادات شفوية لشهود عيان وجنود شاركوا في احتلال الطنطورة.

يتهم مناع شطاينبيرغ بأنه يقوم بتضليل القراء من خلال اغتياله لمصداقية الكاتب اليحيى

ويقول مناع إن شطاينبيرغ يعتمد على تعامل التأريخ الفلسطيني “المخفّف” مع قضية الطنطورة من أجل تدعيم الزعم بأنه على ما يبدو لم ترتكب مذبحة في الطنطورة وتعزيز رواية الإنكار الصهيوني لها. ويرجّح مناع أن قراءة سطحية لمقال شطاينبيرغ ستقنع كل من هو غير ضليع في الموضوع- أي معظم القراء بطبيعة الحال- بالتوافق معه. ويضيف “بيد أن فحصا مهنيا للنص المكتوب يظهر أن التشكيك الثقيل الذي يوليه شطاينبيرغ بمصداقية الشهادات حول المذبحة (بما في ذلك شهادات الجنود في فيلم شفارتس) يستند لسلسلة فرضيات غير مؤسسة على الحقائق التي يعتريها عدم الدقة.

يحيى محمود اليحيى

كذلك يستحضر المؤرخ مناع كتابا آخر تناول المذبحة ويسحب البساط من تحت أقدام شطاينبيرغ ونظريته القائمة على عدم الدقة والمغالطات، هو كتاب يحيى محمود اليحيى المولود في الطنطورة عام 1910 وصدر في دمشق صيف عام 1998. ويدعي شطاينبيرغ أن اليحيى لا يستخدم مصطلح “مذبحة” ويرى مناع بهذا الزعم شهادة على قراءة سطحية للكتاب. ويتابع “لا شك أن الكاتب قصد المذبحة. وفي مقدمته يذكر أن ما دفعه لجمع المعلومات في كتابه من رؤساء عائلات أهالي الطنطورة هو الحقيقة أن هناك تجاهلا جماهيريا لما شهدته الطنطورة وكأن أهلها ليسوا بشرا كأهالي قبية ودير ياسين. ولاحقا يتوسع في كتابه بالحديث عن عائلات القرية، أراضيهم وحياتهم حتى 1948 ويصف احتلال القرية ويقدم عدة نماذج على جرائم حرب ارتكبت فيها من قتل مدنيين غير مسلحين، رجالا ونساء.

ويشير مناع إلى أن الكاتب اليحيى يذكر في كتابه قتل 55 شخصا (صفحة 9) ويورد قائمة بأسماء الرجال القتلى (52) دون ذكر أسماء النساء اللواتي يتحدث عنهن لاحقا (صفحة 145-143) لكنه لا يفصّل كم منهم قتل بعد احتلال القرية واستسلام سكانها ويتابع مناع “ولكن حتى لو قتل عشرون أو ثلاثون “فقط” وليس مئات فقد شهدت الطنطورة مذبحة تواصل إسرائيل التنكّر لها والتسترّ عليها”.

النكبة مستمرة

ويوضح مناع أن التوصيفات “العمومية”، وفقا لقول شطاينبيرغ، لعمليات القتل تظهر بالطبع صورة مذبحة ارتكبت انتقاما على مقتل 13 جنديا من وحدة “الكسندروني” خلال المعركة من أجل احتلال الطنطورة. ومع ذلك، يقول مناع، إن اليحيى لا يكتفي بوصف المذبحة بل يستخدم المصطلح بل بلغة الجمع بقوله “مجازر”(صفحة 133).

ويتهم مناع شطاينبيرغ بأنه يقوم بتضليل القراء من خلال اغتياله لـ مصداقية الكاتب اليحيى بذريعة أنه قد قال في كتابه إن هتلر كان “يهوديا صهيونيا”.

ويتابع مناع “إن أقوال الهراء هذه وغيرها من الترهات الواردة في مقدمة كتاب اليحيى(صفحة 7) هي ليست للكاتب اليحيى نفسه إنما هي أقوال قريبه محمود عقاب الذي كتب تقدّيما للكتاب في مقدمة تحتوي على ترهات حول قادة آخرين أيضا”.

وبعد كل ذلك يؤكد المؤرخ عادل مناع أن الفلسطينيين خسروا وطنا وتحول معظمهم إلى لاجئين معدومين تحول إسرائيل دون عودتهم لمدنهم وقراهم وصادرت أراضيهم وممتلكاتهم كي توطّن يهودا في ديارهم. منوها أن النكبة ونتائجها ترافق الفلسطينيين خاصة اللاجئين منهم منذ 1948 حتى اليوم، مشددا على أن مصيبتهم القومية والشخصية بدأت مع قيام إسرائيل وهي مستمرة بقوة أكثر بعد احتلال 1967.
ويوضح مناع في هذا المضمار أن أهالي الطنطورة المطرودين من قريتهم بعد احتلالها كانوا مشغولين كبقية اللاجئين في البقاء في شتاتهم وليس في رعاية الحزن وحفظ ذكرى الشهداء مشيرا إلى أن اقتلاعهم من بيوتهم وأراضيهم ومنع عودتهم هو ما أشغلهم أكثر من قتل عدة عشرات من أبناء قريتهم بعد احتلاله. ويتابع “وإن أضفنا لذلك الحقيقة أنهم بأغلبيتهم الساحقة لم يتمكنوا من مشاهدة إعدامات أعزائهم بأم عينهم على يد جنود إسرائيليين فيمكن فهم “سكوتهم”. والحقيقة أن بروفيسور خليل الهندي (تعلق شطاينبيرغ في مقاله أيضا) الذي كان في الثالثة من عمره عام 1948 لم يسمع من أقاربه ومن عائلته حول مذبحة قريته الطنطورة إنما سمع فقط عن الاقتلاع والتهجير لا تعني أن المذبحة لم تحدث”.

تطهير عرقي

ويلفت المؤرخ مناع إلى أن الطنطورة ليست المذبحة الوحيدة التي لم يسمع بها الإسرائيليون ولم يتحدث أو يكتب عنها الفلسطينيون طيلة عقود، منوها لارتكاب جنود إسرائيل خلال حرب 1948 عشرات المذابح ـ نحو 30 طبقا لباحثين إسرائيليين ونحو 60 مذبحة وأكثر وفقا لباحثين فلسطينيين- كجزء من سياسة التطهير العرقي. ويستذكر مناع أنه قد قام هو بنفسه ضمن كتابه “نكبة وبقاء” الصادر عام 2017 بالعبريةـ توثيق 14 مذبحة ارتكبت في أسبوع واحد خلال استكمال السيطرة العسكرية على الجليل فيما يعرف بـ “عملية حيرام”.
ويتابع “دافيد بن غوريون الذي علم بهذه الجرائم وغيرها رفض محاكمة المجرمين أو اتخاذ خطوات لمنع تكرارها”. ويؤكد مناع أيضا أنه دون التطهير العرقي لما قامت إسرائيل مع أغلبية يهودية لكن الدولة ورسلها فعلوا كل ما بوسعهم لمنع عودة اللاجئين لمنازلهم بمن فيهم أهالي قريتي إقرث وبرعم. وتواصل إسرائيل حتى اليوم التنكّر لمسؤوليتها عن نتائج النكبة الكارثية وتختار تعميق الاحتلال واضطهاد الفلسطينيين في كل البلاد بين البحر وبين النهر.

كذلك يرى مناع أن هناك شركاء كثيرين داخل إسرائيل في التنكّر للنكبة بعضهم مستشرقون يغذوّن بذلك الصراع الدامي بدلا من المساهمة في الاعتراف بهذا الإثم التاريخي والمساهمة في المصالحة الحقيقية والعادلة مع الفلسطينيين، بحيث تشمل أيضا المواطنين العرب في إسرائيل منذ 1948.

هذا المقال الذي خصّ به مناع “القدس العربي” سينشر الإثنين في صحيفة “هآرتس” العبرية بجانب مقال جديد للمستشرق الإسرائيلي ماتي شطاينبيرغ وردا على مزاعمه.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف