خلص المجتمعون في مؤتمر "مستقبل المهرجانات في فلسطين" إلى توصيّات عدّة في محاولة لإنقاذ المهرجانات، تتضمن ضرورة تكوين تجمّع ما يتخذ على عاتقه العمل على حماية المهرجانات، في ظل التحديّات التي تعصف بها بسبب سياسات الاحتلال، وسياسات التمويل الخارجي المشروط، وشحّ دعم الجهات ذات العلاقة في المؤسسة الرسمية، خاصة وزارة الثقافة، وعدم وضوح خارطة دعم القطاع الخاص وتمويله للفعاليات الثقافية والفنية وبينها المهرجانات في فلسطين، علاوة على ما خلّفه انتشار جائحة "كورونا"، والحرب الروسية الأوكرانية الآن، من تداعيات سلبية على المهرجانات خاصة، والمؤسسات الثقافية والفنية عامة، بحيث يشكل هذا التجمّع جسماً ضاغطاً من جهة، وجسراً لتعزيز التعاون بين المهرجانات والمؤسسات العاملة في القطاع من جهة أخرى.
وانتظم المؤتمر، قبل أيام، في قاعة سرية رام الله الأولى، الجهة المنظمة لمهرجان رام الله للرقص المعاصر، وضمن فعاليات الدورة السادسة عشرة له، بمشاركة المدير العام لمعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى الفنان سهيل خوري، والمديرة الفنيّة لمسرح عشتار الفنانة إيمان عون، ومديرة مركز الفن الشعبي ومهرجان فلسطين الدولي للرقص والغناء إيمان حموري، والمدير التنفيذي لسرية رام الله الأولى ومدير مهرجان رام الله للرقص المعاصر خالد عليان، والمدير العام لمسرح الحرية في جنين مصطفى شتا، والمدير التنفيذي لجميعة الكمنجاتي إياد ستيتي، ومدير جمعية سيرك فلسطين محمد رباح.
كما تطرق المتحدثون إلى ضرورة، ليس فقط التنسيق بين المهرجانات في فلسطين، بل العمل على تسويقها والترويج لها، والبحث في مضامينها، وتجديدها بما لا يتعارض مع أهدافها التي قامت من أجلها، مع الأخذ بعين الاعتبار مدّ جسور التواصل باستمرار مع القطاع الخاص الفلسطيني بهدف تعزيز دوره في دعم القطاع الثقافي عامة، والمهرجانات خاصة، كذلك الأمر بالنسبة لوزارة الثقافة والبلديات وغيرها من الجهات الرسمية ذات العلاقة، خاصة أن العديد من المهرجانات لم تعد قائمة، وثمة مهرجانات تترنح، وأخرى دخلت في مرحلة موت سريري أو تكاد.
وشدد المؤتمر على ضرورة أخذ الشبكات الفنية القائمة، ومنها شبكة الفنون الأدائية، على سبيل المثال، دورها في هذا الجانب، والأخذ بعين الاعتبار التحديات الخاصة للمهرجانات والفعاليات في القدس بسبب سياسات الاحتلال بالدرجة الأولى، وإحجام القطاعَين العام والخاص الفلسطينيَّين، إلا في بعض الحالات النادرة، عن دعم مهرجانات فنية وثقافية في مدينة القدس، وأيضاً الأخذ بعين الاعتبار خصوصية تنظيم فعاليات ومهرجانات في قطاع غزة على الصعد السياسية والأمنية والمجتمعية، وفي الجانب المجتمعي ثمة خصوصية لمهرجان كمهرجان رام الله للرقص المعاصر، رغم أهمية ما يقدمه على الصعيدَين الثقافي والوطني، وهو ما ينسحب على تنظيم مهرجانات في مدن وبلدات وقرى في مختلف المحافظات الفلسطينية.
وأشار خالد عليان، خلال كلمته بافتتاح فعاليات المؤتمر، إلى أن الدعوات لحضوره وُجّهت إلى كافة المؤسسات العاملة في القطاع الثقافي والفني، الرسمية منها والأهلية وغيرها، خاصة أن القضية التي يطرحها مؤتمر "الرقص والمجتمع"، كواحد من المرتكزات المحورية في مهرجان رام الله للرقص المعاصر، قضية باتت، وأكثر من أي وقت، تؤرّق المؤسسات القائمة على تنظيم مهرجانات منتظمة منذ سنوات في مختلف حقول الثقافة والفنون، كما الفرق الفنية، والفنانين المستقلين، وجميع العاملين في القطاع أو على هامشه.
ولفت عليان إلى أن المهرجانات الثقافية والفنية، ومنذ عقود، لا تزال تساهم، وبشكل كبير، في تعزيز الهوية الوطنية باعتبارها مشاريع وطنية بامتياز، علاوة على مساهمتها الفاعلة في التنمية الثقافية، إضافة إلى دورها لتسويق أعمال الفنانين الفلسطينيين محلياً وإقليمياً ودولياً وتوفير مساحات لهم لتقديم إبداعاتهم، بالإضافة إلى الدورين الاقتصادي والسياحي المرافقَين بالعادة لهذه المهرجانات.
وشدد سهيل خوري على ضرورة تقليص الاعتماد على التمويل الخارجي قد الإمكان، خاصة أن لدينا كوادر قادرة وتملك رؤى ثاقبة لتنظيم المهرجانات، ونعيش حالة تقدم على مستوى الخدمات المرافقة للمهرجان محليّاً، فنيّاً وتقنيّاً، وأيضاً لدينا جمهور يؤم هذه المهرجانات، رغم بعض التحديات في عدد من المناطق.
وقال خوري: التمويل هو التحدي الأكبر بالنسبة للمهرجانات وللمؤسسات الثقافية والفنية الفلسطينية، وكذلك تحدي مشاركة الفرق من خارج فلسطين بسبب سياسات الاحتلال في استصدار التصاريح.
بخصوص التمويل، لفت خوري إلى أن المهرجانات التي تنتظم حول العالم، في جلها لا تعتمد على التمويل الأجنبي، فهي تموّل نفسها عبر التذاكر والرعايات والدعايات، والقطاعين العام، والخاص.. من حقنا المطالبة كدافعي ضرائب بدعم من قبل الحكومة والبلديات، والحديث معها حول آليات الصرف وأوجهها، مشيراً إلى ضرورة التواصل مع القطاع الخاص فيما يتعلق بالمسؤولية المجتمعية لمؤسساته. برأيي، يجب أن يخرج التمويل الأجنبي من معادلاتنا بشكل كامل، والعمل على التوازن بين أجور الفرق الموسيقية والفنانين والواقع الاقتصادي للجمهور.
وشدد إياد ستيتي على تسويق المادة الموسيقية، دون التنازل عن المستوى والعمق ورؤية المؤسسات، كما تحدث عن حالة من عدم التكامل بين المؤسسات الثقافية والفنية والقطاع الخاص الذي بات منتجاً منافساً، كما لفت إلى أن الأمر ذاته ينطبق على القطاع العام، الذي يكبلنا بالكثير من القوانين والقرارات، منها إذا ما حصل أي مهرجان على دعم من مؤسسة رسمية فيمنع على الجهة المنظمة بيع تذاكر في هذه الفعالية.
وتساءل مصطفى شتا عن المبررات وراء إقامة أي مهرجان، مشيراً إلى أن وضوح الرؤية في هذا المجال قد يساهم في إيجاد إجابات وافية حول مستقبل المهرجانات في فلسطين، متحدثاً عن إشكالية الفجوات بين جغرافيا وجغرافيا في فلسطين على مستوى الدعم والحضور الجماهيري، مشدداً على ضرورة أن تقوم المؤسسات الثقافية والفنية بتسويق منتجها الإبداعي ولفنانيها أيضاً.
من جهتها، تجدد جمعية سيرك فلسطين تجربة تنظيم مهرجانات، كما فعلت قبل سنوات، عن قناعة بدورها في التركيز على جهودها في التدريب والإنتاج، والتركيز على تنظيم العروض الجوّالة في مناطق متعددة، والمشاركة في مهرجانات محلية وإقليمية وعالمية تنظمها جهات أخرى.
أما إيمان عون، فشددت على الدور الوطني في حشد الدعم السياسي للقضية الفلسطينية عبر المهرجانات، ومنح مساحات للفرق والفنانين الشباب، فوجدت أن أحد الأشكال التي باتت محورية للتغلب على المعضلات التي تواجه المهرجان تكوين شبكة غير رسمية للمهرجانات الثقافية والفنية في فلسطين، مؤكدة على أهمية وجود تنسيق حقيقي بين إدارات المهرجانات، والبحث في العودة إلى فكرة تجوال عروض أي مهرجان بين عديد المدن الفلسطينية، وليس اقتصارها على مدينتَي رام الله والبيرة.
ولفتت إيمان حموري إلى أهمية خوض نقاش كهذا حول واقع ومستقبل المهرجانات في فلسطين، واستمرار اللقاءات حول واقعها ومستقبلها في ضوء التحديات المتواصلة وتلك المستجدة في السنوات الأخيرة، متطرقة إلى العديد من المحاور، بينها المواءمة بين رؤية المؤسسة والقائمين عليها ورؤية الجمهور، علاوة على تحدي شحّ الإنتاجات المحليّة المنتجة حديثاً، مركزّة حديثها على تجربة مهرجان فلسطين الدولي للرقص والغناء.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف