- تصنيف المقال : شؤون عربية ودولية
- تاريخ المقال : 2015-08-26
بعد «أسبوع سورية» الذي شهد توافد زوار إلى العاصمة الروسية للبحث في الأزمة وسبل الخروج منها، جاء «أسبوع العرب في روسيا». وإن كان الملف السوري حاضراً بارزاً فيه، لكنه يبدو مكرساً أكثر لتعزيز التعاون بين موسكو وعواصم عربية وإطلاق مستويات جديدة لها تتناسب مع تطورات الموقف الإقليمي والدولي.
ويبدو نشاط الديبلوماسية الروسية خلال الفترة الأخيرة لافتاً، فهو يحمل عناوين عدة أبرزها دفع مسار التسوية السورية وإخراجه من المأزق، كما ظهر خلال النقاشات المكثفة التي أجرتها موسكو مع زوار من السعودية وإيران والمعارضة السورية، واتصالات نشطة مع الأميركيين والأتراك، لكن عيون الروس بدت مسلطة أكثر على استعادة الزخم الذي فقدوه لسنوات في العلاقات مع المنطقة العربية، ما دفع محللين إلى القول أن تحركات روسيا تقوم على خطين متوازيين أحدهما يتمسك بدور فاعل لموسكو في الأزمات الإقليمية وأبرزها حالياً سورية، والثاني محاولة ترتيب الأجندة الروسية في المنطقة، وفتح آفاق جديدة تحسباً لخسارة محتملة في سورية واستجابة لضرورات الواقع الجديد وتوقعاته بعد توقيع الاتفاق «النووي» مع طهران.
في هذا الإطار، تعامل خبراء روس مع الحضور العربي البارز خلال الأسبوع الجاري في موسكو التي يزورها بالتزامن كل من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان. وأجندة الزيارات ما زالت مليئة، إذ بات متوقعاً أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سيزور روسيا في غضون شهرين، وتسبق ذلك زيارة مقررة الشهر المقبل لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني. وفي الأثناء تتواصل الجولات النشطة للمسؤولين الروس إلى المنطقة وأبرزهم مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف.
هذا الانفتاح الروسي الواضح على المنطقة شجعه إدراك روسي بأن بلدان المنطقة ترغب في إخراج العلاقات مع موسكو من مرحلة الفتور، ونقلها من دائرة التحفظ عن المواقف والتشكيك بنيات موسكو إلى الحوار حول القضايا العالقة والبناء على الأمور المتفق عليها.
ومع الأهمية الكبرى التي توليها موسكو للحوار السياسي، والسعي إلى مراجعة حساباتها وإعادة ترتيب أولوياتها في المنطقة خلال المرحلة المقبلة، يبدو التوجه الروسي واضحاً لمحاولة تعزيز التعاون التجاري – الاقتصادي واستعادة شركاء تقليديين مثل مصر والعراق أو فتح آفاق جديدة للتعاون مع بلدان صديقة مثل الأردن وتونس، ومحاولة الدخول في شكل نشط إلى أسواق بلدان الخليج العربي وأبرزها السعودية.
ويكفي للتدليل على التوجه الروسي، أن الكرملين خلافاً لعادته بإصدار بيانات مقتضبة حول زيارات الزعماء الأجانب، وزع على وسائل الإعلام تحضيراً لمحادثات الرئيس فلاديمير بوتين مع محمد بن زايد وعبدالله الثاني، بيانين مطولين تناول الأول جوانب العلاقات الروسية – الإماراتية وآفاق تطويرها، خصوصاً على صعيدي الاستثمارات والطاقة، وركز الثاني على المشاريع المشتركة مع الأردن بما في ذلك الخطط لبناء أول محطة كهرونووية في المملكة.
ولا يخفي مسؤولون روس أن الاهتمام الخاص ببلدان المنطقة يستند، إضافة إلى البعد الجيوسياسي على ضوء التطورات الجارية، إلى رغبة روسية في تعويض النقص الخطر في التبادل التجاري مع أوروبا وبلدان غربية، بسبب العقوبات المتبادلة بين روسيا والغرب على خلفية الأزمة الأوكرانية، ويكفي أن واردات روسيا من المواد الغذائية ارتفعت من مصر والمغرب وتونس بمعدل الثلث خلال النصف الأول من السنة.
ناهيك عن قطاعات أخرى لا تقل أهمية بالنسبة إلى موسكو بينها التعاون في مجال الطاقة النووية، وإضافة إلى الأردن تبدو مصر والسعودية والإمارات وبلدان أخرى مرشحة لهذا المجال، وفي المجال العسكري دخلت روسيا مراحل متقدمة في النقاش حول تقنيات لم تكن مطروقة في السابق، فهي بدأت تتحدث عن بيع غواصات إلى المغرب، وعن اهتمام سعودي بتقنيات روسية متطورة. إضافة إلى السعي لتوسيع التعاون العسكري مع بلدان مثل العراق ومصر والجزائر.