تتنقل الفنانة الفلسطينية ديانا السويطي، مع أعضاء فريقها الخمسة يومياً من مدينة إلى أخرى في محافظات الضفة الغربية لتقدم عروضاً مسرحية مجانية للترويح عن مواطنيها من خلال "مسرح ثلاجة"، وهو مسرح عرائس متنقل.
وما إن تصل السويطي البالغة من العمر (36 عاماً) إلى المنطقة المستهدفة، حتى تبدأ بنصب مسرحها المكون من الخشب الذي يحمل هيئة قصر ضخم وبعض الديكورات التي تلفت نظر الحاضرين سواء كانوا من الأطفال أو أقاربهم. وعادة ما تعتمد السويطي التي تعمل بالشراكة مع مؤسسات أهلية غير حكومية في عرض مسرحياتها، التي تستمر نحو ساعة على أبطالها من الدمى الخشبية "عرائس الماريونيت"، في سرد قصصها المسرحية.
ووسط أجواء الفرح والسعادة، تعمل السويطي على تقليد أصوات مختلفة من الرجال والنساء والأطفال، فيما يصفق الأطفال لها بحرارة فور انتهائها من تأدية عروضها التي تمتاز بأنها تفاعلية ما بين الجمهور والفنانين. وعملت الفنانة المسرحية على إنشاء مسرحها منذ عام 2019 لافتقار الأراضي الفلسطينية لهذا النوع من الفنون بسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة، وفق السويطي.
وقالت السويطي لوكالة أنباء (شينخوا) فور انتهائها من عرض مسرحي بعنوان "ظريف الطول" لمجموعة من أطفال مدينة الخليل، إن الحياة الثقافية تراجعت لسنوات، والأطفال انشغلوا باستعمال الهواتف النقالة التي تضر بصحتهم وتحولهم من أشخاص اجتماعيين إلى انطوائيين. وتابعت إن الهدف من مسرحها منح الأطفال فرصة التجمع والتفاعل فيما بينهم. ولم يدم المشروع طويلاً لتوقفه بعد عام من إنشائه بسبب انتشار مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19). ورغم ذلك لم تستسلم الفنانة المثابرة لتلك الظروف الطارئة، حيث قررت تطوير مهارات وخبرات فريقها الفنية بالسفر إلى بلجيكا والانضمام إلى دورات مكثفة حول الفنون المسرحية.
وقالت "تعلمت صناعة الدمى الخشبية والحفر عليها من فنان بلجيكي"، مشيرة إلى أنها فور عودتها إلى الضفة بعد شهور طويلة قامت بنقل "ثقافة صناعة عرائس الماريونيت من الخشب إلى المجتمع الفلسطيني". ومن أهم الدروس التي استفادتها السويطي هي "أن مهمة الفنان لا تقتصر فقط على تقديم العروض، ولكنها تحمل رسالة إنسانية وتربوية وتوعوية للمجتمعات المحلية، والمساهمة في معالجة بعض السلوكيات السلبية التي قد تكون موجودة". وأعربت السويطي عن أسفها لوجود العديد من السلوكيات غير الحميدة في المجتمع الفلسطيني من بينها "التنمر والعنف والتعدي على البيئة وتلويثها دون معرفة عواقب تلك التصرفات".
وقررت الشابة الثلاثينية أن تكون مصدرا ملهما للآخرين من خلال التخلص من تلك السلوكيات عبر عروضها المسرحية التي تعالج قضية في كل عرض، مطلقة اسم "مسرح ثلاجة" على مشروعها. وأوضحت "أردت أن تكون أولى خطواتي بالتأثير على المجتمع من خلال اسم مشروعي الذي يسلط الضوء على مكرهة بيئية في قرية (عوا) بالخليل، التي تعاني من تكدس مئات الثلاجات الإسرائيلية المستعملة، والتي تتسبب بتلوث بيئي".
وحصلت السويطي على الفكرة عندما كانت تؤدي عرضاً مسرحياً في تلك القرية، فتفاجأت بحجم الثلاجات المتكدسة، والتي تنبعث منها روائح ضارة نتيجة تعرضها للشمس لأشهر طويلة. وعادة ما تقوم الفنانة الفلسطينية بتعريف جمهورها عن سبب تسمية مشروعها، ومن ثم تبدأ عروضها المسرحية التي غالبا ما تعالج قضية مجتمعية معينة. وتلقى العروض التي تقدمها السويطي تفاعلاً وفرحة من قبل المشاهدين، خاصة الأطفال.
وأعرب الطفل محمد الجعبري البالغ من العمر (11 عاماً) في مدينة الخليل، عن سعادته لتمكنه من حضور أكثر من عرض مسرحي، قائلاً إنه ينتظر حضورها للاستمتاع بالعروض المسرحية الترفيهية. وقال الجعبري لـ (شينخوا) "عندما يتم عرض المسرحيات أشعر كما لو أنني ذهبت إلى مسرح ضخم وكبير مثل التي أشاهدها في التلفاز". وأشادت سلمى، والدة الجعبري، بالأثر الإيجابي الذي تركته مسرحيات السويطي على ابنها، مشيرة إلى أنه أصبح اجتماعياً أكثر ويهتم بنظافته الشخصية ونظافة بيئته.
وقالت الأم "نحن بحاجة إلى استعادة الحياة الفنية والثقافية بمجتمعنا لأنها تساهم بشكل كبير في تعزيز السلوكيات الإيجابية بأسلوب مقنع ذات طابع فني". وتنشغل السويطي حالياً في تقديم عدد كبير من المسرحيات في مدن وقرى الضفة الغربية، خاصة مع بدء الإجازة الصيفية للطلاب، معربة عن سعادتها لأنها "ستتمكن من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال الفلسطينيين".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف