شهدت ألمانيا خلال الفترة السابقة وصول ألاف اللاجئين السوريين، إلى محطات مختلفة من البلاد: فرانكفورت، وبرلين، وتورنغن، وكانت المحطة الأولى لإستقبال السوريين القادمين من النمسا هي ميونيخ.
نقلت المحطات التلفزيونية عبر العالم كله، الإستقبال الذي حظي به السوريون من قبل المواطنين الألمان، فبدا في كثير من الأحيان أن المقاطعات الألمانية تخوض سباقاً محموماً في ما بينها، لتظهر من هي الأفضل والأكثر ترحيباً، وتحولت البلاد إلى مهرجان سياسي شعبي، لم يخذل فيه الشعب سياسة البلاد المعلنة. وراهن السياسيون الألمان على وعي الشعب الألماني وتكاتفه فنجحوا.
وفي تصريح خاص لـ»الحياة» قال رئيس وزراء منطقة تورنغن، من حزب اليسار الألماني، بودو رميلو: «إن حضور التورنغيين اليوم إلى محطة القطار، والمساعدات الغذائية والطوعية التي قدموها، ووقوفهم تحت المطر وبقاءهم ساعات يغنون هو هزيمة حقيقية للنازية»، وتوجه إلى الحاضرين صارخاً: «اليوم نحن ننتصر».
من جهة أخرى فقد هيأ السوريون لافتات حملها في الغالب الأطفال، معظمها كتب عليه عبارة شكراً ألمانيا، او أحب ألمانيا، وفي المقابل، كان الألمان يحملون لافتات «أهلاً وسهلا» كتبت بالعربية، ويرددون الأغنية الشهيرة، «قول بصوت عالي قول بصوت واضح، أهلا وسهلا باللاجئين». الألمان في الخارج يصورون السوريين داخل حافلاتهم، والسوريون من داخل الحافلات يشيرون بأصابعهم بإشارات النصر أو يصنعون قلباً أو يلوحون ويصورون الألمان الواقفين في الخارج. مشهد تكرر في كل محطة وصلها السوريون.
عمل اليسار الألماني في جميع المقاطعات لصد أي تحرك نازي قد يفسد عملية الإستقبال، فكانت في مدينة سالفيلد مثلاً مجموعة من الشباب من حزب اللينك اليساري، تستعد لأي تحرك نازي في الشوراع. وتواصل أفرادها مع من يقوم بإستقبال اللاجئين في المحطات لابقاء الأمور تحت السيطرة.
كما كان للسوريين والعرب المقيمين منذ وقت في ألمانيا حضورهم أيضاً، حيث قدموا بشكل طوعي لمحطات القطار ومراكز الإستقبال للمساعدة في الإستقبال والترجمة وتوزيع المعونات.
الآراء حول اللاجئين
تتضارب أراء السوريين أنفسهم حول إستقبال ألمانيا لهم، كما تتنوع أراء الألمان أيضاً حول مستقبل هذا اللجوء وكيفية إدارة الأزمة التي تمر بها أوروبا مع موضوع اللاجئين.
ينفي الكثير من الشباب السوريين أن هناك حاجة لدى ألمانيا لإستيعابهم وهي الحاجة التي تتردد بقوة حول القوة الشبابية العاملة التي تحتاجها ألمانيا. فيقول مؤنس بخارى مؤسس البيت السوري: «علينا التخلي عن نظرية أن ألمانيا العجوز، تحتاج إلى القوة الفاعلة السورية اذ أن نسبة الشباب في ألمانيا ٤٦ في المئة ولو كانت ألمانيا تحتاج السوريين كقوة عاملة كانت قامت بذلك بطريقة مختلفة ويسرت أمور الفيزا واللجوء عن طريق السفارات». بينما يرى الكثير من الألمان ان هذه النظرية خاطئة، لأنه إذا كان الهدف هو جلب قوة عاملة بعيداً من الأسباب الإنسانية والسياسية، لفعلت ألمانيا كما فعلت بعد الحرب العالمية الثانية، وأستقدمت شباباً أوروبيين عاطلين من العمل وهم كثر في أيطاليا واليونان وأسبانيا حالياً، وهم الأكثر قرباً حضارياً وثقافياً. كما أنه من حيث المبدأ على ألمانيا أن تتحمل مسؤوليتها تجاه دول أوروبا، قبل أن تتحملها تجاه السوريين، ومع هذا تبقى الرغبة من الإستفادة من الشباب السوري القادمين أمراً مشروعاً.
صحف ألمانية كثيرة أختصرت الأمر بالأسباب الإقتصادية، وعنونت إحدى الصحف افتتاحيتها بعبارة: الإقتصاد الإلماني ينتظر قدوم السوريين»، مستشهدة بما أكده رئيس اتحاد الصناعات الألمانية أولريش غريللو عندما قال: «إذا تمكنا من أدخالهم سريعاً في سوق العمل، فسنساعدهم ونساعد أنفسنا». وبحسب التقارير فإن ألمانيا تعاني نقصاً في قطاعات الصحة، والفنادق. وأكد غريللو أن تدفق القوى العاملة الجديدة يمكن أن يغيّر المعطيات لأن عدداً كبيراً من المهاجرين ما زلوا شباباً ولديهم مؤهلات جيدة.
السوريون المؤهلون للدخول إلى سوق العمل، في البداية يحتاجون إلى سنة حتى يتقنون اللغة الألمانية، ولا يستطيعون الحصول على أي عمل إذا كان أحد الألمان يتمكن من إدائه وهو مسجل في مكتب العمل، حتى لو كان لدى السوري كفاءات أكبر. وفي ألمانيا يتمتع جميع العاملين بأجور واحدة، فلا يمكن للسوري أن يتقاضى أجراً أقل فتكون فرصته في العمل أكبر، وكثيرون من الشباب السوريين يرغبون في إكمال الدراسة في الجامعة، اذ ان ظروف الحرب في بلادهم منعتهم من هذا. لذا فنحن نتحدث عن ســنوات ليست قليلة على الشاب أن يمضيها في ألمانيا قبل أن يساهم في إنعاش الإقتصاد الإلماني إن صح التعبير.
من جهة أخرى يميل كثيرون إلى تبرير قبول ألمانيا اللاجئين السوريين بالنسبة المنخفضة للولادات التي تشهدها ألمانيا، والتي سجلت إنخفاضا ملحوظاً خلال السنوات الماضية. فإلمانيا شهدت أقل نسبة ولادات في أوروبا خلال السنة الماضية بحسب التقديرات، وبالتالي فإنها ستعاني بعد وقت من عدم وجود جيل شاب قادر على العمل ليدفع رواتب الجيل الأكبر. وفي هذا الصدد لا ينكر الألمان أن السوريين القادمين مع أطفال صغار سيزودون المجتمع بأطفال جدد. كثيرون من الالمان وأثناء إستقبالهم للسوريين أكدوا أهمية قدوم الأطفال إلى المجتمع الألماني وأنهم يعولون على إندماج الجيل الصغير في المجتمع أكثر من إندماج الكبار. ولكن من جهة أخرى يظهر آخرون خوفهم من وجود عائلات عربية مع الكثير من الأطفال أو احتمال انجابها للكثير من الأطفال مستقبلاً مما سيحدث خللاً ديموغرافياً في البلاد، بين أولاد الأجانب وأولاد الألمان. يبقى السبب الإنساني دائماً متأخراً خلال نقاشات السوريين، فتذكر الكثير من الأسباب قبل أن ذكره كدافع لقبولهم لاجئين.
قوة ألمانيا ستزداد
يرى كثيرون هنا أن ألمانيا ستغيّر وجهها التاريخي من خلال إستقبالها وإدماجها للكثير من السوريين. ألمانيا اليوم تصنع لنفسها وجهاً مختلفاً، ألمانيا متعددة الثقافات، وملونة، وللجميع.
ومن جهة أخرى فإن فهم ألمانيا لأزمة اللاجئين السوريين يستند إلى تاريخها أيضا. فبعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، عاد كثير من الألمان من بولندا والتشيك وهنغاريا والنمسا إلى ألمانيا كلاجئين، وعاشوا في مخيمات اللجوء داخل ألمانيا نفسها، بعد ان تم طردهم من جميع الدول السابقة بعد الهزيمة، وشكلوا عبئاً على المجتمع الألماني في حينها، وعانوا ما عانوه أيضا من جوع وبرد وذل في طريق العودة وبعد الوصول. المسنون لا ينسون ما عانوه، والجد رودلف بغومل يقول: «لا أريد للسوريين أن يعانوا كما عانيت من أهل بلدي، وإذا كانت حجة الألمان سابقاً، أن ليس لديهم شيء يتقاسمونه معهم، فنحن الآن لا حجة لنا ولا مبرر لعدم قبول السوريين، وألمانيا تتمتع بأقوى إقتصاد في العالم». ولذا أصر الجد على أن يكون في محطة القطار لإستقبال اللاجئين.
ألمانيا عانت تجربة لجوء أخرى بين الألمان أنفسهم بعد هدم الجدار، فكثيرون انتقلوا من ألمانيا الشرقية إلى الغربية، وحصلوا على منازل ومعونة، بشكل تلقائي، وكانوا أيضاً لا يملكون شيئاً. ولذلك فإن تجربة ألمانيا تختلف عن تجربة أي بلد أوروبي آخر في ما يخص اللجوء.
ويشعر الألمان الآن أنهم أكثر قدرة وقوة أيضاً في محيطهم الأوروبي، فقد قامت ألمانيا متفردة، بإلغاء البصمة المعتمدة في دول الجوار واعتبرت أن اللاجيء أينما بصم سابقاً، سيقبل طلب لجوئه في ألمانيا. ويرى صحافيون المان وخبراء بأن هذا سيجعل لألمانيا دوراً حقيقياً في إنهاء الحرب في سورية، ذاك انه ليس بمقدروها ولا في مقدور الإتحاد الأوروبي أن يتحمل عبء شعب كامل، والحل الأمثل أن تنتهي الحرب في سورية. وقد ساهم تحرك ألمانيا تجاه قضية اللاجئين في تحريك ملف اللاجئين في دول الجوار وأعاد طرح موضوع المحاصصة بين الدول الاوروبية، وربما فرضها في المستقبل.
نظرية المؤامرة
في المقابل يميل البعض إلى تفسير قبول ألمانيا للاجئين السوريين من باب المؤامرة، اذ أن الهدف الأساسي من هذا إفراغ سورية من شبابها ومن القوة العاملة فيها. ومن جهة أخرى تقابل بعض المبادرات الإنسانية والملحة التي يتم الإعلان عنها، بادعاء أنها محاولة لنشر المسيحية بين صفوف المسلمين. فإعلان بعض المدن وجود أطفال سوريين بلا أهل، قد وصلوا إلى ألمانيا، قوبل بمخاوف أن يرمي تبنيهم من قبل والدين مسيحيين إلى تغير دينهم ، وذهب البعض إلى أن هذا هو الهدف من قبول هذا الكم الكبير من اللاجئين.
والأمر الآخر والذي يشير أليه البعض من دون أدلة واضحة عليه، أن اوروبا كما ألمانيا، تسعى إلى تفريغ سورية من أهلها ومن شبابها لغايات إستعمارية.
عن"الحياة"

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف