في غزة لا يقتصر التاريخ العريق في حبر خُط على ورق داخل كتب تاريخية، بل يمتد الى البيوت القديمة، حتى إذا دخلت إحداها ستجد تكملة التاريخ منسوج على جدران وأسقف البيت كأنها تتزين بحضارتها وتثبت أحقيتها في هذه الأرض المباركة. بيت السقا الأثري إحدى رموز الحضارة والآثار التي تزين غزة وتعبر عن ماضيها المشرق، وتجسد حديثاً أبرز الاماكن التي شهدت صمود أهل حي الشجاعية في حروب غزة السابقة. بيت يحيط به سوق الشجاعية أسواره منصّعة بالأحجار الرملية والأسقف الرخامية الرومانية، ذو ساحة قديمة ونوافذ مقوسٌ أعلاها، وأدراج اذا قصدتها تطلعك على أقواس وأنصاف القباب التي تجسدت بها معاني الحضارة والتراث الجميل وبساطة العيش آنذاك. وفي زيارة مراسل معا الى بيت السقا الأثري، قال أبو تيسير السقا أحد أصحاب هذا البيت إن البيت يعود للحقبة العثمانية توارثته أجيال العائلة من الآباء والاجداد ليبلغ عمره الى (350 سنة)، موضحاً أن مساحته تبلغ 700 متر حيث تم تطويره على مدار السنوات السابقة الى ما وجد عليه بصورته الحالية الآن.وذكر السقا أن هناك عقد تم بيننا وبين الجامعة الاسلامية قسم العمارة والآثار "ايوان" على أن يقوموا بترميم البيت واستئجاره لمدة 7 سنوات واجراء عمليات الصيانة والحفاظ عليه كمعلم أثري. وأكد على سعيهم لتحويل البيت الى متحف أثري يحمل التاريخ الثقافة الفلسطينية، مبيناً ان البيت غير مناسب للسكن لأنه يقع وسط سوق الشجاعية ونظرا لضيق الشوارع هناك. وأشار السقا الى الجهود المبذولة تجاه هذه البيوت في غزة لكنها غير كافية لأنها تحتاج الى تمويل، فالمؤسسات غير قادرة على الاهتمام بها الا لفترات محدودة، مؤكداً على ضرورة تخصيص برنامج من قبل الحكومة للاهتمام بهذا البيت وغيره من بيوت غزة الأثرية مثله مثل آثار العالم.وأوضح: بأن بيت السقا يحمل اسمنا لكن لا يعنينا وحدنا بل يعني البلد والشعب الفلسطيني ككل لأنه يعبر عن تاريخ فلسطين وحضارتها وآثارها الجميلة. ومن جهتها قالت فادية محيسن منسقة المشاريع في جمعية زاخر لتنمية قدرات المرأة إن الهدف من استئجار بيت السقا اظهار صورة البيت الأثري للمحافظة على التراث الفلسطيني وإظهاره للناس بالتعاون مع الوزارات المهتمة لإبراز ذلك. وأكدت على ضرورة الاهتمام بهذه الأماكن الأثرية التي تعبر عن الحضارة والتراث الفلسطيني، مبينة أن التاريخ والآثار لا يسلط عليها الضوء، متمنية من الجهات المسؤولة أن تتشارك مع جمعية زاخر لعمل مشاريع تبرز قيمة البيوت الأثرية وخدمة التاريخ الفلسطيني. وأوضحت محيسن "عندما استأجرنا البيت من" إيوان" كانت المسؤولية الملقاة علينا أن نحافظ على البيت وذلك بعدم وضع أي شيء على الجدران من زينة ولوحات تراثية حتى تبقى الجدران كما هي منذ نشأتها، بالإضافة لعمليات الصيانة لأي شيء يتعطل نحن المسؤولون عنه، كذلك نعمل على حراسة ومتابعة البيت ليلاً حفاظا على أمنه".وعن ربط نشاطات الجمعية بهذه الأماكن ذكرت محيسن انه "في شهر آذار 2015 عملنا مبادرة يوم الأرض في بيت السقا الأثري حيث كانت فكرة جديدة وذلك لربط يوم الارض بتراثنا وضرورة المحافظة عليه وتعريف الناس بالأماكن الأثرية في غزة وتشجيعها على الزيارات لهذه البيوت"، مشيرة الى امكانية استقبال الزوار والجمعيات لمشاهدة البيت الأثري في أي وقت. ومن جانبه قال المهندس أحمد البرش مدير دائرة الآثار في وزارة السياحة والآثار ان البيوت الاثرية تعود الي الحقبة العثمانية وجزء منها يعود للحقبة المملوكية والتي بلغت حوالي أكثر من 100 بيت أثري في البلدة القديمة لمدنية غزة موزعة على الأحياء المختلفة منها حي التفاح والشجاعية والدرج وحي الزيتون التي تكثر فيها البيوت الأثرية. وأوضح أن بيوت غزة القديمة جزء أساسي من أعمال وزارة السياحة والآثار "لذا قمنا بتسجيل هذه الاثار سواء المنقولة أو الثابتة وعملية التسجيل هي جزء من عملية الحفاظ". وبين البرش أن الوزارة تعمل من خلال مشاريع على ترميم هذا البيوت والاماكن الأثرية بشكل دوري، خاصة بعض الأضرار التي لحقت بهذه البيوت نتيجة الحرب الاخيرة وما قبلها من حروب لتعالج الشقوق والتصدعات فيها، موضحاً أنها ترعي جميع الأعمال التي تقوم بها المؤسسات المحلية لترميمها واعادة تأهيلها مع الوسط المحيط منها (بيت السقا والعلمي والخضري وأبو رمضان) اضافة للعديد من المساجد وقصر الباشا سبيل السلطان عبد الحميد. وعن الجهات المانحة قال البرش "لا يمكن اغفال دور المؤسسات الداعمة خاصة المؤسسات الأجنبية التي ترعي حماية التراث الثقافي في العالم"، معتبراً أن فلسطين جزء من الاتفاقيات التي وقعت تحت مظلة اليونسكو لحماية التراث. ونوه الى طبيعة عمل المؤسسات الدولية التابعة لليونسكو التي لا تعامل مع الجهات المختصة في غزة نظرا لفرض الحصار الدولي على غزة واعتبار الحكومة في غزة غير شرعية ما يجمد عمل المؤسسات الدولية في حماية التراث الأمر الذي ادى لتدهور حالة التراث بشكل كامل في غزة. وفي ذات السياق، قال المهندس محمود البلعاوي منسق المشاريع في مركز "إيوان" ان الاهتمام بالبيوت الأثرية يمثل جزء من الهوية الثقافية ومعروف بأن المباني الاثرية والتراث العمراني يشكل الجزء الأهم من مفردات التراث الثقافي لأنه هو الشي المادي الملموس الذي من خلاله يعبر أي مجتمع عن حضارته وبالتالي يجب الاهتمام به. وأوضح البلعاوي أن أي مؤسسة تهتم بهذا الشأن لابد أن تقوم بالحصر والتوثيق، وهذا الجهد قام مركز ايوان منذ أن تأسس فقام بجمع المباني الأثرية القديمة في غزة حتى يتم وضع الآلية للاهتمام بهذه الاماكن. وذكر بأن هناك 6 مؤسسات شاركت في ترميم بعض الأماكن الأثرية التي تم توزيعهم جغرافياً، ففي غزة ايوان وفي بيت لحم بيت حفظ التراث وفي رام الله والضفة الغربية مركز روافد اما في القدس فتعمل مؤسسة تعاون فهذه المؤسسات تواجه تحديات كبيرة من قبل الاحتلال في الضفة العربية وتحاول ان تعرقل عملها بوضع قيود قانونية او مالية او تشريعية بهدف تخيفي عمليات الترميم وتهويد التراث الفلسطيني. وعن معايير ترميم البيت الأثري بيّن البلعاوي أنه بعد عملية الحصر تتم عملية الترميم بناء على معايير تتعلق بالتكلفة والفترة الزمنية والعمر التاريخي للمكان أو وضع المبنى من حيث صموده مسكون أو غير مستخدم كل هذه المعايير تكون مطروحة امامنا وحي من تحدد المبنى الأحق بالترميم، بالإضافة لشروط الممول وأهدافه التي قد يهتم بالمباني الاسلامية فقط أو البيوت أو موقع بيزنطي أثري. وأشار الى أن وزارة السياحة هي الجهة المسؤولة عن الاماكن الاثرية القديمة لكنهم ليست الجهة الممولة بل شركاء في كل مشاريع الترميم التي تحصل لأي مبنى في غزة للحفاظ على التراث العمراني. وقال البلعاوي " نعمل على احياء البيوت الأثرية القديمة واعمالها لوظيفة مجتمعية تناسب الجمهور وتقدم خدمة لهم لتأتي له العامة والوفود من الجمعات والمدارس والجمعيات وفرق شبابية لزيارة المكان لإظهاره للناس بقيمته الحضارية". عن وكالة معا

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف