- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2015-08-30
ركن المجلس الوطني جانباً عقودا طويلة ولم يدع للاجتماع إلا عبر بطاقة استحضار كي يمرر سياسات «أوسلو» البائسة
يحتاج النظام السياسي الفلسطيني برمته إلى إصلاح ديمقراطي، وقد دفعت بهذا الاتجاه قرارات عدة للحوارات الشاملة. لكن هذه المهمة الكبرى تعطلت لأسباب كثيرة أبرزها استمرار حالة الانقسام وتفاقمها؛ إضافة إلى أن العلات التي يعانيها النظام وجدت من يسعى لتكريسها ربطا بالمصالح التي نشأت وترعرعت في كنف «علات» هذا النظام.
ومع تراكم الأزمات الفلسطينية المركبة، باتت مهمة الإصلاح تحتاج قوة دفع أكبر لا يمكن توافرها من دون الإجماع الوطني على سبل حل هذه الأزمات جنباً إلى جنب مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لتصويب الأوضاع الفلسطينية من بوابة إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني التحرري.
تزداد ضرورة هذا التأكيد مع الرسالة التي وجهتها غالبية اللجنة التنفيذية إلى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني لاتخاذ «اللازم» لعقد اجتماع غير عادي للمجلس؛ في ظل الافتقاد إلى الإجماع السياسي الفلسطيني على اتخاذ هذه الخطوة «المستعجلة».
الدافع «الجديد» للحديث عن إصلاح النظام السياسي الفلسطيني هو ما يحصل في «المطبخ الفلسطيني» ومحيطه، والخطوات التي يسعى لإنجازها لضمان انعقاد اجتماع غير عادي للمجلس الوطني الفلسطيني، في جلسة خاصة استدرجت تحت يافطة «ملء الشواغر» في اللجنة التنفيذية بعد أن تقدم مؤخرا عشرة من أعضائها بمن فيهم رئيسها باستقالاتهم؛ واللافت أن د.صائب عريقات ــ أحد المستقيلين ـــ أصر على التصويت على موقعه الجديد في اللجنة كأمين لسرها(!).
وبهذه الاستقالات «الخلبية» أرادوا وضع رئاسة المجلس الوطني أمام حالة «قانونية» تستدعي الاجتماع غير العادي بهدف الترميم؛ لأن عدد الشواغر في اللجنة ــ قبل استقالتهم ـــ لم يكن يستدعي مثل هذا الاجتماع، الذي لايعرف أحد فيما إذا سيأخذ صلاحيات الدورة العادية في إعادة انتخاب لجنة تنفيذية جديدة.. حصرا.
النظام الأساسي للمجلس الوطني يقول في هذه الحالة بترميم عضوية اللجنة التنفيذية. وحكما ـــ أو عرفا ــ يتم ذلك من خارج الأسماء التي سبق أن قدمت استقالاتها من اللجنة. أما إذا كان من استقال يرسم بالأساس لعودته وخروج غيره ممن لم يستقل أو رفض الاستقالة، فإن أقل ما يمكن القول في ذلك بأنه مناورة مكشوفة.
عندما تحدثنا عن ضرورة إصلاح النظام السياسي الفلسطيني كان هذا يعني أن يشمل الإصلاح كافة مكوناته، ويشمل المؤسسات الوطنية في منظمة التحرير والسلطة بدءا من المجلس الوطني. وإذا كان هناك من يرى أن هذه المهمة الكبرى تحتاج وقتا لتوفيرس آلياتها التوافقية ومداها الزمني، فإن تأخير تنفيذها المتعمد هو الذي يريد أن يعقد هذه المهمة ويتحاشى الخوض فيها لأسباب مصلحية.
ما يدور في «المطبخ الفلسطيني»، وما حصل في اجتماع اللجنة التنفيذية الأخير يشير للأسف إلى أنه يتم إدخال الحالة الفلسطينية في طور أكثر «تخلفا» من أزماتها المعتادة. ففي الوقت الذي عانت فيه هذه الحالة طويلا من السياسات الخاصة عبر الخندقة الجهوية ، نراها اليوم توضع أمام تداعيات معارك «الصوت الواحد» ضمن الجهة ذاتها. وفي مثل هذه المعارك تسود الذاتية والمحسوبية واسقاطاتها على المحيط الفلسطيني بما لا يمكن أن يقاس عن تلك التداعيات التي تفرزها الخندقة الجهوية... على علاتها.
فعن أي إصلاح يتم الحديث، وأي لجنة تنفيذها «قوية» تلك التي ينشدها المطبخ الفلسطيني؟ وكيف يمكن نهوض مؤسسة قوية من هذا النوع والمستوى دون العمل الجدي على تقوية الوضع الفلسطيني برمته، وبخاصة ما يتصل بالمؤسسات الوطنية.
والمجلس الوطني الذي يفترض أنه «برلمان الشعب الفلسطيني» ركن جانباً عقودا طويلة ولم يدع للاجتماع إلا عبر بطاقة استحضار كي يمرر سياسات «أوسلو» البائسة.
وما كان يمكن أن يتصدر المجلس عناوين الأخبار الفلسطينية في هذه الفترة لولا استمرار هذه النزعة الاستحضارية كي يساعد المطبخ الفلسطيني على ترتيب محيطه على «مسطرة» هواجسه واعتباراته.
ولا نعرف حتى اللحظة فيما إذا كانت رئاسة المجلس الوطني ستستجيب لذلك أم أنها ستتمسك بالنظام الأساسي للمجلس الذي يتيح في الاجتماع الطارئ ــ إن عقد ـــ ترميم اللجنة التنفيذية وليس إعادة انتخابها مجدداً؛ لأن ذلك يحتاج انعقاد دورة عادية تبدأ بتدقيق عضوية المجلس وتفتتح عملها برسم وتصويب سياسات المنظمة وعمل مؤسساتها بما فيها التنفيذية وانتخاب لجان المجلس التي تآكلت واندثرت بما فيها الصندوق القومي الفلسطيني ويعيد الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني ومن ثم ينتخب من ينتخب من أعضاء المجلس المركزي واللجنة التنفيذية.
ما ورد في البيان الصادر عن اجتماع التنفيذية الأخير وتأكيده على كل ما تأخرت هي في تنفيذه، يوضح أن هدف الاجتماع لا علاقة له بتنفيذ هذه المهام الملحة. فمن الذي عطل ويعطل تنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني في دورته التي عقدت في آذار/ مارس الماضي؛ لجهة تفعيل العضوية في محكمة الجنايات الدولية، ولجهة وضع العلاقات مع الاحتلال في مكانها الصحيح والواقعي ووقف التنسيق الأمني معه، ولجهة حسم الموقف من التسوية ورفضها طالما لم تستند إلى قرارات الشرعية الدولية في الوقت الذي لا تزال الاتصالات التفاوضية تجري على قدم وساق؟
ما بين تلبية استحقاقات المهام التي تذخر بها أجندة العمل الوطني الفلسطيني... وبين المهام المستعجلة والطارئة التي «ينعجق» المطبخ الفلسطيني في تحضيرها مسافة كبيرة ، لم يفت الوقت على تقليصها من خلال النزول عند قرارات المجلس المركزي وباقي قرارات الإجماع الوطني الذي مثلته الحوارات الشاملة.
ترتيب البيت الفلسطيني مسألة ملحة جداً... ونتحدث هنا عن البيت بأركانه وبنيانه كاملا... ولا نفع في ترتيب أثاث أي غرفة فيه إذا لم يكن في سياق ترتيب أوضاع البيت الفلسطيني... الكبير .